الأخبار العاجلة
مطانس فرح في مقالته:
تطفو على السّطح أصوات مسيحيّة عديدة تروّج للتّجنّد وتطالب المسيحيّين بالانخراط في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيليّ بحُجّة تحصيل الحقوق والشّعور بالانتماء إلى هذه الدّولة
كفاكم ترويجًا للتّجنّد والخدمة العسكريّة كفاكم لعبًا على أوتار الطّائفيّة والتّرهيب من المسلمين كفاكم تلوّنًا ونفاقًا للدّولة كفاكم شعورًا بالدّونيّة يجب عدم خلط الأوراق وتشويه صورة المسيحيّين الشّرفاء شئتم أم أبيتم ستبقون قلّة
ما يؤلمني ويثيرني ويحزّ في نفسي أنّ الكنائس المسيحيّة الكاثوليكيّة منها والأرثوذكسيّة في هذه البلاد "المقدّسة" لم تتّخذ خطوةً مباركةً مقدّسة ولم يقف رجال الدّين المسيحيّون فيها وقفة رجلٍ واحد ضدّ التّجنّد والخدمة العسكريّة
من المُعيب والمُخجل جدًّا أن يدعو المسيحيّ أخاه المسيحيّ إلى الانخراط في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيليّ ترهيبًا من "الأعداء" المسلمين وخنوعًا وطاعةً للدّولة حفاظًا على حقوقنا وأمننا
إنّ دعوة المسيحيّين – الشّباب منهم والشّابّات – إلى التّجنّد والانخراط في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيليّ مرفوضة كلّيّـًا، من قبل غالبيّة المسيحيّين، الوطنيّين الشّرفاء؛ لأنّها دعوة نتِنة، مُستفِزّة، ومثيرة للغضب؛ فكم بالحريّ إذا أتتنا هذه الدّعوة من قبل بعض المسيحيّين أنفسهم.. نعم، من قبل بعض المسيحيّين "المخلصين" لدولة إسرائيل، وخصوصًا لمؤسّساتها الحكوميّة والأمنيّة والعسكريّة. ففي الآونة الأخيرة – وللأسف الشّديد – بدأت تطفو على السّطح أصوات مسيحيّة عديدة تروّج للتّجنّد، وتطالب المسيحيّين أنفسهم بالانخراط في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيليّ، بحُجّة تحصيل الحقوق والشّعور بالانتماء إلى هذه الدّولة.. بل تطرّفت بعض هذه الأصوات وذهبت إلى أبعد من ذلك، مستخدمةً أسلوب التّرهيب من الحركات الإسلاميّة المختلفة، مدّعيةً أنّ جيش الاحتلال سيوفّر الأمن والأمان لمسيحيّي هذه البلاد "المخلصين"، وسيضمن لهم بقاءَهم، في ظلّ موجة التّطرّف الإسلاميّ الّتي تجتاح مِنطقتنا!
كفاكم شعورًا بالدّونيّة
حتّى إنّ بعض المسيحيّين "الأوفياء" "المخلصين" لهذه الدّولة، يُعدّ العدّة لتأسيس حزب مسيحيّ ("صِهيونيّ") لخوض معركة الانتخابات القادمة للكنيست الإسرائيليّ، يشمل – ضمن مطالبه – تجنيد أبناء الرّعايا المسيحيّة..!! مدّعين أنّ من واجبنا تقديم الولاء للدّولة ولمؤسّساتها العسكريّة، أيضًا؛ لأنّها توفّر لنا حقوقنا.. وكأنّها تُسدي لنا معروفًا؛ فمن واجبها – بصفتها دولة "ديمقراطيّة" متحضّرة – أن توفّر لنا ذلك، بدون منّة أو مقابل؛ لأنّنا أصحاب هذا البيت، أصلًا!
كفاكم ترويجًا للتّجنّد والخدمة العسكريّة.. كفاكم لعبًا على أوتار الطّائفيّة والتّرهيب من المسلمين.. كفاكم تلوّنًا ونفاقًا للدّولة.. كفاكم شعورًا بالدّونيّة.. يجب عدم خلط الأوراق وتشويه صورة المسيحيّين الشّرفاء – شئتم أم أبيتم – ستبقون قلّة؛ فالأكثريّة المسيحيّة لا ترضى بالانخراط، ولا الانصهار الأعمى في هذه الدّولة، الّذي له أن يُفقدنا البوصلة والهُويّة والقوميّة والانتماء، ويزيدنا تشرّدًا وتفكّكًا وضَياعًا. كفاكم فخرًا بانتمائكم إلى جيش شرّد وقتل وهجّر أطفالنا ونساءَنا وشيوخنا وشبابنا من المسيحيّين والمسلمين؛ كفاكم فخرًا بانتمائكم إلى جيش اقتلع أشجارنا واحتلّ أراضينا وصادر غالبيّتها – وما زال؛ كفاكم فخرًا بانتمائكم إلى جيش شنّ – ويشنّ – حروبًا على شعوبنا العربيّة، قابضًا على حرّيّة شعبنا الفِلَسطينيّ من مسيحيّين ومسلمين، مُهيمنًا وباقيًا على احتلاله؛ كفاكم فخرًا بانتمائكم إلى جيش هجّركم – أيّها المسيحيّون(!) – من قريتي إقرث وكفر برعم وباقي المناطق، ومنعكم من العودة إليها! كفاكم فَخرًا.. كفاكم..! فالنّكبة الّتي ألمّت بمسلمي هذه البلاد من احتلال وقتل وتشريد وتهجير ومصادرة أراضٍ واقتلاع أشجار، ألمّت بالمسيحيّين أيضًا، من دون تمييز.
القاء الابناء الى التهلكة والضياع
وما يؤلمني ويثيرني ويحزّ في نفسي أنّ الكنائس المسيحيّة، الكاثوليكيّة منها والأرثوذكسيّة، في هذه البلاد "المقدّسة" لم تتّخذ خطوةً مباركةً مقدّسة، ولم يقف رجال الدّين المسيحيّون فيها وقفة رجلٍ واحد ضدّ التّجنّد والخدمة العسكريّة! صراحةً، إنّ تخاذل العدد الأكبر وصَمته من رجال الدّين المسيحيّين لم يفاجئني كثيرًا؛ فسياسة الأغلبيّة منهم معروفة للجميع!! ولكنّ رجال الدّين رعاة حسَب تعاليم مسيحهم ومسيحنا، وعلى عاتق كلّ راعٍ منهم تقع مسؤوليّة الحفاظ على أبناء رعيّته. من المفترض أن يمشوا حسَب تعاليم السّيّد المسيح، أليس كذلك؟ فأنا متأكّد من أنّه لو وُجد المسيح بيننا لاتّخذ موقفًا صارمًا وواضحًا وصريحًا لا تلعثم فيه، يدعو – من خلاله – إلى رفض التّجنّد من منطلقات مسيحيّة وإنسانيّة وأخلاقيّة وحتّى سياسيّة؛ فهو لا يُلقي بأبنائه إلى التّهلكة والضّياع!! فلِمَ تتنصّل غالبيّتكم من اتّخاذ موقف حادّ وصارم ضدّ مؤامرة التّجنيد والتّصدي لها، بما أوتيتم من مركَز وقوّة تأثير؟ أحفاظًا على ماء الوجه مع السّلطات أم لمآرب ومصالح خاصّة، تعلو على مصالح أبناء رعيّتكم أيّها الرّعاة؟!
تواطؤ وتخاذل الكنائس المسيحيّة
الادّعاء أنّ قرار التّجنّد قرار شخصيّ ادّعاء واهٍ، في اعتقادي؛ وإنّ عدم اتّخاذ موقف واضح من قبل المسيحيّين ورجال الدّين يُعدّ تخاذلًا وتواطؤًا.. ولكن دعوني لأكون مُنصفًا أيضًا، أشيد بموقف بعض رجال الدّين المسيحيّين الوطنيّين الشّرفاء، الّذين افتخر لوجودهم بيننا، الّذين اتّخذوا موقفًا واضحًا وصريحًا وعلنيّـًا، بدون تردّد أو تلعثم، ضدّ جميع مؤامرات التّجنيد والخدمة على أنواعها، أذكر من بينهم – على سبيل المثال لا الحصر – البطريرك ميشيل صبّاح والمطران عطا الله حنّا، اللّذين أكنّ لهما كلّ الاحترام والتّقدير، إضافةً إلى قلّة قليلة جدًّا من الكهنة. هناك طرق عديدة يمكننا من خلالها تحصيل جميع حقوقنا بدون تقديم تنازلات وطنيّة وأخلاقيّة؛ فالتّرهيب من المسلمين ونفث سموم الطّائفيّة والعنصريّة يخدمان السّلطات الإسرائيليّة فقط، ويفرّقان بين أبناء الشّعب العربيّ الواحد. فمن المُعيب والمُخجل جدًّا أن يدعو المسيحيّ أخاه المسيحيّ إلى الانخراط في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيليّ، ترهيبًا من "الأعداء" المسلمين، وخنوعًا وطاعةً للدّولة؛ حفاظًا على حقوقنا وأمننا وبقائنا؛ إنّها ظاهرة مُقلقة ومُرعبة جدًّا في ظلّ تواطؤ وتخاذل الكنائس المسيحيّة وغالبيّة رجال الدّين المسيحيّين في هذا الخصوص.. فعلى ما يبدو، الأعداء الحقيقيّون يأتون من بيننا، أعداء من الدّاخل.
كاتب المقال صِحافيّ حيفاويّ، مدير تحرير صحيفة "حيفا"
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency