الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 05:02

الشعر العربي كان وما زال فن وصناعة في آن واحد/ بقلم: الدكتور أحمد كامل ناصر

كل العرب
نُشر: 15/01/14 08:24,  حُتلن: 08:30

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

الدكتور أحمد كامل ناصر:

الشعر ليس مجرد ألفاظ صوتية ذات دلالات صرفية أو نحوية أو معجمية وإنما هي تجسيد حي للوجود له كيان وجسم

من يريد أن يصبح شاعرًا لا بد أن يكون موهوبًا لأن الشعر فن وموهبة ومن ثم لا بد أن يكون عارفًا ومتمكنًا من أصول اللغة العربية

 الشعرُ صعبٌ وطويلٌ سُلّمُه إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمَه
(الحطيئة)

أعطي الشعر العربي تعريفات كثيرة، فقال بعضهم: إنّ الشعر هو الكلام الجميل الموزون المقفى ... وعرفه آخرون بالتعبير المادي والفني للفكر الإنساني بلغة عاطفية ذات إيقاع. ورأى قسم ثالث أنه نظام لا يتحكم فيه النحو، بل الانفعال والتجربة (1) ، وأن " كل إيحاء يفجر إيحاءً آخر، وتستطيع الكلمة الشعرية أن تلقي أمام القارئ بعالم خبئ يبين شيئًا فشيئًا عن طريق الرؤى اللغوية التي تلوح في مخيلة القارئ (2) ؛ فالشعر ليس مجرد ألفاظ صوتية ذات دلالات صرفية أو نحوية أو معجمية؛ وإنما هي تجسيد حي للوجود له كيان وجسم. وهو وسيلة تعبير وخلق (3) . والشعر نسيج خصوصي من الكلام، أو بنية خاصة تنصهر فيها الكلمات والتعابير، والأفكار، والمشاعر، والرؤى في حدس واحد ودفق واحد (4) .. وغيرها من التعريفات.

سنحاول في هذا المقال أن نقف بإيجاز على نماذج غير مألوفة من فنون الشعر العربي المتعددة التي استعملها صانعو "الشعرية العربية" في العصر الحديث منذ بداية القرن التاسع عشر، ومن ثم الإشارة إلى أنّ الشعر العربي كان وما زال فنًّا وصناعة في وقت واحد.
فيما يلي بعض من فنون الشعر العربي الحديث:
1- الشعر الملحمي في الأدب الحديث: عرف الشعر العربي في العصر الحديث بعض الملاحم منها: "عبقر" لشفيق المعلوف، "على بساط الريح" لفوزي المعلوف، "المجدلية" لسعيد عقل وغيرها.
2- الشعر المسرحي: وهو قصة شعرية تدور حول حادثة معينة تتجسد في اشخاص. تؤدى بأسلوب الحوار وتعرض على خشبة المسرح. مثل مسرحية "مجنون ليلي" لأحمد شوقي.
3- الشعر الأخيف: هو ما جاءت ألفاظه واحدة منقوطة وأخرى غير منقوطة كما ورد في المثال التالي لناصيف اليازجي.
ظبيةٌ أدماءُ تُفْني الأمَلا خَيّبت كلَّ شجيًّ سألا
لا تفي العهدَ فتشفيني ولا تنجزِ الوعدَ فتشفي العللا
4- الشعر الأرقط: وهو ما كانت حروفه منقوطة وغير منقوطة على التوالي ولعل التسمية من قولهم "ثوب أرقط" أي بياض يخالطه سواد. مثال:
ونديمٍ بات عندي ليلةً منه غليلُ
خافَ من صنعِ جميلٍ قلتُ لي صبرٌ جميلُ
5- شعر التفعيلة أو الشعر الحر: هو شعر حديث يقوم على وحدة التفعيلة وقد يتصرف الشاعر بهذه التفعيلة فيستحدث تفعيلات جديدة أو يمزج تفعيلات بحر بتفعيلات بحر آخر. أبرز رواد هذا الشعر: نازك الملائكة، بدر شاكر السياب، أنسي الحاج، أدونيس، صلاح عبد الصبور، محمود درويش وغيرهم.
6- الشعر التوأم: هو ما تشابهت كلماته بالرسم، حتى إذا أبدلت نقط بعضها، ظهرت لها معان جديدة. نحو قول صفي الدين الحلي:
سَنَدٌ سَيّدٌ حَكيمٌ حليمُ فاضِلٌ فاصِلٌ مُجيدٌ مَجيدٌ
حازمٌ جازمٌ نصيرٌ بصيرٌ زائدٌ رائدٌ شديدٌ سديدٌ
7- الشعر الحالي: هو ما كانت جميع حروفه منقوطة. وربما جاءت التسمية من حليت المرأة إذا ازدان جيدها بالحلي. يقول ناصيف اليازجي:
بشجيِّ يبيتُ في شجنٍ فِتَنٌ ينتَشِبنُ في فِتَنِ
8- الشعر العاطل أو المهمل: وهو ما كانت كلماته خالية من النقط. مثال:
الحمدُ للهِ الصمد حالَ السرورُ والكمدُ
الله لا الهَ إلا اللهُ مولاكَ الأحدُ
9- الشعر المعكوس: وهو أن يكون عكس البيت. أو عكس شطره نحو قول الشاعر الأرجاني:
مودتُه تدومُ لكلِّ هولٍ وهل كلُّ مودَّتِهِ تدومُ
10- الشعر المقطع: ينظم من الكلمات ذات الحروف التي لا يتصل بعضها ببعض. نحو قول صفي الدين الحلي:
إذا زار داريَ زَوْرٌ وَدودٌ أوَدُّ وأُورِدُهُ وَرْدَ وُدّي

بناء على ما تقدم من أمثلة نقول: إنّ من يريد أن يصبح شاعرًا لا بد أن يكون موهوبًا لأن الشعر فن وموهبة، ومن ثم لا بد أن يكون عارفًا ومتمكنًا من أصول اللغة العربية: قوانينها النحوية والصرفية إضافة لخصائص الجمال فيها لأن الشعر حرفة وصناعة. ولعله من غير المعقول أن نتفوق في الشعر دون أن نعرف ونستوعب ان للشعر أنواعًا يسعى كل من يريد ان يصبح شاعرًا إلى معرفتها.

بتنا ندرك أن الشعر العربي: سواء كان قصيدة أو "نثيرة " اتخذ مسارًا جديدًا يضعنا أمام تساؤلات جادة على الرغم من اختلاف آراء النقاد حول ضرورة التقيد أو التحرر من مكونات القصيدة الشعرية المألوفة، كالإيقاع الفراهيدي، المجازات والاستعارات، والصور الشعرية وغيرها. وغدا الشاعر "المتعصرن" يقدم عرضًا ينطوي على أبعاد وجودية واضحة وذلك لاتصاله بالأشياء من حوله، ولموقفه من الزمان والمكان، والحياة والموت كمسائل تلح عليه وتشغل فكره، وبالتالي تؤثر عليه في صياغة لغته الشعرية التي تحتاج كي نفهمها جيدًا إلى مساحة أكبر من العمق والتفكير.

1. أنظر السامرائي، إبراهيم(د.ت)، لغة الشعر بين جيلين، بيروت دار الثقافة، ص(8-9).

2. راجع عيد، رجاء(1985)، لغة الشعر؛ قراءة في الشعر العربي، الإسكندرية، منشأة المعارف، ص14.

3. الورقي، سعيد(1997)، لغة الشعر العربي الحديث؛ مقوماتها الفنية وطاقاتها الابداعية، القاهرة، دار المعارف، ص 15.

4. أدونيس(1973)، الثابت والمتحول، بحث في الاتباع والابداع عند العرب، بيروت، دار الساقي، ص 243.

 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة