النباتيزم السياسي: نتنياهو يحوّل الدولة إلى ملكية عائلية
بقلم: محمد دراوشه

في مشهد يعكس أزمة عميقة في إدارة الدولة، حاول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تمرير تعيين نجله يائير في منصب رفيع داخل الكونغرس الصهيوني العالمي، دون أي شفافية أو مؤهلات حقيقية. هذه الخطوة، التي كادت أن تمر في اللحظة الأخيرة، ليست مجرد تعيين مشبوه، بل تجسيد صارخ لظاهرة "النباتيزم"—تفضيل الأقارب في المناصب العامة، على حساب الكفاءة والمصلحة الوطنية.

النباتيزم (Nepotism) هو مصطلح سياسي وإداري يُستخدم لوصف منح المناصب والامتيازات للأقارب، دون اعتبار للكفاءة أو الاستحقاق. هذه الظاهرة ليست فقط غير أخلاقية، بل تُعد بوابة للفساد، وتُضعف ثقة الجمهور في مؤسسات الدولة، وتحوّلها إلى أدوات شخصية بيد العائلة الحاكمة.

نتنياهو: مشروع توريث مستمر
محاولة تعيين يائير نتنياهو، الذي يقيم في ميامي ويقضي وقته في مهاجمة خصوم والده عبر منصات التواصل، جاءت دون سيرة ذاتية، دون مقابلة، ودون أي مسار تنافسي. المنصب المقترح كان بمستوى وزير، مع راتب ومكتب وسيارة، في مؤسسة تُدير أكثر من مليار دولار سنويًا من المال العام.  هل هذه دولة مؤسسات؟ أم شركة عائلية تُدار من مكتب رئيس الحكومة؟

المجالس العربية: صورة مصغّرة لنفس المرض.  المؤسف أن هذا المرض الإداري لا يقتصر على المستوى القُطري. في العديد من المجالس المحلية العربية، نرى رؤساء يعيّنون أبناءهم، إخوتهم، وأقاربهم في مناصب حساسة، دون اعتبار للكفاءة أو المصلحة العامة. النتيجة؟ مؤسسات مشلولة، خدمات متدهورة، وشعور عام باليأس من إمكانية التغيير.

الفساد لا يبدأ عندما تُسرق الأموال، بل عندما تُكسر القواعد لصالح الأقرباء. عندما يُقصى الأكفاء، ويُكافأ الموالون، تنهار المعايير، وتتحول المؤسسات إلى أدوات طيّعة بيد العائلة أو الحزب. هذا ما يفعله نتنياهو، وهذا ما يفعله كثير من رؤساء السلطات المحلية. الفرق الوحيد أن الأول يفعلها على مستوى الدولة، والآخرون على مستوى البلديات.  إذا لم نقف في وجه النباتيزم، فإننا نُسلّم مفاتيح الدولة لمن يعتبرها ملكًا شخصيًا. لا يمكن بناء مستقبل عادل على أساس المحسوبيات. لا في القدس، ولا في الناصرة، ولا في أي مكان. المعركة ضد الفساد تبدأ من رفض التعيينات العائلية، أياً كان اسم العائلة.