الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 07:02

مقاربات هيستوريوغرافية نكبوية من وجهة نظر المؤرخين الجدد (2/1)/ بقلم: مجدي طه

كل العرب
نُشر: 10/05/15 16:06,  حُتلن: 07:46

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

 مجدي طه في مقاله:
المشروع الصهيوني توسعي وقادته الصهيونيين تعاملوا ببراغماتية مفرطة مع الواقع الدولي والاقليمي ومع الواقع العربي والفلسطيني
من أجل تنفيذ المخطط الصهيوني وتطهير البلد استعان قادة المشروع الصهيوني بأنظمة الدفاع الانتدابيّة وعلى رأسها قانون الطوارئ الاساسي للحكم العسكري

"لم يكن الاسرائيليون الاوائل، اذن، اكثر خلقية ولا اكثر مثالية من اولئك الذين جاءوا من بعدهم" (سيغف، 1986، 4).

بهذه الكلمات يصف المؤرخ والصحافي "توم سيغف" المشهد الصهيوني في فلسطين، ويضع قاعدة للسلوكيات والممارسات الصهيونية في تاريخ الصراع، وأجج سعار الصراع الاخلاقي بين الاجيال الصهيونية والمدارس التاريخية في الاكاديمية الصهيونية نفسها والممتدة من الحقبة التاريخية الاولى المتمثلة بالاستعمار البريطاني لفلسطين وحتى قيام "اسرائيل".

يتناول "توم سيغف" في كتابه "الاسرائيليون الاوائل" بعض اجزاء المأساة التي اصابت الشعب الفلسطيني، ويتطرق الى حملات الاقتلاع والتهجير بطريقة فضولية، حيث يقدم الكتاب صورة للجرائم البشعة التي ارتكبت بحق الفلسطينيين خلال ما بات يعرف في تاريخ الصراع بالنكبة الفلسطينية.

يكشف "سيغف" عن الرؤية الكولونيالية التوسعية المتجذرة في العقلية الصهيونية حيث يقول "لقد قدر بن غوريون ان الحرب سوف ترسم حدود الدولة، وستكون هذه الحدود اوسع من تلك التي خصصتها الامم المتحدة. وكان الاسرائيليون الاوائل يتحركون طول الوقت بين هذين القطبين: الاول يتمسك بالشرعيّة ويعترف بوجود المستحيل، والاخر عملي يقول بأن كل شيء ممكن" (سيغف، 1986، 7). هذه الرؤية تثبت بأن المشروع الصهيوني توسعي وتؤكد بأنّ قادته الصهيونيين تعاملوا ببراغماتية مفرطة مع الواقع الدولي والاقليمي ومع الواقع العربي والفلسطيني.

هذه الحقيقة لا تنفي ارتهان الواقع الفلسطيني وتعلقه بالعقلية الاستيطانية الكولونيالية الصهيونية التوسعية وهو ما ساهم من جهة أخرى بتكون ملامح الدراما الفلسطينية والعربية حيث يقول "اما العرب الذين بقوا في البلد، فكانوا مهزومين ومهانين يمتلكهم الرعب. وهكذا، فان حكاية الاسرائيليون الاوائل كانت ايضا حكاية محنة كبيرة وبؤس وارتباكات مزعجة" (سيغف، 1986، 4).

كان قادة الصهيونية الاوائل غير راضين حيال ما تبقى من فلسطينيين في ارضهم، حيث أربكهم صمود جزء من الشعب الفلسطيني على ارضه رغم حملات الاقتلاع الصهيونية الممنهجة، هذا الواقع دفع تجاه اثارة جدلية صهيونية بين دمج وعزل من تبقى، ويؤكد على هذه الحقيقة سيغف بقوله "وفي ضوء هذا الواقع أصاب الوهن هدف دمج العرب، الذين بقوا، في البلد كمواطنين متساوين في الحقوق. ومرة أخرى وفي ضوء عددهم الضئيل، لم تعد هناك ضرورة لدمجهم، وتعزز اتجاه عزلهم في مناطقهم كـ (طابور خامس)"(سيغف، 1986، 57).

تعززت سياسة العزل لدى المؤسسة الصهيونية بصورة أكبر نتيجة للتغيير الديمغرافي الذي أحدثته آلة الحرب الصهيونية، فسياسة المؤسسة الاسرائيلية تأرجحت بين هدفي دمج الفلسطينيون وعزلهم. هذه السياسة لم تتحرك دائما بين هذين الهدفين بصورة عقلانية لأنها كانت تعبيرا عن حاجات أمنية ومصالح اقتصادية واعتبارات سياسية محددة كما كانت ايضا تعبيرا عن حب الانتقام والخوف الشديد، هذه السياسة التي وصفها "سيغف" بأنها عبارة عن حالة الصراع الداخلي بين نهج "اليد اللينة" ونهج "اليد القوية".

الطموحات الاستعمارية، على سبيل المثال، التي عبّر عنها "يتسحاق بن تسفي" أحد قادة الصهاينة الأوائل ورئيس الدولة الثاني بقوله "يوجد في البلد عرب أكثر من اللزوم" تعكس المشاعر والاحاسيس والنفسية الصهيونية للإسرائيليين الاوائل، فالرغبة بالتخلص من الفلسطينيين والاجهاز على من تبقى منهم كانت حقيقة هيستويوغرافية صهيونية ثابتة، ومثل هذا الشعور طموح الحركة الصهيونية بتطهير البلاد والسيطرة عليها، وهو ما تردد في شعارات صهيونية نفيوية بارزة منها "ارض بلا شعب لشعب بلا وطن".


ومن أجل تنفيذ المخطط الصهيوني وتطهير البلد استعان قادة المشروع الصهيوني بأنظمة الدفاع الانتدابيّة، وعلى رأسها قانون الطوارئ الاساسي للحكم العسكري، فعاش عشرات الآلاف من الفلسطينيين في المناطق الخاضعة للحكم العسكري، ولا يزالون واقعين تحت تأثير صدمة الهزيمة، مذعورون ومن دون قيادة، ولم يشكلوا خطرا على أمن الدولة. يعتبر نظام الحكم العسكري من أكثر أدوات الهيمنة الصهيونية نجاحا، بل أساس الهيمنة الصهيونية، وضمن الحكم العسكري تثبيت المشروع الصهيوني، حيث كان باستطاعة الجنود اصدار التصاريح المطلوبة او الامتناع عن ذلك ولم يكن مطلوبا منهم تعليل رفضهم بأكثر من اعتبارات أمنية (سيغف، 1986، 63).

للحكم العسكري كانت ثلاث وظائف رئيسية، وتمثلت اولا بمنع المهجرين واللاجئين من العودة الى ديارهم وبيوتهم ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم، والمهمة الثانية هي افراغ الاحياء والقرى شبه المهجورة وبعض الاحياء والقرى التي لم يغادرها أهلها ونقلهم الى أماكن خارج البلد واجلاؤهم خارج الحدود كي يشغل اليهود بيوتهم وأراضيهم، والمهمة الثالثة للحكم العسكري كانت فرض رقابة سياسية على السكان وبالتالي عزلهم عن اليهود.

وبناء عليه يعتبر الحكم العسكري نهجًا أداتيًا في تصفية ممتلكات وأراضي الفلسطينيين وتثبيت الحلم الصهيوني من جهة أخرى، ويؤكد هذه الحقيقة"سيغف" بقوله "ورد في أماكن كثيرة أنه تم اخراج آلاف السكان من بيوتهم، للتحقيق معهم والتدقيق في هوياتهم: كان رجال الحكم العسكري يجمعونهم في حقل مكشوف تحت وهج الشمس لعدة ساعات، من دون طعام او شراب، ومن دون تمكينهم من قضاء حاجتهم، رجالا ونساء واطفالا، ويأمرونهم في أثناء اخراجهم من بيوتهم بترك أبوابها مفتوحة. فتركت البيوت من دون رقابة. وعندما سمح لهم بالعودة اكتشفوا أن الجنود سرقوا لهم أمتعة منزلية، وحلى ونقودا" (سيغف، 1986، 64).

الأستاذ مجدي طه - باحث في مركز الدراسات المعاصرة أم الفحم

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة