الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 21:02

أين احترام اولاد اليوم لوالديهم ؟/ بقلم: الاب جبرائيل نداف

كل العرب
نُشر: 18/03/13 19:16,  حُتلن: 08:11

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

 ما جاء في مقال الأب جبرائيل نداف:

أكرِم أباك وأمك تلك هي الوصية الأولى التي أُنيط بها الوعد:" لكي تنال خيرا وتطول أيامك على الأرض"

قال لي احد المسنين منذ أكثر من سنة لم نرَ أحدا لا الأولاد ولا البنات ولا الأحفاد ولا الأصهار ولا الكنائن الله يسامحهم

نحن نفهم أن لا تكون أحيانا متوفرةً في بيوتنا جميع إمكانات الخدمة اللائقة واللازمة للمريض أو المسنّ من فسحةٍ مكانية كافية للراحة او التنزه او طاقات بشرية للخدمة على انواعها او تجهيزات صحية او طبية لمراقبة المريض او العاجز ومتابعته

في كل مرة اذهب لزيارة دار العجزة في الناصرة وآخر في شفاعمرو وفي معليا، اتأمل عيون المسنين فأقرأ فيها كآبة عميقة وحزنًا سحيق الغور: المشرفون على الدار يعملون ما في وسعهم لتأمين الخدمات الضرورية بالتي هي احسن، ولكنها لا تخلو أحيانا من بعض الخشونة او قلة الكياسة او عدم الخبرة المهنية لدى بعض المستخدمين. الرتابة تملأ نهار النزلاء، فلا زائر ولا محدِّث، ولا بسمة حب او لمسة حنان...- قلت بشيء من العصبية: والأولاد ؟ وكأنك نكأت جرحا.

أين احترام اولاد اليوم لوالديهم؟
انفجر بعضهم بالبكاء. وقال لي احدهم، وهو يكفكف دموعه: منذ أكثر من سنة لم نرَ أحدا، لا الأولاد ولا البنات ولا الأحفاد ولا الأصهار ولا الكنائن، الله يسامحهم. والتفتُّ الي فرأيته حاجبا وجهه بكلتا يديه، وكأنه خجِلَ ان تكون رجولته قد انهارت بالبكاء. قلتُ له: بماذا تفكر ؟ فتنهد، ثم قال بعد تردد: عندما كنا صغارا، كان المرحوم جدّي – وهو أرمل – ساكنا معنا في بيت واحد، وكنا جميعا نتسابق في محبته وخدمته، وكان هو يغمرنا بحبه وحنانه. وفي أحد الأيام كان نائما في صدر البيت على فرشة على الأرض، وعنده بعضُ رشحٍ وحمّى، وقد أمرَنا الأهل ان لا نرفع الصوت، كيلا نزعجه، حتى ينام ويستريح. وفيما نحن نلعب "الدومينو" مع الأهل، اذا بالأخ الأصغر يصرخ فجأة: "دومينو، لقد ربحت". فأفاق الجدّ غاضباً، وما كان منه الا ان سحب من جانب فرشته فرْدة حذائه، فحذفَنا بها قائلا: أسكت يا صبي. فطارت القذيفة فأصابت رأس المرحوم والدي. فقام وحملها الى والده وقبّل يده بكل احترام - ومسح دمعتين على خدّيه، وأضاف: أين احترام اولاد اليوم لوالديهم من احترام سابقيهم؟

 دموع الندم

ودّعتُهم على امل اللقاء الزيارة القادمة. وخلاله اتصلتُ بالأولاد جميعا ، فكان بيننا لقاء وحديث صريح، ثم زيارة الى العجوزين من بعض الابناء الذين استجابوا لكلامي، انهمر فيهم الكثير من دموع الندم والمسامحة والحنان والفرح. مع الوعد بأن يزورهم الأولاد على الأقلّ مرة في الأسبوع او في الشهر.

مواصفات دور العجزة
ظاهرة "دور العجزة" هي هي، وانتشارها في تزايد متسارع، حتى أصبح من النادر ان ترى والدَين مسنّين يسكنان مع أولادهما او قريبا منهم. فان لم يكن نصيبهما الإهمال التام، فمصيرهما في أحسن الأحوال هو الى مثل تلك الدور. صحيح ان بلادنا تنعم بخدمات صحة واستشفاء وشيخوخة قلّ مثيلها في كثير من البلدان، وصحيح ان مواصفات دور العجزة وتجهيزاتها وقوانين ادارتها متقدمة في الغالب تقدما جيّدا. لكن ذلك لا يبرّر على الإطلاق ان يصبح ارسال الوالدين المسنّين الى تلك الدور هو القاعدة العادية الصحيحة. وما أحوجنا اليوم ان نعود الى تقاليدنا وأصالتنا القديمة، حيث الكبير له الكرامة الأولى في بيته وبيوت أبنائه. بل ما أحوجنا أن نعود الى تراتنا الديني، الذي غرس وجذّر فينا تلك التقاليد والأصالة.

الإكرام الفعلي
نحن نفهم أن لا تكون، أحيانا، متوفرةً في بيوتنا جميع إمكانات الخدمة اللائقة واللازمة للمريض أو المسنّ، من فسحةٍ مكانية كافية للراحة او التنزه، او طاقات بشرية للخدمة على انواعها، او تجهيزات صحية او طبية لمراقبة المريض او العاجز ومتابعته. ففي مثل تلك الحالات – وحينئذ فقط - يكون الإكرام الحقيقي للوالدين لا في ابقائهما عندنا ضحية لكل تلك الحاجات، بل في السعي لنقلهما الى حيث تؤمَّن لهما العناية والخدمة الكريمة. ولكنّ مثل هذا التدبير، اذا ما اضطرِرنا اليه، لا يجوز، بأيّ وجه من الوجوه، ان يُعَدّ كإجراءٍ للتخلص من كائنٍ مزعج متعب، بل هو، ببساطة، الإقرار بالعجز عن مزيد من الخدمة، والسعيُ لمزيد من الإكرام الفعلي.

أكرِم أباك وأمك
ويبقى الأهم. فكل ما ذُكِر، على ضرورته وأهميته، يبقى ناقصا إن خلا من الوجه الإنساني الحقيقي في علاقتنا مع الوالدين. ومن ثم فلا يجوز تناسيهما في "الملجإ"، مهما كانت الخدمة والعناية مؤمّنة فيه، بل علينا تفقّدهما مرارا، ومبادرتهما بكل عواطف المحبة والحنان. لقد سهرا وتعبا كثيرا ليربيانا صغارا، ويُضفيا على أيام طفولتنا وصبانا أجواء الدفء والمحبة والحنان والسعادة. أفيكون كثيرا علينا أن نبادلهما بعض ذلك في شيخوختهما؟ - "أكرِم أباك وأمك": تلك هي الوصية الأولى التي أُنيط بها الوعد:" لكي تنال خيرا، وتطول أيامك على الأرض" (أفسس 6/2-3).

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة