الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 22:02

ابراهيم صرصور: القتل على شرف العائلة يعود الى الجاهلية وعلينا مجابهته بكل الطرق

بقلم الشيخ إبراهيم
نُشر: 04/02/10 08:32,  حُتلن: 09:01

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

- الشيخ ابراهيم صرصور في مقاله:

* بعض القبائل العربية قبل الإسلام كانت تقتل بناتها أحياء خوفا من العار 


* جرائم القتل على شرف العائلة لا علاقة لها بالاسلام  وهي جرائم بكل ما تعني الكلمة من معاني

* جاء الإسلام ليشنع على العرب جريمتهم في حق البنات البريئات ، وجعل تشنيعه لهذا الفعل المنكر قرآنا كريما ونصا مقدسا وتشريعا سرمديا

* لم يعترف القرآن بما بَرَّرَ به العرب جرائمهم ضد النساء، واستبدل ذلك بالتأسيس لثقافة جديدة ورؤية رصينة تجعل للدماء حرمةً وللأرواح قداسةً


اخترنا كلمة جرائم في وصف عمليات القتل على خلفية ما يسمى شرف العائلة  للتأكيد ابتداء على الحقيقة الشرعية أن عملية القتل التي ينفذها البعض ضد نساء في مجتمعنا العربي وفي عالمنا الإسلامي ، إنما هي جرائم بكل ما تعني الكلمة من معاني تستوجب القصاص ومتعلقاته حسب شريعة الإسلام ... هذه هي الحقيقة الأولى ، أما الثانية فإن هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر المشابهة لا علاقة لها بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد ، وإنما هي وليدة عادات اقرب ما تكون إلى الجاهلية الأولى التي تستحق كل الاستهجان والمجابهة بكل الطرق والوسائل ...

لم يعترف القرآن بما بَرَّرَ به العرب جرائمهم ضد النساء
لقد كانت بعض القبائل العربية قبل الإسلام تقتل بناتها أحياء خوفا من العار لِما كانت تتعرض إليه مجتمعاتهم من غزو تُسْتَباحُ فيه الأعراض وَتُسْبى فيه النساء ، فجاء الإسلام ليشنع على العرب جريمتهم في حق البنات البريئات، وجعل تشنيعه لهذا الفعل المنكر قرآنا كريما ونصا مقدسا وتشريعا سرمديا ، مصداقا لقوله سبحانه : " وإذا الموءودة سئلت ، بأي ذنب قُتِلَتْ ؟" . جاء في تعليق الشهيد سيد قطب على هذه الآية قوله : " ما كان يمكن أن تنبت كرامة المرأة من البيئة الجاهلية أبدا ، لولا أن تتنزل بها شريعة الله ونهجه في كرامة البشرية كلها ، وفي تكريم الإنسان : الذكر والأنثى ، وفي رفعه إلى المكان اللائق بكائن يحمل نفخة من روح الله العلي الأعلى . فمن هذا المصدر انبثقت كرامة المرأة التي جاء بها الإسلام ، لا من أي عامل من عوامل البيئة ، لأن هذا ليس من قيم السماء ولا وزن لها في ميزانها . إنما الوزن للروح الإنسانية الكريمة المتصلة بالله ، وفي هذا يتساوى الذكر والأنثى )".. انتهى ..
لم يعترف القرآن بما بَرَّرَ به العرب جرائمهم ضد النساء بنات وأخوات وزوجات وعمات وخالات وجدات ، ولم يجعل حُكْمَهُ في هذا الجرائم الشنيعة مُخَفَّفاً أخذا بتلك الاعتبارات ، واستبدل ذلك بالتأسيس لثقافة جديدة ورؤية رصينة تجعل للدماء حرمةً وللأرواح قداسةً ، لا يجوز لأحد المس بها مهما كانت الأسباب إلا أن يكون وليا للأمر / حاكما / قاضيا ، استوثق من الأدلة الدامغة ، وتأكد من الوقائع الحاسمة ، فأوقع الحكم المنصوص عليه شرعا ، وما عدا ذلك من اخذ الأفراد القانون لأيديهم وتنفيذهم لحكم الجاهلية قتلا بدليل وبغير دليل ، فهذا يعتبر جريمة تستحق إنزال أقصى العقويات وأشدها في المعتدين / المجرمين ...

خلل خطير في البنى التحتية الإنسانية
إن شيوع الجريمة على خلفية ما يسمى بشرف العائلة، سواء في مجتمعاتنا هنا في إسرائيل ، أو في فلسطين أو في عالمنا العربي والإسلامي ، إنما هو انعكاس لخلل خطير في البنى التحتية الإنسانية لهذه المجتمعات، وقد تكون بسبب غياب النموذج القادر على ضبط حركة المجتمع بما يحقق التوازن العاطفي والوجداني والواقعي الميداني لطرفي المجتمع الرئيسيين : الرجل والمرأة ... استنكار الظاهرة الخطيرة، وتحديد الموقف الشرعي منها كما فعلنا أمر مهم حتى لا ندع للشيطان منفذا، ولا لسوء الفهم طريقا ... هذا تحصيل حاصل ... ولكن هل هذا يكفي ...
الجواب : لا ... لا بد من البحث وبعمق عن الأسباب وراء هذه الظاهرة / الجريمة حتى نستطيع اجتثاثها لحساب مجتمع أكثر طهارة ، وأُسَراً أعظم تماسكا ، وعلاقات بين الجنسين أكثر انضباطا وأعمق وعيا بالطبيعة البشرية وبُنْيَتِها الفطرية وأشواقها الروحية ودوافعها الغريزية ، وميولها الإحساسية والشعورية ...

 لا أنكر أبدا انه المجرم بالمعنى القانوني
لا يمكن لنا أن ننطلق بمشروع بناء اجتماعي يأخذ ما ذكرنا بعين الاعتبار إذا مضينا في تحميل الرجل المسؤولية عن الجريمة، وإن كنت لا أنكر أبدا انه المجرم بالمعنى القانوني، لكننا ما دمنا في صدد تفكيك الصورة إلى أجزائها للوصول إلى عملية علاج كلي وشامل، لا بد أن نطالب الطرفين الرجل والمرأة ، أي المجتمع كله بمراجعة شاملة لمجمل الأوضاع التي انزلقنا إليها بسبب تَغَوُّلِ ثقافة الإستهلاك ، وانطلاق الغرائز، وانطفاء الإحساس بالغيرة ، والتمرد على الأخلاق ، والانقلاب على الآداب العامة ، وقلب الطاولة في وجه عاداتنا الجميلة وتقاليدنا الحميدة ، حتى ما عاد للحشمة معنى ، ولا للحياء مكان ، ولا للضوابط الفطرية وجود ... لا للأب احترام ، ولا للأم قول أو رأي ، ولا للأسرة مكان ، حتى بتنا يقتلنا الشوق إلى أيام كان مجتمعنا رغم بساطته وغياب المدنية التي نراها اليوم عن حياته.

 نار تَلَظَّى أحد أعراضها 
 الحصن الحصين والحضن الآمن والأمين لكل فضيلة ... عرف فيه الرجل حدوده بتوجيه من ضميره الحي مهما كان سنه أو مكانه أو صفته، كما عرفت المرأة حدودها مهما كان سنها أو مكانتها أو صفتها، وبتوجيه أيضا من ضميرها الحي وشعورها الناضج بالمسؤولية عن نفسها وعن غيرها، وقوة التزامها ( بالكود ) الأخلاقي الذي تربت عليه ونبتت من أرضه، وَعُمْقِ قناعتها بأنها كشقيقها الرجل مسؤولة مسؤولية مباشرة عن سلامة المجتمع وعن أمنه واستقراره ... هذا ما نريده حتى ننجو من نار تَلَظَّى أحد أعراضها هذا النوع من الجرائم المرتبط زورا وبهتانا بالشرف ، والشرف الذي نعرفه ونؤمن به من هذا الإفك براء ...

 مذبحة أخلاقية
مجتمعنا يعيش مذبحة أخلاقية إلى حد كبير اختلط فيها الحابل بالنابل ... ما عادت المفردات ، شرف العائلة، غسل العار  ورد الاعتبار ، على سبيل المثال لا الحصر، إلا فصلا للعبة قذره يلعبها العابثون من الجنسين، دون أن يتنبه الطرف الضعيف والمهضوم وهو المرأة في ظل الضغط الساحق لجاهلية القرن الواحد والعشرين، أنها ستكون أولى ضحاياها ، بينما يفر الذكر من الحلبة أولا كشريك في ارتكاب الفاحشة هذا على افتراض الوقوع ، فلا يقع القتل عليه كما وقع على شريكته ، حسب منطق الجاهلية الذي رفضناه ابتداء ، وثانيا كولي للأمر : أب أو أخ أو عم ... الخ ... يخرج من المعركة بطلا ، وهو يغسل العار ويرد الاعتبار بسفكه لدم بريء ثبت بالدراسات العلمية براءة ضحاياه مما نُسِبَتْ إليهن من تهم باطلة ، وألصق بهن من بهتان مبين ...

هذا الموضوع لا يمكن اعتباره من باب الترف الفكري
إن إثارة مثل هذا الموضوع لا يمكن اعتباره من باب الترف الفكري ، وإنما من باب إعادة الوعي المفقود للمجتمع ، على ضوء الأدلة العقلية والنقلية ، أهدف من خلاله إلى توعية القارئ و تنوير عقله، والرجوع به إلى أصول الإسلام وقواعد الدين ومقاصد الشريعة ، وإدراك حقيقتها والغايات السامية منها ... كما حاولت جهدي الوصول بالقارئ إلى الفصل بين المُتَصوّر في الخيال الشعبي حول المرأة والرجل والعلاقة المفترضة بينهما ، وبين ما جاء في النصوص المعصومة : القرآن والسنة ، والتي من شأنها أن تعيد التوازن المطلوب للمشهد الكلي ، فيصبح الشرف  في التزام الحق والعدل ، ويصبح  العار في الخروج عليهما، وتصبح الشراكة الحقيقة بين الرجل والمرأة شراكة تكامل وتراحم ، لا شراكة تضاد وتزاحم ... وصدق الله إذ يقول : ( ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى) ، ويقول أيضا : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة ، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون . ) ... صدق الله العظيم ...

مقالات متعلقة