الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 03:02

ألنظافة من الإيمان

بقلم: المحامي سامي
نُشر: 31/08/09 14:11,  حُتلن: 14:15

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

 

* إذا صدف وكان بيدك شيئا لترميه إلى القمامة, وصدفة لا تجد حاوية للنفايات, لا يطاوعك عقلك وقلبك أن ترمي هذا الشيء على الأرض حرصا على إبقائها نظيفة
*انا على يقين أن مخالفي القانون اليوم في إلقاء النفايات على جوانب الطرق وفي الأماكن العامة أصبحوا كثيرين, ومن يوم إلى آخر أكثر وأخشى أن تصبح عادة تتفشى بين أبناء مجتمعنا كوباء إنفلوانزا الخنازير

لا أجمل ولا أروع من طبيعة أوروبا, فإن سهولها وهضابها وجبالها دائمة الألوان المتعددة منها الزاهية ومنها الخضراء منها الحمراء ومنها الصفراء, وكل فصل له رونقه ولونه المتميز. والإنسان يستطيع التمتع بوجود كل فصل على حده. ولا أنقى من مياه الأنهر والوديان هناك. مياه هذه الأنهر تنبع من الجبال, تراها تتساقط وتتهاوى بشكل شلالات رائعة الجمال وكأنها شعر غجرية فاتنة لعبت به الريح وتركته ليتهاوى على كتفيها. وإذا تأملت هذه الشلالات قد تغرق في أحلام أبديه, ولكن سرعان ما تصحو من حلمك على صوت سقوط المياه المتدفقة من الأعالي إلى الهاوية لتجد مسارها وتسمع خرير المياه ساحبة معها كل ما أتى بوجهها حتى وأنها تأخذ أحلامك التي للتو استفقت منها. لا أبالغ إذا قلت أن جمال الطبيعة في بعض الأماكن في أوروبا مثل جنوب ألمانيا والشمال الشرقي لسويسرا والشمال الغربي للنمسا يضاهي جمال ووصف الجنة على الكرة الأرضية. ونقاء هوائها يجعل الرئتين أن تنفتحا وتمتلئا هواء نقيا. ما يجعل قضاء يوما في أجواء هذه الطبيعة, بأن يزيد من طول عمرك سنوات عده. ولا عجب أن حياة القرويين ألأوروبيين طويلة من حياة المدنيين ومن طول حياة شعوب أخرى.
ولكن سرعان ما يلفت انتباهك هو نظافة هذه الطبيعة والأماكن العامة. رغم زيارة الإنسان المكثفة لها. فإذا صدف وكان بيدك شيئا لترميه إلى القمامة, وصدفة لا تجد حاوية للنفايات, لا يطاوعك عقلك وقلبك أن ترمي هذا الشيء على الأرض حرصا على إبقائها نظيفة. وتجد نفسك مجبرا أن تبقي القمامة بيدك أو تدسها في جيبك حتى تصل أول حاوية نفايات. هذا السلوك تجده عند الأوروبيين وخاصة الألمان وغيرهم ممن يتمتعون بطبيعة نظيفة, والنظافة لديهم ليست بكلمة غريبة. وأنه ليس تصرف غريزي وإنما تربية منقولة من جيل إلى جيل. هكذا يتعلم الطفل منذ نعومة أظافره, بأن القمامة لا تلق على الأرض وفي كل مكان وإنما ترمى في حاوية النفايات. وليس مرة تصادف أما أو أبا يصحح خطأ طفله عندما يرمي شيئا ما على الأرض. وترى أنهم يلتقطا القمامة أمام الطفل ويعلماه كيف وأين يجب رميها! مرارا وتكرارا أتذكر حادثة حصلت أمامي عندما رمى طالب أجنبي ألملامح (أفريقي اللون) ورقة في طريق عام تقطع متنزه عام, أمام امرأة ألمانية كانت تتنزه مع طفلها الذي لا يتعدى الخمس سنوات. ولا أنسى كيف همت هذه المرأة أمام أبنها وأمام هذا الأجنبي بالتقاط هذه الورقة ورميها في حاوية النفايات التي كانت لا تبعد سوى مترين عن الطريق. في تلك الساعة تمنيت من الأرض أن تنشق وتبتلعني بسبب الشعور بالخجل من هذا الموقف. وأما ذلك الطالب الأجنبي الفاعل قد رأى واعترف بالخطأ واعتذر على تصرفه هذا. والمرأة أخذت تؤنب ضميره على التصرف بشكل عام وخاصة أمام طفلها الذي تربيه دائما الحفاظ على النظافة العامة. طبعا هذا لم يقلل من خجلي من الموقف ويجعلني أن لا أنسى هذا الموقف طيلة حياتي.
اليوم في زمن العولمة هموم العمل وعدم الحركة الجسمانية تجعل الإنسان خاملا, ونمط حياتنا الغذائي الغير منتظم يجعل خطورة الأمراض تقترب منا كل دقيقة وكل يوم, وهذا ما جعلني ويجعل الكثيرين من أبناء مجتمعنا أن نتبنى رياضة المشي . اعتبرت نفسي محظوظا بأنني أسكن في أحد أطراف المدينة, ما يسهل علي عدم التكلف أو السفر أو الخروج من المدينة حتى أصل مسار مشي, مما يجعلني أن لا أزعج الآخرين أو العكس كذلك. وعندما تتعود على رياضة المشي, تنعم بهواء أنقى وتتمتع بجمال الطبيعة التي لا تبعد عنك سوى أمتار عده. وحين تعود الجسم على هذه الرياضة ليس من السهل أن تتوقف عنها, إلا إذا كان سببا هام جدا ما يمنعك من التمتع في هذا النوع من الرياضة أو سببا صحيا. أصبحت يوما بعد يوم اتخذ من هذه الرياضة عادة, ولكنني من يوم إلى يوم أدرك كم بعضا من أبناء مجتمعنا ودون تعميم يعيشون المظاهر بعيدين عن ألأخلاقيات والقيم المكتوبة.
بعد أن أبتعد عن بيتي أمتارا عده, أجد وكأن حافة ألطريق أصبحت مكب نفايات لبعض أبناء مجتمعنا. علما أن قرب بيت كل منا حاوية للنفايات ورغم أن مكان مكب النفايات المدينة لا يبعد سوى ثلاث كيلومترات, لمن لا يصبر حتى تأتي سيارة جمع النفايات. مسار المشي الذي اتخذته يمر قرب نبع مياه يزيد عمره عن 150 عاما. منذ طفولتي كنت أزور هذا النبع ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا تتقطر ألمياه الصافية العذبة والباردة من أعماق الجبل لتصل إلى منبع العين ويتلذذ كل عابر سبيل في شربها. ولكن رغم اهتمام إحدى جمعيات البلدة في تنظيفها وجعلها مكانا سياحيا وثقافيا, إلا أن القمامة تملأ محيطه من كل جانب.
وما أن أتقدم عدة أمتارا أخرى في وادي العين, الذي يجري عادة في أيام الشتاء والربيع, إلا أن تفوح رائحة كريهة من جانب الطريق. وعندما تتفحص مصدر هذه الرائحة, لم أتفاجئ عندما وجدت أمعاء داخليه لذبيحة قام صاحبها بإلقائها بجانب الطريق, لأن هذا هو أسهل حل بالنسبة له. من "ألمؤكد" صعب عليه السفر إلى مكب النفايات لأنه يبعد 2-3 كيلومترات أخرى, ولا ننسى بأنه يتسنى عليه دفع رسوم بخس ليرمي زبالته هناك, لأنه لا يريد أن يبقي الأمعاء في حاوية النفايات بقرب بيته, وما لا يحب لنفسه, يبدو بأنه يحب للآخرين أن "ينعموا" بالرائحة الكريهة. أوليس أن "النظافة من الإيمان" يا إخوان؟
أتابع ألمشي وكلي أمل أن يصبح الوضع أفضل عما مررت به حتى الآن. وأقترب رويدا من أحراش على الجبل المحاذي. من بعيد يتهيأ للناظر وكأنه أقترب من جبل أحراش في سويسرا. ولكن التهيؤ يبقى على حاله والصدمة أقرب, حيث تجد في بداية الطريق إلى الحرش ركام من بقايا بناء مثل قطع بطون وقطع سيراميك وقطع أحجار بلوك. أي أن أحد "المواطنين الصالحين" انتهى من تصليح بيته, وبقي عليه التخلص من البقايا حيث لم يجد المكان المناسب, إلا بعيدا عن بيته وليس في مكب النفايات وإنما بين أحراش ألبلده, وهو يظن بأن الأحراش هي المكان الصحيح. متجاهلا القانون الذي يمنع ألقاء النفايات, والضرر البيئي والضرر في المنظر العام وحتى مشاعر الذين يتمتعون في رياضة المشي على الطرقات التي تشق الأحراش. أليس هذا باسم "النظافة من الإيمان" كذلك؟
لا أدري ما إذا أصبح هذا التصرف ثقافة عند بعضنا, عندما تراهم حريصون على نظافة بيتهم ومحيطه, ولكنهم يأتون بقمامتهم إلى أطراف البلد, وكأن أطراف البلد لا تهمهم وليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل!
لا أنسى الموقف الذي كنت فيه قبل سنة تقريبا, عندما أتى لزيارتي أصدقاء أجانب وموظفي أحدى القنصليات الأجنبية الأوروبية التي تمثل بلادها في بلادنا. طبعا أردت أن أعرفهم على بلدي ومعالمها. وأحد المواقع التي زرناها كان النصب التذكاري لشهداء يوم الأرض الذي يقع في مجال مقبرة البلد. لقد بدأت بشرحي عن أسباب يوم الأرض وأحداث يوم الأرض وسقوط الشهداء, وكيف أصبحنا نتخذ يوم الثلاثين من آذار في كل سنة منذ تلك السنة حتى يومنا هذا يوما لنعبر فيه عن غضبنا ونتظاهر به ضد أفعال السلطة ومصادرة أراضينا. وكيف استطعنا إرجاع قسم لا يستهان به من الأراضي المصادرة. ورأيت انفعالهم في سمات وجوههم. ولكن ما أن أنهيت سردي وشرحي وأردنا ترك المكان حتى لفت انتباهي أحد الزائرين عن وجود ألقمامة في المكان وعدم ألاهتمام في نظافة المكان. حقيقة شعرت بالإحراج الشديد في الإجابة على السؤال, وكل جواب مني ليس عذرا كافيا, لأنه لا يوجد أي سبب في العالم يمكنه أن يقنع الزائر عن عدم نظافة المكان. ومع أنني تحججت بأنه قبل أيام عدة كانت مظاهرة في المكان, ومنذ ذلك الوقت عمال النظافة في البلدية يتواجدون في إضراب بسبب عدم تلقيهم أجورهم, وذلك بسبب ألعنصرية ألحكومية التي تعم على الوسط العربي بشكل عام من قبل السلطة, وعدم ضخها للأموال الكافية حتى تستطيع مجالسنا وبلدياتنا أدارة قرانا وبلدياتنا. وما أن انتهيت من حجتي حتى لاحظت علامات الامتعاض على وجوه الضيوف من سوء معاملة السلطة لشريحة مجتمعنا. وكل بدأ يبدي رأيه في الحكومات العنصرية, ولم أجد واحدا من الزائرين لم يقل كلمة ضد تصرف هذه الحكومات. انتهينا من نقاش هذه النقطة, وأنا شعرت نوعا ما قد خرجت من الحرج ومن عدم تلبيس أبناء مجتمعنا صفة عدم الاهتمام في نظافة بلدنا وبيئته. ومن هنا تابعنا مشوارنا والمحطة الآتية في برنامجي كانت ألصعود إلى جبل محاذي للبلدة, فيه مسار للمشي ومن هناك نستطيع أن نرى البلد بعين طائر لأن المكان عالي. وكما نستطيع أن نرى المستوطنات المحيطة في البلد والتي تمنع انفتاح وتوسع البلد لكل الاتجاهات. لقد سافرنا في السيارات بقدر المستطاع وترجلنا عندما استصعب الأمر على السيارة لنكمل مشوارنا مشيا على الأقدام. لم يمر كثيرا من الوقت وبعد أن تخطينا أمتارا قليلة, حتى تلقيت الصفعة التالية, عندما صادفنا أول كومة ركام بناء وأوساخ قد ألقيت على حافة الطريق. ونظرت مباشرة إلى الزائر الذي طرح سؤاله عن النظافة بقرب النصب التذكاري, وإلا به يحدق بوجهي ولم ينتظر مني أي تعليق وسأل: وهل إلقاء النفايات على حافة الطريق متعلقة بإضراب عمال النظافة؟ وهنا شعرت بالحرج الشديد, لأنني أعرف أن كهذا عمل أصبح عند البعض عادة وليس لدي الآن أي حجج لأقنع فيها ضيوفي عن سبب هذه الأعمال, ولم يخطر ببالي سوى القول: بأن أحد المواطنين قد خالف القانون, وفي كل العالم تجد دائما مخالفين للقانون!
لا أدري إذا كان ضيفي قد اقتنع, ولكنني على يقين أن مخالفي القانون اليوم في إلقاء النفايات على جوانب الطرق وفي الأماكن العامة أصبحوا كثيرين, ومن يوم إلى آخر أكثر وأخشى أن تصبح عادة تتفشى بين أبناء مجتمعنا كوباء إنفلوانزا الخنازير, إذا ما علمنا أبناءنا في البيت, وطلابنا في المدارس عن أهمية النظافة في البيت والأماكن العامة على حد سواء! لذلك علينا أن نربي أولادنا ليس على القيم والأخلاق فقط, وإنما على النظافة وأهميتها, وعلينا أن نكون لهم قدوة في التصرف الصحيح. لعلنا نصنع مجتمعا أفضل يؤمن بالنظافة الشخصية والعامة ويصبح اهتمامنا وحرصنا على المصلحة العامة كعادة من عاداتنا الحسنة, ليس لنعطي انطباعا للآخرين فقط, وإنما لنتمتع نحن في رياضة المشي, ونقاوة الهواء دون تلوث بيئي, ولنستطيع شرب مياه الينابيع دون أن نخشى التلوث. أليست فعلا " ألنظافة من الإيمان " ؟!
 

مقالات متعلقة