الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 07:02

ربيع عربي أم فصل خامس؟/ بقلم: خيري منصور

كل العرب
نُشر: 19/11/11 08:32,  حُتلن: 13:38

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

خيري منصور في مقاله:

الفصل العربي الخامس أتى بفاكهة علينا أن نقضم منها بحذر فهي احيانا حامضة واحيانا مرة كما هي ايضا بطعم الشهد

الفصل الخامس هو تزاوج الفصول الاربعة ففيه من الصيف قيظه وغباره ومن الشتاء صقيعه وبرقه ووابل امطاره ومن الخريف حزنه الغامض

ما شهده الواقع العربي هذا العام قد يكون ربيعا بمقياس من رزحوا تحت نظم استبدادية كانت بمثابة خريف طويل تساقطت فيه آخر اوراق التوت وتحولت تلك النظم الى عورات تاريخية

في هذا الفصل الخامس تعايشت الرقصة مع البكاء مثلما تجاوزته الافراح والاتراح فالمهر المدفوع لهذه الجميلة العذراء والمُشتهاة وهي الحرية ليس مالا او جاها او اشعارا او اغنيات إنه دم بشري

بدءا جاءت تسمية الحراك العربي الذي اندلع منذ مطلع هذا العام مما اطلق عليه الربيع الاوروبي عام 1848، ذلك العام الذي شهد تغيرات عاصفة في اوروبا، مثلما شهد حدثا لم يخطر ببال معاصريه أنه سيكون سببا جذريا لثورة السابع عشر من اكتوبر الروسية، التي انتهى ربيعها القصير بخريف مزمن اثناء الحقبة الستالينية وجاءت البروسترويكا بعد ذلك لتسدل الستار وبلا اي بيان ختامي على امبراطورية ذات خوذة فولاذية ثقيلة هي الاتحاد السوفييتي.
ذلك الحدث في عام 1848 والذي لا يذكره من رصدوا ربيع اوروبا هو البيان الشيوعي، اما التسمية الثانية فهي ما اطلق على احداث براغ عام 1968، والتي حملت اسم ربيع براغ في الذاكرة السياسية وتقاويم الاحداث الكوبرنيكية في القرن العشرين . وهناك مثل انكليزي قديم يقول ان سنونوة واحدة قد تبشر بالربيع، لكن الانكليز لم يشترطوا لهذا الربيع احتراق السنونو او تحوله الى فينيق كما حدث في تونس عندما تخلقت عنقاء الثورة من رماد البوعزيزي، والذي حملته الرياح كغبار اللقاح الى مصر وبقية الاقطار التي منها ما انهى مهمته العسيرة في اسقاط النظام ومنها ما لم يزل بين السندان والمطرقة ...

الواقع العربي
ما شهده الواقع العربي هذا العام قد يكون ربيعا بمقياس من رزحوا تحت نظم استبدادية كانت بمثابة خريف طويل تساقطت فيه آخر اوراق التوت، وتحولت تلك النظم الى عورات تاريخية بحيث لم تجد ما يسترها، لكنني اميل الى تسمية ما جرى، حتى الان فصلا خامسا، وهو ما يرادف الجهة الخامسة، واحيانا ما سماه روائي مهجوس بالزمن وفائض عذاباته الساعة الخامسة والعشرون ...
الفصل الخامس ليس عجلة خامسة لا قيمة لها في سيارة، او اصبعا سادسا زائدا في الكف نتيجة تشوه خًلقي، انه تزاوج الفصول الاربعة، ففيه من الصيف قيظه وغباره ومن الشتاء صقيعه وبرقه ووابل امطاره ومن الخريف حزنه الغامض وتساقط الاوراق عن الشجر الذي يبدو كما لو انه قد اصيب بالصلع وان كان بعضه يرتدي باروكة من ريش الطيور، ومن الربيع ازهاره وان كانت شقائق النعمان الحمراء هي ما يغمر السفوح ويسيل الى القيعان.
في كل حراك من هذا الطراز ينفجر المكبوت بكل سلالاته، الجسدية والطبقية والسياسية والطائفية، ولكل قيس ليلاه في هذا الليل الطويل، سواء غنى لها او عليها، وذات يوم شوهد شاعر طالما وصف بالداندية والنرجسية وعدم الاكتراث بما يجري حوله وهو يحمل بندقية ويسرع الى حيث يحتشد الناس في باريس، وكانت تشهد حراكا راعفا وعنيفا، هذا الشاعر هو بودلير، الذي سئل باستهجان عن سبب حمل البندقية والخروج مع الناس، فأجاب انه يريد البحث عن الجنرال اوابيك، عدوه الذي تزوج امه رغما عنه، وبالتالي حرمه من حنانها.

جنرالات اغتصبوا الامة
الفصل الخامس يتسع ايضا لامثال بودلير مثلما يتسع لملايين لم يحرمهم ازواج امهاتهم من الحنان، بل حرمهم منه جنرالات اغتصبوا الامة وليس الام فقط، وظنوا ان حذف الشدة من كلمة أمّة سيحولها عبر متوالية العسف والاخصاء والتدجين الى (أمَة)، أي عبدة .
في هذا الفصل الخامس تعايشت الرقصة مع البكاء، مثلما تجاوزته الافراح والاتراح. فالمهر المدفوع لهذه الجميلة العذراء والمُشتهاة وهي الحرية ليس مالا او جاها او اشعارا او اغنيات، انه دم بشري، نزف في ساحات وشوارع حتى رسم تضاريس مضادة لأوطان لطالما اضحت مجرد كتل ديموغرافية صمّاء، بعد ان سعى النظام الباتريركي الاعمى والعجوز المتصابي الى تحويلها الى قطعان، تعيش بالخبز وحده ثم لم تجد حتى هذا الخُبز، وكان الرهان الباتريركي بعد القطعنة على التجويع، بحيث تأكل الحرة بثدييها، لكن التاريخ الماكر بالتعبير الهيغلي أفسد الرهانات كلها، واوتي الحذرون من مأمنهم.

الفصل العربي الخامس
واذا كان لكل فصل فاكهته ومناخه وايقاعات الطبيعة فيه، فإن الفصل العربي الخامس أتى بفاكهة علينا أن نقضم منها بحذر فهي احيانا حامضة واحيانا مرة، كما هي ايضا بطعم الشهد، هي فاكهة جديدة على اشجار لم نشهدها من قبل، وعلينا ان نؤهل اذواقنا وألسنتنا لتجريبها.
ما دام هناك عسكر يحلمون بالسطو على هذا الحراك، وما دام هناك متعصبون واقصائيون يترصدون خاتمة المطاف كي يظفروا بغنائمهم. ان التزامن الدراماتيكي بين انفجار عدة مكبوتات من شأنه ان يخلق التباسا في المشهد، فالمديونية باهظة وما اضافه التاريخ من ربا سياسي لها باهظ ايضا، وثمة من ينوبون عن آبائهم واجدادهم في استعادة حقوق مستباحة، لأن عدة عقود من الحكم الشمولي قادرة على ان تحول الاستبداد من طبائع بعبارة الكواكبي الى صنائع، فثمة اكاديميات عديدة تعهدت بمثل هذا التصنيع لطغاة صغار حولوا تعويض الكفاءة بالولاء، فأفرطوا بالتنكيل بكل الكفاءات لأنها تفتضح عريهم وعري أباطرتهم .

اليوم الثامن في اطول اسبوع
الفصل العربي الخامس، هو ايضا اليوم الثامن في اطول اسبوع في التاريخ، بعد ان كان لهذا الاسبوع عطلة لا تلوح لها نهاية هي البطالة السياسية وحالة الاستنقاع الثقافي والاجتماعي، وقد عرف التاريخ فصلا خامسا من هذا الطراز لكن بصورة مضادة، فالمنفى الذي قذف اليه شارع الحب ومسخ الكائنات الشاعر الروماني اوفيد هو فصل يخلو من فاكهة وايقاعات الفصول الاربعة، وكأن الجغرافيا هي بالفعل تاريخ تخثّر وتماسك وتحول من مفاهيم مجردة ورخوة الى تضاريس من صخر صلد وتراب ورمل.
كان نفي اوفيد عقابا، اما فصل العرب الخامس فهو ثواب لأنهم كابدوا شتى صنوف العذاب صيفا وشتاء وربيعا وخريفا وتجرعوا مرارات الثورات التي سمعوا بياناتها الاولى من مذياع خشبي مثلما تجرعوا مرارات عهود العثمنة والجندرمة ونظم الاستقلال الكاذب الاشبه بالحمل الكاذب والفجر الكاذب والمشهد الكاذب الذي قال ازوالد شبنجلر ان العين الكليلة تبتكره من خلال القذى والصديد اللذين يملآنها، وكان على الدوام شهاب الدين العسكري اردأ من اخيه المدني مما اوصلها خلال نصف قرن فقط الى ميداس جديد هو طبعة تاريخية منقحة من اسطورة ميداس، فإذا كان ميداس يلامس الاشياء فيحولها الى ذهب، فإن ميداس التاريخ في مثاله العربي كان لعدة عقود يلامس الذهب فيحوله الى قصدير وصدأ، وحتى الان لم نكتشف شر هذه الخيمياء السياسية التي حولت الأغنى الى الأفقر والأعلم الى الأجهل والاوسع مساحة الى الاضيق والاكثر تعدادا ديموغرافيا الى الأقل!!!

بشارة حياة ضد الموت
رياح الفصل الخامس، لم تستطع النوافذ صدّها، وما كان يبدو قلاعا محكمة البوابات وقوى لا تقهر اتضح على الفور انها من ورق مقوى، وان ما كان يسمع من زئير هو مجرد مواء في حفلة تنكرية ولم يعد من السهل قياس ما يحدث على اية سوابق لأنه غير قابل للنمذجة او التنميط، فالمعادلات كلها مقلوبة، والعسكر يلحقون بالناس بعد ان كان الناس يلحقون بهم ويصفقون لطوابير دباباتهم وهي تقطع المسافة بين الثكنات وقصور الرئاسة.
اخيرا، اذا كانت على سطح الجلد بثور بسبب الحمى التي اندلعت في الدم، فهي بشارة حياة ضد الموت شرط ان لا تتجاسر القابلة عير الشعرية وغير القانونية على خنق الجنين وهي تخرجه من الرحم!!!

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co.il 

مقالات متعلقة