موسم قطف الزيتون من الطقوس التراثية
بقلم: د. غزال أبو ريا
ذاكرة الأرض ودفء العائلة
موسم قطف الزيتون يحمل في طيّاته أجواءً تراثية وروحية خاصة. اعتدنا أن يشارك فيه جميع أفراد العائلة، من الكبير إلى الصغير، فتتجمّع العائلة كأنها في عيد من أعياد الزمان الجميل.
في الماضي، كان موسم قطف الزيتون عيدًا حقيقيًا، والمدارس تعطل بمناسبة “عطلة قطف الزيتون”. كانت العائلة منذ ساعات الصباح الأولى في الحقول، تغمرها البهجة، وساعة الإفطار لحظة دفء ومحبة. نأكل ما تبقّى من المجدّرة من قاع الطنجرة، مع الزيت والزعتر، ونشرب الشاي والقهوة. ومن معه في الزوادة بطيخة يقسّمها ويدعو جيرانه.
وفي الخلفية صوت بائع الهريسة ينادي: “الهريسة… الهريسة…”، فنفرح حين نحظى بقطعة منها.
تغيّرت الأيام… وبقي الحنين
اليوم تغيّرت الأمور. نسمع في كل جلسة — ودون تعميم — من يقول:
“والله مش عارفين مين بدو يحوشلنا الزتونات!”
الأبناء اليوم يفضّلون “الهمبرغر” و“الباغيت” و“الكريب”، بينما نغني نحن: “أحنّ إلى خبز أمي، وقهوة أمي…”
كل شيء يتغيّر، حتى شجرة الزيتون نفسها صارت حائرة تسأل:
أين الأحباب؟ أين الذين كانوا حولي؟ لماذا هجروني؟
ويقول البعض إن الزيتون لم يعد يُوفي من الناحية الاقتصادية، أي لم يعد مربحًا.
لكن شجرة الزيتون، هذه العريقة المباركة، تبقى شاهدة على علاقة الإنسان بالأرض، وتبقى تنتظر من يعيد وصل ما انقطع.
شجرة تحكي حكايتنا
ما زلنا في يوم الأرض ننشد: “الأرض بتتكلم عربي، الأرض… الأرض…”
ومليح يا جماعة لو قامت شركة لتشغيل العمال في موسم قطف الزيتون، لتبقى هذه العادة الجميلة حيّة لا تموت.
التمسك بالأرض ليس شعارًا، بل سلوك يومي يجب أن نورّثه لأولادنا وأحفادنا. وما أجمل أن تكون العائلة معًا، تقطف ثمار الزيتون كما كنا في الماضي. فذلك المشهد يوحّد القلوب كما يجمعنا شهر رمضان الفضيل، خاصة في زمنٍ باتت فيه وسائل التواصل الاجتماعي تأخذ منا أكثر مما تعطينا.
حكايات المعصرة… عبق الزيت
ما أروع تلك اللحظات حين كان الأب ينقل ثمار الزيتون إلى المعصرة، والأبناء معه ينتظرون بشوق لحظة خروج الزيت الذهبي، بينما “الجفت” يُجمع جانبًا، وتفوح رائحة الخبز والزيت والزعتر واللبنة.
ننتظر دورنا بصبر وسعادة، لا نشتكي، بل نفرح بأننا جزء من دورة الحياة.
كنا صغارًا، والأهل ينقلون الزيتون على ظهر الحمار مع ساعات الظهر أو المساء، وكانت تلك الرحلات الصغيرة جزءًا من الحكاية الكبرى لعلاقتنا بالأرض.
تحويل الموسم إلى عيد
يجب أن نعيد لموسم قطف الزيتون مكانته.
أن يتحوّل إلى عيد وعطلة رسمية للطلاب، وأن تعود المدارس لتكرّس فعاليات تربوية حول شجرة الزيتون: أنواعها — السوري، النبالي وغيرها — وكيفية خزن الزيت، ومكانتها في الديانات، ورمزيتها في السلام والانتماء.
القيم تُترجم إلى سلوك
علينا أن نترجم قيمنا إلى سلوك. فإذا تبنّينا قيمة حب الأرض والانتماء لها، فلنُثبتها بالفعل لا بالكلام.
هذا هو امتحان المواقف: أن لا تبقى قيمنا شعارات، بل تتحوّل إلى ممارسة وسلوك يومي.
عبر السنين، سمارُنا من سمار الأرض، نعيش بها وتعيش بنا.
فلنتمسك بأرضنا كما اعتادت أمي، رحمها الله، أن تقول:
“الأرض تفرح عندما يزورها صاحبها، وتبتسم له"
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency
 
                     