مقال: وطنٌ يعلّم أبناءه الحلم… ثم يجرّدهم من حقّ الحلم
بقلم: رانية مرجية
في هذا الوطن، نكبر على جملة شهيرة يرددها الآباء للجيل الجديد: "ادرس يا بني، فالعلم يرفع بيتًا لا عماد له."
نصدقهم.
نحسب أن الشهادة سلاح، والاجتهاد درب، والطموح جناح. نكبر ونكدّ ونحلم، ومن حولنا هالة من الأمل تقول إن لكل مجتهد نصيبًا.
لكننا نصدم—وبقسوة—بأن النصيب ليس للمجتهدين، بل للمقرّبين، وأن الأبواب لا تُفتح بالمفاتيح التي نصنعها بعرق جبيننا، بل بالمفاتيح المصنوعة في مكاتب النفوذ، ومجالس المصالح، وهواتف "أصحاب القرار".
هذا وطنٌ لا يخذل أبناءه فقط… بل يخذل أقدس ما فيهم: إيمانهم بالعدالة.
ابن الفقير… مواطن بنصف فرصة
ابن الفقير يدخل الحياة مُثقلًا بما لم يختره: قلة الحيلة، ضيق الحال، وغياب الواسطة.
يُطالب أن يكون في القمة، رغم أنه يبدأ من القاع.
يُقال له: "اجتهد، وستصل."
لكنه حين يصل إلى بوابة العمل، يجد أن وصوله لا يعني شيئًا لأن اسمه ليس "صحيحًا" بما يكفي، ولأنه لا يحمل رقم هاتف الشخص المناسب في جيبه.
ابن الفقير يدرس بشغف، ينتظر بشرف، ويُهزم بصمت.
يُهزم لا لأنه ضعيف، بل لأن النظام الذي يقف أمامه أقوى من كل اجتهاده.
إنه يُستنزف معنويًا.
يستهلك عمره وهو يثبت أنه يستحق فرصة، بينما غيره يحصل على الفرصة قبل أن يثبت أي شيء.
ابن الوزير… منصب قبل الولادة
على الضفة الأخرى، هناك ابن الوزير، وابن المسؤول، وابن صاحب السلطة.
هؤلاء يدخلون الحياة ومعهم رزمة امتيازات مجانية، كأنهم صُنِعوا من طينة مختلفة.
لا يطاردون الفرص… الفرص تطاردهم.
لا يبحثون عن الوظيفة… الوظيفة تنتظر توقيعهم.
لا يقلقون من المقابلات… فالمقابلة مجرد تحية شكلية، والقرار مُتخذ مسبقًا.
يُصبح المنصب لهم قبل أن يعرفوا مسؤولياته.
وكأن البلد ملكية خاصة، توزّع فيها المكاتب كما تُوزّع الأراضي والبيوت.
التعيينات الفاسدة… وجه آخر للخراب
حين تذهب المناصب لغير مستحقيها، يخسر الوطن أكثر مما يتخيل البعض.
تنهار المؤسسات من الداخل، يهبط مستوى الخدمات، تتراجع ثقة المواطن، ويصبح الأداء العام ضعيفًا، بلا روح، بلا رؤية، وبلا ضمير.
الفساد ليس فقط سرقة المال العام.
الفساد الحقيقي هو سرقة فرصة.
سرقة حلم.
سرقة عمر شاب كان يستطيع أن يبني، لولا أن الكرسي ذهب لمن لا يستحق.
الفاسد لا يحتاج أن يسرق الخزينة… يكفي أن يسرق مقعدًا كان يجب أن يجلس عليه ابن الفقير.
الشهادات تُهان… والكفاءات تُحارب
إن أخطر ما في هذا المشهد أن الدولة—من حيث لا تدري—تقول لأبنائها:
“لا قيمة لشهاداتكم… ولا معنى لاجتهادكم… ولا جدوى لطموحكم.”
إنها رسالة مدمّرة، تجعل التعليم بلا معنى، وتجعل الشباب بلا مستقبل، وتجعل الوطن بلا طاقة بشرية حقيقية.
وهكذا تنتشر البطالة، وتتمدد الإحباطات، ويزداد النزيف البشري إلى الخارج.
الهجرة… ليس هروبًا بل نجاة
حين يهاجر أبناؤنا، يقال إنهم “تركوا الوطن”.
والحقيقة أنهم لم يتركوه… بل تُركوا.
تُركوا بلا فرصة، بلا أمل، بلا اعتراف بقدراتهم.
هم لا يبحثون في الخارج عن رفاهية، بل عن عدالة بحدّها الأدنى: أن يُقيَّموا بما يعرفون، لا بمن يعرفون.
أسئلة لا تحتمل التأجيل
إلى متى سيبقى الفقير مجرد صوت بلا صدى؟
إلى متى يبقى المنصب إرثًا؟
إلى متى يكون مستقبل الناس مرهونًا بعلاقات لا بقدرات؟
إلى متى ندفع ثمن فساد لا يجرؤ أحد على تسميته باسمه؟
وإلى متى سيبقى العدل مؤجلاً… كأنه مشروع مترف لا وقت له؟
نحو وطن لا يخجل من أبنائه
لا نريد وطنًا يُقصي ابن الوزير، ولا وطنًا يُقصي ابن الفقير.
نريد وطنًا واحدًا، معيار واحد، فرصة واحدة.
نريد دولة تقول لكل أبنائها:
"من يجتهد… يستحق."
"من يتعب… يُكافأ."
"ومن يملك كفاءةً… يتقدم."
نريد وطنًا لا يخجل حين ينظر في المرآة.
وطناً لا يحتاج مواطنوه إلى معارف بل إلى معرفة، لا إلى واسطة بل إلى جدارة.
كلمة أخيرة… بحجم الوجع
سيأتي يوم، وربما قريب، نسأل فيه:
لماذا تراجع الوطن؟
لماذا هاجر الشباب؟
لماذا انطفأت الأحلام؟
وسيأتي الجواب واضحًا كالشمس:
لأن المناصب وُزعت بلا حق.
لأن الفساد كان أقوى من العدالة.
ولأن أبناء البلد—الذين كان يمكن أن ينهضوا به—لم يُسمح لهم بالاقتراب من باب الفرصة.
وطنٌ لا يحاسب نفسه… لن يرحمه التاريخ.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency