في الأسابيع الأخيرة، تصاعدت وتيرة النقاش حول التمثيل النسائي في السياسة، خاصة في اللجنة العليا لمتابعة شؤون المجتمع العربي داخل إسرائيل، حيث تتقاطع التحديات الوطنية والاجتماعية بشكل مضاعف. هذا النقاش لا ينبع فقط من منطلقات حقوقية، بل من إدراك عميق بأن المرأة العربية هي شريكة حقيقية في صناعة المستقبل، وأن غيابها عن مواقع القرار هو خسارة جماعية لا يمكن تجاهلها.
التمثيل النسائي: ضرورة وطنية لا ترف اجتماعي
المرأة تشكل نصف المجتمع، وصوتها وتجربتها تضيف بعدًا مهمًا لصناعة القرار السياسي. في مجتمعنا العربي، حيث نواجه تحديات تتعلق بالهوية، الحقوق، والاندماج، يصبح حضور المرأة في السياسة أداة للتغيير الحقيقي. التمثيل النسائي ليس ترفًا أو مطلبًا هامشيًا، بل هو ضرورة لبناء مجتمع عادل ومتوازن، يعكس تنوعه الحقيقي ويستفيد من كافة طاقاته.
النساء العربيات أثبتن أنفسهن كمقتدرات على تحمل المسؤولية السياسية والاجتماعية. هن أكثر حضورًا من الرجال في عدة مجالات حيوية: يشكلن الأغلبية بين طلاب الجامعات، ونسبتهن بين المعلمين والعاملين الاجتماعيين تفوق الرجال. هذا الحضور ليس عدديًا فقط، بل نوعي أيضًا، ويعكس كفاءة عالية وجاهزية لتولي أدوار قيادية وسياسية.
ومع ذلك، لا يزال التمثيل السياسي للنساء العربيات محدودًا. رغم وجود نماذج مشرقة مثل حنين زعبي، حسنية جبارة، غيداء ريناوي زعبي، وابتسام مراعنة، إلا أن هذا الحضور لم يتحول بعد إلى ظاهرة مستدامة أو إلى قاعدة تمثيلية عادلة.
حتى عام 1999، لم تدخل أي امرأة عربية من فلسطينيي الداخل إلى الكنيست، إلى أن انتُخبت حسنية جبارة عن حزب ميرتس، لتكون أول من كسر هذا الحاجز التاريخي. تبعتها نادية الحلو عن حزب العمل في 2006، ثم حنين زعبي عن التجمع الوطني الديمقراطي في 2009، والتي كانت أول امرأة عربية تدخل الكنيست عن حزب عربي.
في السنوات التالية، برزت أسماء مثل عايدة توما سليمان، هبة يزبك، غدير مريح (أول درزية في الكنيست)، سندس صالح، إيمان خطيب، غيداء ريناوي زعبي، وابتسام مراعنة عن حزب العمل. الكنيست الـ23 (2020) شهد أعلى تمثيل نسائي عربي حتى الآن، بوجود خمس عضوات عربيات، لكن هذا العدد تراجع في الكنيست الـ25 (2022) إلى اثنتين فقط.
قصور في المؤسسات التمثيلية
القصور في التمثيل النسائي داخل الكنيست، المجالس المحلية، لجنة المتابعة العليا، وحتى في الأطر الحزبية والمجتمعية، لا يمكن تفسيره إلا كعلامة على عدم نضوج هذه المؤسسات. حين تغيب المرأة عن هذه المنصات، تغيب معها قضايا أساسية مثل التعليم، الصحة، العنف الأسري، والتخطيط الحضري، وتفقد هذه المؤسسات شرعيتها التمثيلية الكاملة.
المعالجة تتطلب عملًا على عدة مستويات:
* دعم حزبي حقيقي لترشيح نساء في مواقع متقدمة، وليس فقط في مواقع رمزية.
* توفير بيئة سياسية آمنة وخالية من التمييز، تتيح للنساء العمل بحرية وكرامة.
* تشجيع الانخراط المبكر في العمل العام، بدءًا من المدارس والجامعات.
* بناء تحالفات نسوية عابرة للأحزاب والانتماءات، تركز على القضايا المشتركة.
* إعادة تعريف القيادة في المجتمع، لتشمل النساء كجزء أصيل منها، لا كمكمل أو استثناء.
علينا أن نكسر الصورة النمطية التي تحصر المرأة في أدوار اجتماعية محددة، ونفتح المجال أمامها لتكون شريكة حقيقية في صياغة المستقبل. التمثيل النسائي في السياسة هو مؤشر على مدى نضج المجتمع، وعلى قدرته في استيعاب كافة مكوناته بشكل عادل. غياب النساء عن مواقع القرار هو خسارة لنا جميعًا، وليس فقط لهن.
المرأة العربية ليست فقط نصف المجتمع، بل هي صانعة التغيير فيه. ومن هنا، فإن تعزيز حضورها في السياسة هو خطوة نحو مستقبل أكثر عدالة، أكثر توازنًا، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency