الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 14:02

في وَصفِ الهامش (19) تشاؤم الرؤية وتفاؤل الرؤيا /بقلم: محمد كناعنة

كل العرب
نُشر: 21/05/15 14:41,  حُتلن: 11:44

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

محمد كناعنة في مقاله: 

التفاؤل ليسَت حالة عبثية أيضًا وبالضرورة هيَ ابسَت كَذلك بل هي فعلٌ من التحدي لحالة العبثية المُستشرية في ربوع حياتنا البائسة التي نحيا وهذا ينسحب على مستويات عدة من المجتمع إلى البيت إلى البلد والحارة والسياسة والتعليم ومستوى المعيشة

حالة التشاؤم ليسَت حالَة عبثية بالضرورة وقد تكون من أصدق الحالات تعبيرًا عن الحال المُعاش، سياسيًا، إجتماعيًا، ثقافيًا، إقتصاديًا وحزبيًا إذا صَحَ التعبير، وقد تكون الحالة الأخطَر تشاؤميًا هي الحالة النفسية المرتبطة حتمًا بكلّ ما ذُكرَ سابقًا

هناكَ من يقول بأنَّ كتاباتي تشاؤمية ويدعوني للعزوف عن "لعن الظلام" وإيقاد شمعة في هذا السواد الذي أصفهُ دائمًا كتابيًا وأتعرَّض لهُ بالنقد والتشريح تفصيلًا وراءَ تفصيل ولا أتردَّد في التطرق لأقسى الموضوعات والشخصيات والمؤسسات ومن يعتقد بأنَّهُ فَوقَ النقد فهو مغرور أو تافه حَدَّ الغرور

"أن توقدَ شَمعَة أفضل ألف مرة من أن تلعَن الظَلام"..  كونفوشيوس
حالة التشاؤم ليسَت حالَة عبثية بالضرورة، وقد تكون من أصدق الحالات تعبيرًا عن الحال المُعاش، سياسيًا، إجتماعيًا، ثقافيًا، إقتصاديًا وحزبيًا إذا صَحَ التعبير، وقد تكون الحالة الأخطَر تشاؤميًا هي الحالة النفسية المرتبطة حتمًا بكلّ ما ذُكرَ سابقًا، وما هذه المُقدمة إلاّ تقديمًا لما رغبتُ في مشاركتهِ مع من يهتم للأمر من قُراء ومُتابعين لما أكتُب، فهناكَ من يقول بأنَّ كتاباتي تشاؤمية ويدعوني للعزوف عن "لعن الظلام" وإيقاد شمعة في هذا السواد الذي أصفهُ دائمًا كتابيًا وأتعرَّض لهُ بالنقد والتشريح تفصيلًا وراءَ تفصيل، ولا أتردَّد في التطرق لأقسى الموضوعات والشخصيات والمؤسسات، ومن يعتقد بأنَّهُ فَوقَ النقد فهو مغرور أو تافه حَدَّ الغرور، وهؤلاء ليسوا إلاّ أخشاب تسير جامدة لا حراكَ لها ولا حياةَ فيها ولا ترجى منها الحياة، لا فائدة منهم غير أن تقف الطيور عليها لتقضي حاجتها.

والتفاؤل ليسَت حالة عبثية أيضًا وبالضرورة هيَ ابسَت كَذلك، بل هي فعلٌ من التحدي لحالة العبثية المُستشرية في ربوع حياتنا البائسة التي نحيا، وهذا ينسحب على مستويات عدة من المجتمع إلى البيت إلى البلد والحارة والسياسة والتعليم ومستوى المعيشة ولو خربطنا شعبان برمضان لن نحصل على وصف أفضل أو تفصيل سسيولوجي أكونومي طبوغرافي! طبعًا هاي مصطلحات لا علاقة لي بها وأقرأ عنها في تحليلات بروفوسورية ودكاترة وأكاديميين ومستنضلين (المصطلح منقول عن سناء لهب)، وما التفاؤل الذي أتحدث عنهُ هنا إلا من بنات أفكار الناس كما التشاؤم تمامًا.

ولا أملُك أمام هذا السجال بينَ النقيضين، المُكمِلَين لبعضِهما البَعض، طوعًا أو قسرًا، فَالأمر سيّان، لا أملُك إلا أن أحملَ مشرطَ النقد وأعملَ بهِ جيئًا وذهابًا بجسدٍ يُجمعُ الناس كلّ الناس على أنَّهُ مَريضٌ عَليلٌ يصلُ حدَّ المَوت السَريري، وهذا الحال يكفيهِ الإستسلام لينتهي في مقبرة التاريخ، ولكن الإشارة للحالة السائدة ليسَ معناهُ أبدًا تسليم بالأمر الواقع، وإنّما على العكس تمامًا، الهدف من ذلك هو تحفيز الحالة للنهوض والتمرُد على الواقع السَوداوِيّ والإنتفاض على عوامل سَوداويَّة هذا الحال، ولا شَك بأنَّ من أهَم عوامل النهوض البدء بتشخيص الحالة لإستئصال أورامها المنتفخة عبثًا وعبئًا في رئةِ حالةٍ هي حياتنا ومستقبلنا ومستقبل أبناءنا جميعًا.

أدرك جيدًا هنا بأنَّ التشخيص ليسَ مهمة فَرد، وهناكَ من سيعترض على الفَرد الناقِد، النابِش، لكونهِ ينتمي إلى حالة محدَّدة، سياسيًا أو حزبيًا أو إجتماعيًا، عائليًا أو طائفيًا، وهذا هو من لُب حالة العبثية التي نحيا، فلو ناقشتَ أي مُعترض على نقدكَ الحاد لهذا القيادي مثلًا أو لتلكَ الحالة العبثية التي نحيا، بعيدًا عن إنتماءهِ، الحزبي والعائلي والطائفي، لَتَقاطَعَ معكَ في مُعظم ما تقول، ولو تصَفَحتَ حساباتِ مُنتقدي رأيكَ على شبكات التواصل الإجتماعي لوجَدتَ أنَّ معظَمهُم يتناولونَ ذاتَ المواضيع بالنقد وحتى بالشتيمة والمسبات ولكن عندما يأتي النقد ذاتهِ من خَصم سياسي أو من شَخص مُختلف طائفيًا تقوم الدنيا ولا تقعُد، ومن السخرية بمكان مثلًا أن تقرأ تعليقات تهكمية على "قائِدٍ" ما لأنَّهُ إنبطاحي ومتَلون ومُتذَيّل إنتهازي "وعربي حَمود" من أبناءِ حزبهِ أو تنظيمهِ ولكن إن تحدثَ آخَر من حِزبٍ آخَر بذات النَقد فيُصبح عَدوًا وليسَ خصمًا سياسيًا كانَ بالأمسِ القريب حَليفًا، وَقِس على ذلك.

وفي ظلِّ هذا التناقُض المُتكامِل نسأل أنفُسنا: أينَ المَفَرّ؟ وما العَمَل؟ وحتمًا لا يوجَد حلول سحرية ولستُ مِمَّن يؤمنوا بهذه الحلول، وفي ذات الوَقت لستُ من أصحابِ ذَر الرماد في العيون ولا من مَدرَسةِ طَأطَأةِ الرأس، لهذا وجبَ دائمًا التمَسُك بالحقيقة النسبية، فلا حقائِق مُطلقَة إلاّ عندَ العنجهيين، والتمسك بالحقيقة يستَوجِب دائِمًا الإشارة إلى جُزيئيات هذه الحقيقة وتفاصيلها وكشفِ المستورِ منها وإماطة اللثام عن كُلِّ عَيبٍ مُحتَمل، ونكئِ كُلِّ جُرحٍ يُعتَمل في هذا الجَسَد الذي قَد يُجمعُ الجَميع على أنَّهُ مَريض.
في هذه المرحلة يبقى دَور النقد والإشارة إلى المَرض مهمة مُلحّة وليسَت حالة تشاؤمية، وإنَّما أمارسُها من باب التفاؤل والإيمان بأهمية التحدي والمواجهة للخروج من الأزمة والسَوداويَّة التي تعصِفُ بمجتمعنا وبشعبنا وببَلدنا، ولن نستطيعَ الخروج من النفق المظلم هذا بإعتقادي من غَيرِ مشرَطٍ حاد لا يهابَ النزيف ولا رائِحةِ حبرِ المنافقين والمُنتفعين والمُتسلقيين.

* محمد كناعنة أبو أسعَد / فلسطين المحتلة عضو الأمانة العامة لحركة أبناء البَلَد

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة