للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
أستميحك عذرا ايتها الكاتبة (ميشال سعادة) لإقتباس عنوان كتابك عنوانا لمقالتي هذه التي انهالت بها ذاكرتي الحية حين أطلت علينا ذكرى النكبة السادسة والستين لفلسطين من جديد.. لتعيد وتجر الحنين الى الماضي المدثر بالألم والحزن.. وتوقظ تلك الحكايات الموشحة بالقهر والصور المبعثرة التي ترقد في أروقة الافئدة.. موجعة.. للتشريد والحرمان والقهر.. والظلملأهلنا المنكوبين، عن حكاياتهم المنسية.. وأحلامهم المؤودة وأمنياتهم الضائعة.. حكايات الجارة.. وقعدة الخلان.. سهراتهم وأشعارهم وأكلاتهم وخبزات امي اللي انحرقوا في يوم من الايام.. وطير السنونو الي عشش في سقف الدار.. وما عرف لا شو جرى ولا شو صار.
محيطات من الذاكرة والمشاهد المحكية تمتزج فيها العبرات بالضحكات لتكتب لنا التاريخ لأناس عصفت بهم يد الجلاد وعاثت فسادا في أرضهم ومالهم وسرقت أحلام طفولتهم وخنقت الصرخة في حناجرهم.. العمر الذي رحل.. الجرح الذي لم يندمل.. والطفولة المفقودة.. كل هذا (عصي على النسيان) وتأتي الذكرى لتعمق فينا الحنين الى الجذور وتحملنا الأمانة جيل بعد جيل كي لا ننسى مهما طال الدهر والزمن (الدار دار أبونا) وان الجيل القادم هم الأمل المنشود. وعلى سفوح هذه الذكريات ترتسم حكاية ابي وعمي أبوسالم) ابي (الذي كبوه) مرتين وعاد ادراجه في الظلام الى الوطن وعاش ومات فيه.. وعمي الذي هجر وعاش النكبة عدة مرات ومات غريبا حزينا محروما من أن يدفن في أرض الوطن فلسطين.
أبو سالم عمي محمد مطر المغترب هجر الى خارج الوطن وعاش متنقلا مثقلا بجراح الغربة ما بين لبنان وسوريا وأمريكا وأبو ظبي وعاد ليدفن في لبنان حدثنا في زياراته عن أحداث 48 فقال: حين جاء اليهود في 48 جمعوا الناس على ساحة العين التي ما زالت وسط البلد وانتخبوا عشرة أشخاص وطخوهم على ساحة العين وخوفوا الناس كنت حينها شاب متزوج جديد ولي طفل اخذوا مجموعه كمان من الشباب وكبوهم عجنوب لبنان منهن اخوي احمد .. ابوي قلي انهزم يا محمد هون ممكن تموت .. وفي 29/10/48 طلعت من البلاد ووصلت انا وعيلتي الرميش .. وهناك قعدت ، كانت العيشه مره وذل وقهر .. وبعدين انتقلت لحلب سنة كامله وسكنت سنه وبعدين عدت الى شاتيلا .. اخذنا شادر ننام فيو انا ومجموعه من العائلات من اللي طلعوا وسائت ظروف الناس في المخيم والشوادر .. لا اكل ولا شرب .. وكنا تحت رحمة وكالة الغوث .. نستنا شوية الطحين والرز والسكر يعطونا نطعمي ولادنا .. والناس محرومين .. والاهم من كل شى انو الناس كان الها ارقام .. واللي ما الو رقم مالو اغاثة .. ( جمله لا يمكن نسيانها )) وبعدين عملولنا هوية لبنانيه لنضمن الاغاثه وبعت ذهبات مرتي وبلشت اشتغل وشوي شوي دبرت حالي .. وفي سنة 82 بالاجتياح الاسرائيلي للبنان وبعد مذبحة صبرا وشاتيلا تهجرنا مره اخرى ونكبنا مرة ثانية وسافرنا على ابو ظبي ومنها لامريكا ورجعنا واستقرينا في ابو ظبي لليوم بس ما بعنا بيتنا اللي بلبنان وقال جملة كثير مهمة : يا عمي (( لازم تبنيلك فيكل بلد بيت.. ما دمت انتي فلسطيني)) لانك ما بتعرف شو مخبالك وفش أمان.
وفي سنة 86 التقيت اخوتي في قبرص وقعدنا هناك بعد ما حاولت اجي عفلسطين قبل مرة ورجعوني على قبرص بنفس اليوم وما صرلي اشوفهن وصلت المينا وشفتهن من القزاز وشوحتلهن بايدي بس ما خلوني افوت ورجعوني، واكثر شي بيقهرني اني ما ودعت ابوي وامي بس ماتوا ولهيك دايما مشتاق لريحة امي وابوي واخوتي وقرايبي وبيتنا ولمة الجيران والخلان على مصطبة الدار وسلة العنب والتين والصبرات وكواز الرمان .. ما في احلى من بلدنا وريحة بلدنا ومية بلدنا .
وكمان يا حسرتي ..اخوتي الاثنين ماتوا ما حضرت دفنهن ولا مليت عيني منهن ولا شاركت بتغسيلهن ..وهيك انا خايف ليصير معاي ..لانوا يا عمي اللي ما بموت بفلسطين .. بموت عحالوا حزين .. ومره اخوي احمد كان باعثلي قصيده مسجله عشريط وفيها سلام وكلام وبكاني فيها وقلي :
كتبت كتابي والبلاد بعيدة أيا نائما كيف المنام يطيب
كتبت بان البعد غير حالتي واما الفراق فوالله صعيب
والله ما كان الفراق بخاطري لكن تقادير الزمان عجيب
تغربت عنكم أيا طول غربتي أيا حسرتي اني اموت غريب
اموت ولا تدري الحبايب موتتي ويدفنوني ولا يبكي علي حبيب
تمنيت حمال نعشي اخي ابن والدي ولا يكون حمال نعشي غريب
ومخيطة كفني تكون والدتي وتبكي علي بدال الدمع دم صبيب
ايا قلب لا تحزن وكن صابرا لان رسول الله مات غريب
احمد اخوي كان صوتو حنون وكان يقرا كأنوا بحكي عني وعنو وعن اللي صار وبصير .. والله اعلم اذا قسملنا نموت بهالارض ولا وين .. يا رب تكتبلنا اياها موته بين اهلنا ..
كان عمي يحدثنا هذه الاحاديث بامسياته وهو يجلس مزهوا بيرغوله ورائحة تمباكه الاصلي تملأ المكان يتحدث عن هذه البلاد وحبه لها ويوصي ان يوضع له الدوالي والزعتر وزيت الزيتون وقليل من خلطه الاعشاب للشاي والجبنة العربية وزقاليط اللبنه والزينون الاسود من خيرات بلادنا وكلما حان موعد الرحيل يودعنا بقلب يعتصر الما ويقول : (يا من درى يا من يعيش ..بصرنا نرجع السنه الجاي ولا كيف )) وكانت تتساقط دموعه مدراره على وجنتيه وهو يحضننا واحدا تلو الاخر كانه وداعه الاخير في كل مره .
وفعلا اشد ما آلمنا هو انه مرض وعلمنا نبأ نقله لمشفى النور في ابو ظبي وانه طلب قبل ان يدخل في غيبوبه ان يرى عمي .. ولكن لسوء الحظ لم يتمكن عمي من السفر بحجة ( السفر الى دولة معادية)) الا ان توفي وكان الالم اكبر حيث نقل جثمانه وبعد ثلاثة ايام من الموت الى لبنان ليوارى جنبا الى قبر زوجته في مقبره اهل فلسطين ومخيم شاتيلا وليحرم كما توقع من الدفن في بلده ووطنه ... وتتحقق اشعار ابي (( رجال الغرايب يحملوا النعش)).
اما (أبي) فقد ذاق الامرين فأذكر جيدا احاديثه لي ولاولادي ونحن بجوار الموقد بابتسامته الهادئه وهو يقول :
طلعونا من هون حملونا بسيارات الشحن في الصندوق والجنود حوالينا عالاطراف حاملين البواريد ومصلطة علينا وما حسينا الا هالسياره وقفت ورفعوا الهيبر ولا احنا سقطنا فوق بعض واحد على الثاني زي كوم الرمل او القش وراحوا ... مشينا مشينا ولا احنا واصلين الرميش في لبنان بين هلوعور والشوك والبلان اكلنا .. وفي الطريق كان هناك حراميه كانوا يفكروا انو معانا مصاري صاروا يطخوا علينا .. وبالقوه فلتتنا اجرينا منهن ونمنا تحت الخروبه وثاني يوم الصبح عاودنا رجعنا على البلد .... 7 ساعات من الرميش لمجد لكروم بين الشوك والبلان والصخور عنفس واحد .
وصلنا بالليل عالدار فتحتلي مرتي ونمت بالتبان بين البالات لانها قالتلي بيجوا يدورا بالبيوت عالشباب .. ثاني يوم .. ولاد الحلال كنهن فسدوا علي انا واللي روحنا اجو عالدار وصاروا يدورا وانهزمت من باب التبان وفتت عالدار ونطيت من الشباك الشمالي عالحاره والجيش لاحقني بقوسوا علي .. الفشك كان يمرق من تحت اجري ... وانا اجريي اعلى من راسي من خوفي ليلقطوني.
ورحت تخبيت بالجبل بالمغارة هذيك الليلة والمرة الثانية زقطوني .. واخذونا كبونا حد جنين في اراضي عرعرة وهناك .. امشي بالسهول ان كنك بتمشي ..لا اكل ولا شرب .. وعقولة المثل (( حلم الجوعان عيش)) دخلت على ارض مزروعة فجل وبصل وبطيخ ، وانا كان باقي معاي كماجة يابسة .. قلعت راس فجل. وراسين بصل صغار وبدي اقطعلي بطيخة) ولا ناطور المقثاي جاي يركض ..لحقني كبشني .. وتباطحنا .. ولولا اني اقوى منو وعافيتي منيحة لكان قتلني عراس الفجل ... شو بدي اقولكوا ( الجوع علمنا الشحاتة .. والعرى علمنا لخياطة)) .. والله مرات كنا نضطر نشحد ويصدقوا انا شحادين من هندامنا وحالتنا اللي بتحزن حتى نوكل .. وشو نعمل والدار دار ابونا واجو الغرب يطحونا .. بس انا واكمن شب من البلد منهن سالم كيوان وابن عمتي ابراهيم علي الخليل وابو اسعد الخضر .. ظلينا طافشين ..من وعر لوعر ومن سهل لسهل تمنا رجعنا عالبلد ورحنا نمنا بمغارة باب الوادي وصارت امك يابا تجبلنا الاكل هي والنسوان لانو في فسادين كثار كانوا يشتغلوا مع العسكر .. اول يوم نرجع .. ثاني يوم ييجوا يطوقوا الدار تنهن يكبشونا .. دايما (( كل دولة والها صولة ورجال)).
بس الحمد الله تحملنا بس عاودنا رجعنا وعشنا بهلبلاد .. بارضنا الحسرة على اللي ما رجع .. واحنا هون قعدنالهن زي مسمار جحا.. بحلوقهن .. ومن هالمراح ما في رواح .. من هون يابا عالقبر .. من مجد لكروم مالي طلعة .. انا زي ما بقولوا : (زي السمك ان طلع من البحر بموت) وانا هيك يابا.بس انشالله بتنحل هالقضية وبيصير سلام وهالناس ترجع تعيش بأمان. لأنو ما بضيع حق ورا مطالب.
هذه هي كلمات ابي كان يحكيها عندما يسأل عن النكبة قبل أن ينهكة المرض ويلزمه الفراش ولطالما ترددت في ذهني وسكنت بداخلي صورته وتكاوينة والفاظة وهو يتحدث عن تلك الحقبة.. ومآسيها .. وعندما أصفو الى نفسي وأتنقل في عباب الذاكرة .. حلوها ومرها .. ترتسم في مخيلتي وجوههم (ابي وعمي) وإبتساماتهم وتسكن بداخلي، فتمتد سعادة خفية ممزوجة بالضحك والعبرات في آن واحد.. وفي مساحة من قلبي من ارواحهم الى روحي.. فلا يسعني إلا أن ادعي لهم بالرحمة وأن يكونوا ممن تغمدهم الله بوافر رحمته واسقاهم ماء الكوثر على ما تكبدوا من عناء وشقاء العيش لنعيش بأمان وترتسم امامي لوحه للشاعر توفيق زياد مرسومة بافتنان ومكتوب عليها قصيدته المشهوره : باسناني : بأسناني – سأحمي كل شبر من ثرى وطني بأسناني
ولن ارضى بديلا عنه لو علقت من شريان شرياني ....
ولا يسعني الا ان اقول : عليك مني السلام – يا أرض اجدادي.
مجد الكروم
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net