لقاء لا يُنسى مع المناضلة الفلسطينية ليلى خالد – بقلم رانية مرجية

رانية مرجية
نُشر: 14/11/25 09:21

خرجتُ من الفندق في صباح الخامس عشر من حزيران 2010، وأنا أحمل داخلي شعورًا بأن اليوم لن يشبه أي يوم آخر.

كان الهواء خفيفًا، لكنه مشبعٌ بإحساس موعدٍ كبير ينتظرني.

لم أكن وحدي—إلى جانبي كان الشاعر والصديق رامي ياسين، الذي لم يكتفِ بمرافقتي، بل كان هو من رتّب هذا اللقاء المرتقب، ومن فتح لي بابًا نحو امرأة حملت فلسطين في ملامحها وفي خطواتها وفي نظراتها… نحو المناضلة ليلى خالد.

كا رامي يسير بجانبي بصمتٍ جميل، كأنه يعرف أن اللحظة أثقل من الكلام، وأن الطريق إلى ضاحية الحسين ليس مجرد مسافة، بل عبور نحو ذاكرة وطن كامل.

الطريق إلى ضاحية الحسين… الطريق إلى حيفا في القلب

انطلقت السيارة، وكان كل متر نقتربه يشعرني كأنني أقترب من شيء أعمق من لقاء صحفي؛ كنتُ أقترب من جذور روحي، من قصة بدأت قبل ولادتي، من حكاية امرأة جعلت العالم كله يلتفت إلى وجعنا وحقنا واسمنا.

كان رامي يشير إلى الطريق وكأنه يرشدني إلى شيء مقدس،

وكان الصمت بيننا يشبه صلاة قصيرة…

صلاة تليق بامرأة جعلت فلسطين تكبر في قلوبنا.

وحين وصلتُ إلى بيتها، وخرجت ليلى خالد لاستقبالنا بضحكتها الواسعة التي تسع نصف التاريخ ونصف الوجع، نظرتُ إلى رامي وتأكدتُ أن ترتيبه لهذا اللقاء لم يكن ترتيب موعد… بل ترتيب قدر.

بيت يشبه فلسطين… حيث الجدران تتنفس ذاكرة

دخلنا منزلها فوجدناه يشبه حضن الوطن في بيت واحد:

صور جورج حبش على الجدران،

وصورة أبو علي مصطفى تحتضن المكان،

وتحف فلسطينية تنهض من الرماد كأنها تقول:

“نحن لم نُمحَ… نحن فقط تغيرنا أماكنًا.”

لكن أكثر ما هزّ قلبي كان حجر قرميد أحمر من بيتها في حي الهدار بحيفا.

حجرٌ حمله لها صحفي أجنبي، لكنه عاد إلى صاحبته كما تعود الذكرى إلى القلب…

كان الحجر صامتًا، لكنه يصرخ:

“نحن هنا… ما يزال هذا الوطن يعيش في أصغر قطعك.”

حديثٌ لا يشبه الحوارات… كان اعترافًا وولادةً جديدة

جلست أمام ليلى، وإلى جانبي رامي ياسين، الذي كان منصتًا مثل طفل أمام حكمة أم كبيرة، وسألناها… لا بأسئلة صحفية، بل بأسئلة الروح.

عن نضال المرأة…

قالت ليلى بصوتٍ يعرف الجبهات والجبال والدموع:

“نضال المرأة ليس هامشًا… إنه قلب الحكاية.

المرأة تناضل ضد الاحتلال،

وضد الظلم الاجتماعي،

وضد الشرخ السياسي…

ومع ذلك لا تزال واقفة.”

سردت قصصًا لا تُنسى:

امرأة تقف أمام دبابة دون سلاح،

أم كامل الكردي التي رفضت الملايين وفضّلت خيمتها،

أسيرات يرسمْن حريتهن على جدار الزنازين،

نساء يقدن الهتاف في الناصرة وغزة والقدس وبلعين.

عن العودة… اليقين الذي لا يموت

قالت ليلى وهي تستعيد البحر في عينيها:

“أنا أرى حيفا كما أراك الآن.

العودة ليست حلمًا… هي موعد مؤجل.

إن لم نعد نحن، سيعود أولادنا… أو أحفادنا.

المقاومة لم تكن خطة، بل ضرورة،

والعودة ستكون كذلك.”

عن رفضها للعودة وحدها

سألتها لماذا رفضت العودة حين سُمح لها، فقالت كأم لا كمقاتلة:

“زوجي مبعد، وأولادي محرومون.

لا أعود إلى الوطن وحدي…

الوطن لا يُعاش فرادى.

إمّا أن نعود معًا… أو نبقى معًا.”

عن الكنيست

قالت بصوتٍ يشبه ثبات جذع زيتونة قديمة:

“الكنيست ليس منبر الفلسطيني.

الحقوق تُنتزع من الشارع،

من الشعب…

لا من برلمان بُني على نفي وجودنا.”

رسالتها لأبناء الداخل

ثم التفتت إلينا كأنها تخاطب كل المدن التي بقيت تحت الاحتلال:

“يا أبناء حيفا ويافا واللد وأم الفحم والناصرة وعكا…

هذه أرضكم. حافظتم على الذاكرة وعلى اللغة وعلى الوجدان.

لا تخافوا.

الجنسية لا تلغي الهوية،

وأنتم أكبر دليل.”

وأضافت:

“ما ينقصنا قيادة موحدة… أما الشعب، فهو الأقوى.”

ثم قالت كلمات لا تنسى:

“أنا لبنانية الأصل…

لكن فلسطين هي وطني كما هي وطن العالم.

وكما قال جيفارا:

حيث يكون الظلم… فذلك هو وطني.”

في الختام… سلامتك يا ليلى، يا قلب فلسطين

خرجتُ من بيتها وأنا أشعر أنني خرجت من فلسطين نفسها،

وكان رامي ياسين يمشي بجانبي بصمتٍ يعرف أن الكلمات تضعف أمام هذه اللحظة.

وحين أغلقت ليلى الباب خلفنا، شعرتُ أن التاريخ أغلق بابًا صغيرًا،

وفتح في القلب بابًا أكبر.

يا ليلى…

سلامتكِ من كل وجع.

عودي إلى صحتك كما يعود الضوء إلى الفجر.

نحن بحاجة إلى صوتك،

إلى حكمتك،

إلى حضورك الذي يشبه وطنًا كاملًا.

سلامتكِ… يا وجهًا يشبه الكرمل،

وروحًا تشبه حكايات العودة،

وابتسامة تحمل نصف تاريخنا ونصف حلمنا.

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة