الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 07:02

بين الأيديولوجية والبراغماتية/ بقلم: الباحث مجدي طه

كل العرب
نُشر: 06/12/14 08:41,  حُتلن: 07:56

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

مجدي طه في مقاله:

وجود وبقاء المؤسسة الاسرائيلية هو معنى الوجود اليهودي بالنسبة لنتنياهو

العلاقات بين الدول تحكمها وتحددها معدلات وصور توزيع القوى والقدرات المختلفة بين الوحدات الدولية والدول القومية.

تتبع بسيط للرأي العام الاسرائيلي تظهر خلافات كثيرة ونقاشات حادة حول مشاريع القوانين الخاصة بهوية الدولة والحالة الهيستيرية التي تمر بها المؤسسة الاسرائيلية على خلفية الأحداث الأخيرة ومنذ الحرب على غزة

ينبغي فهم سياسات نتنياهو وما يقدم عليه حسب القيم القومية العليا التي يؤمن بها ومنها مثلًا المحافظة على أمن المؤسسة الاسرائيلية الاستراتيجي وقدرتها على الردع وعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين المهجرين وضمان وحدة القدس كعاصمة وعدم تقسيمها

تطرح في الآونة الأخيرة مجموعة من القوانين التي تعبر عن العقلية الاسرائيلية في مواجهتها للأحداث المتصاعدة وحفاظا على مصير المشروع الصهيوني، وقد يفسر سيطرة احزاب من اليمين واليمين المتطرف والاحزاب الدينية القومية المساعي الاخيرة لإحكام القبضة على السياسة الاسرائيلية وتحديد معالمها المستقبلية وتديينها، ولهذا تقدم حزم من القوانين بهذا الاتجاه الأمر الذي يؤثر سلبا على الفلسطينيين في الداخل.

يجب فهم الصورة المتعلقة بالسياسات الاسرائيلية في سياقها الموضوعي وخاصة ما يتعلق بتقديم قوانين تمس بمكانة الفلسطينيين كمواطنين تابعين لجماعة قومية تختلف عن جموع الاغلبية المسيطرة، وعلى رأس هذه القوانين ما يطرحه مؤخرا "نتنياهو" والمتمثل بقانون القومية "اسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي". لا يمكن فهم الصورة الا من خلال تحليل مواقف "نتنياهو" المعروف بأيديولوجيته اليمينية المتعصبة وعدم عزلها عن براغماتيته، وهي بالقطع تعبر عن المعتقدات التي يحملها، وهو قريب من المعسكر الديني القومي، وهذا يفسر تقاربه من الاحزاب الدينية والحريدية واحزاب المستوطنين.

في كتابه "مكانة تحت الشمس" (Place Among The Nations) يعبر فيه بشكل بارز عن بنيته النفسية والايديولوجية، وهو نموذج للنظرية الواقعية الهجومية (Typical Model Offensive) في العلاقات الدولية، ويتخذ من مقولات واطروحات هذه المدرسة اسلوبا ونظاما للتخطيط والعمل السياسي.

طبقا للمنهج الواقعي فان العلاقات بين الدول تحكمها وتحددها معدلات وصور توزيع القوى والقدرات المختلفة بين الوحدات الدولية والدول القومية. في عالم تنافسي ذات طبيعة فوضوية حيث لا توجد سلطة مركزية اعلى من الحكومات الوطنية تقوم بتوجيه وتحديد نوع العلاقات بين الدول حيث لا تتحقق مصالح الدول الوطنية الا من خلال استثمار مصادر القوى لدى الدولة وقدراتها القومية سواء كانت سياسية ام عسكرية ام اقتصادية وغيرها. المفهوم الأمثل للنموذج الواقعي هو تحقيق الامن (Security) والبقاء (Survival) للدولة عن طريق توسيع نطاق قوتها القومية، وطبقا لرائد المدرسة الواقعية Kenneth Waltz أن الدول لا يحركها سوى سعيها نحو البقاء وتعظيم حدود ونطاق أمنها ولا يؤثر عليها سوى الاحساس بالخطر والتهديد من جانب القوى الاخرى.

وجود وبقاء الدولة هو جوهر وأساس الأمن القومي لأي دولة وفقا لرؤية المدرسة الواقعية، فوجود وبقاء المؤسسة الاسرائيلية هو معنى الوجود اليهودي بالنسبة لنتنياهو بمعنى أن وجود جو من عدم الاستقرار وغياب الامن يهدد وجود المؤسسة الاسرائيلية واليهود وعليه فعلى المؤسسة الاسرائيلية في ظل تواجدها في بيئة اقليمية مشتعلة وغير مستقرة ليس الحفاظ على قيمها واهدافها ومصالحها المركزية للتهديد فقط –حسب تعريف المدرسة الواقعية للأمن- ولكن امتلاكها قوة لردع الآخرين عن مهاجمتها، فأمن المؤسسة الاسرائيلية يقوم على الردع وليس على المعاهدات والتسويات. ينبغي فهم سياسات "نتنياهو" وما يقدم عليه حسب القيم القومية العليا التي يؤمن بها ومنها على سبيل المثال المحافظة على امن المؤسسة الاسرائيلية الاستراتيجي وقدرتها على الردع، عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين المهجرين، ضمان وحدة القدس كعاصمة وعدم تقسيمها. المصالح الوطنية العليا من وجهة نظر "نتنياهو" تحتم رفض أي تسويات أو أي مشاريع لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية فهو يرى أن المؤسسة الاسرائيلية دولة واحدة لشعبين ويرفض فكرة دولتين لشعبين.

فالمؤسسة الاسرائيلية من وجهة نظره اذا ما ارادت لها مكانا بين الامم (تحت الشمس) فعليها تأكيد وجودها وجذورها في المنطقة وتأكيد صعوبة واستحالة اقتلاعها من مكانها ولهذا فهو يتبنى وجهة نظر التي عبر عنها بما يعرف بـ "سلام الردع" ويؤمن بان النظام الدولي العام يقوم على ميكانيزم "احم نفسك" و "حافظ على نفسك" Self- Help System، فالدول عليها حماية نفسها والا فعليها تقبل الصور التي تبرز نتيجة اختلاف معادلات وصور توزيع القدرات والامكانيات حسب النظام الدولي.
أيديولوجية "نتنياهو" لا تنفصل بتاتا عن براغماتيته ونفعيته، فالقانون الأخير بديباجاته المختلفة والتي انتهت بتصور توافقي داخل الحكومة وان كان لا يمثل تماما اليمين الصهيوني وقد طرح سابقا من قبل أحزاب أخرى مثل "كاديما" فهو يعبر عن فهمه لمتطلبات وتوجهات الشارع الاسرائيلي، ويختفي وراءه تحقيق مكاسب سياسية كما أشار بعض المحللين الاسرائيليين وهو ينظر -كما يبدو- للانتخابات المقبلة بسبب خلافاته الحادة مع بعض شركائه في الائتلاف رغم تراجع شعبيته كما بينت نتائج استطلاع للراي نشرته صحيفة هآرتس الاسرائيلية، الا انه يبقى المرشح الابرز لرئاسة الحكومة للمرة الرابعة على التوالي -ان جرت- حيث رأى 35% من المستطلعين بأنه الانسب لمنصب رئاسة الحكومة وهي النسبة الاعلى مقارنة بمنافسيه وهو ما يدفعه لطرح هذا القانون بقوة اذ انه يتقدم به "للامة" كحامي لها من جهة ومستفيد شخصيا من التزعم السياسي لليمين واليمين المتدين من جهة اخرى.

تتبع بسيط للرأي العام الاسرائيلي تظهر خلافات كثيرة ونقاشات حادة ملأت الصحف والمواقع العبرية ومراكز الأبحاث حول مشاريع القوانين الخاصة بهوية الدولة والحالة الهيستيرية التي تمر بها المؤسسة الاسرائيلية على خلفية الاحداث الاخيرة ومنذ الحرب على غزة في تموز الماضي وخاصة القانون الذي تقدم به رئيس الوزراء الاسرائيلي فأثار تحفظ مجموعة من اعضاء الكنيست الاسرائيليين وبعضهم شركاء في الائتلاف الحكومي مثل حزب يوجد مستقبل وحركة "تسيبي ليفني" وهو ما ينذر بخلافات حادة من الممكن ان تفضي الى حل الائتلاف الحالي وتبكير موعد الانتخابات في حالة عدم تجاوز الخلافات الائتلافية الاخرى، والاهم من ذلك فهو يبرز الحساسية العميقة المتجذرة بين التيارات السياسية الصهيونية العلمانية والدينية وصيرورة الصراع الخفي وغير المنقطع بينها بحيث تطفو على السطح مجددا كما ظهرت في الجولة السابقة من الانتخابات حول قانون "طال" الذي يعفي الحريديم من الخدمة العسكرية.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة