الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 17:02

المَسْخرة في العلوم المُسَخّرة/ بقلم: البروفيسور أحمد ناطور

كل العرب
نُشر: 09/07/15 12:02,  حُتلن: 11:07

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

البروفيسور أحمد ناطور في مقاله:

اسرائيل ترمي الى الغاء اسلامية وعروبة القدس تماما ففي عُرف هؤلاء ليس في القدس عرب او مسلمون ولم يكونوا يوما هناك

اسرائيل تعي تماما أن ما تفعل في سياق غصب الارض العربية ونهبها انما هو جزء من حرب عسكرية تماما ضد فلسطين واهلها حرب عسكرية بحتة ولكنها حرب رخيصة قذرة

جمعية خاصة، تحظى بتعاون فاعل من الدولة واذرعها بشكل يدعو للريبة المفرطة، من اجل تسويف تاريخ القدس وترجمتها الى اليهودية. جمعية "العاد"، برئاسة من كان نائبا لوحدة دوفدوفان في الجيش الاسرائيلي وعضوية ايلي ڤيزل - الذي نال جائزة نوبل (؟) ومن كان وكيلا لرئاسة الوزراء، ايال كوهن والقاضي المتقاعد يعقوب بزاك، ورئيس استخبارات الجيش سابقا عاموس يدلين، والقائد العام للشرطة السابق اهرونييشكي، اضافة الى البروفيسور موريوسيف الذي كان مديرا عاما لمستشفى هداسا، ثم مديرا لمؤسسة التأمين الوطني، هي الجهة التي أوكلت اليها دولة اليهود إعادة كتابة التاريخ من أجل تزييف الماضي وترجمة الحاضر.

منذ سنة 1986 تقوم هذه الجمعية الخاصة بتهويد القدس واقعا وتاريخا، فهي تدير حدائق الاسوار التي تحيط المدينة بتخويل من "سلطة الحدائق الوطنية" وهذه - بطبيعة الحال هيئة رسمية يمولها المواطنون رغم أنفهم. تقيم الجمعية مركزا للارشاد والعرض ثلاثي الابعاد، تعرض من خلاله يهودية التاريخ كوجهة نظر مطلقة وكانها حقائق قد ثبتت علميا. تقوم هذه الجمعية ايضا باعادة بناء المقبرة اليهودية شرق المدينة وصيانتها الى جانب اقامة موقع انترنت من شأنه أن يمكّن الناس من التعرف على اصحاب القبور واعتبارهم "احياءً" ولكن لا يرزقون، مع العلم أنّ المقبرة الاسلامية في قلب المدينة - مقبرة مأمن الله التاريخية، قد دُمرت بفظاعة وفظاظة منذ الستينات على مراحل، حتى لم يبق منها الا القليل من القبور المهملة.

امتد نشاط هذه الجمعية الى منطقة قصر المندوب السامي، حيث اجرت حفريات اثرية ادعت من خلالها انها اكتشفت شبكة ري قديمة يعود تاريخها الى يهود ما قبل الفي سنة !. والأغرب من ذلك كله أنّ الجمعية تمول بنفسها حفريات سلطة الآثار مع أنّ هذه أيضا جهة رسمية تابعة للدولة. من يقوم بالحفر هم موظفو سلطة الآثار اما المال فمن الجمعية. لقد ادعوا انهم اكتشفوا في حفرياتهم هذه اثارا هامة من عهد الهيكل الثاني.

الى جانب ذلك تقوم الجمعية بادارة عملية توجيه ايديولوجية بين قطاعات مختلفة من الاسرائيليين والاجانب. من بين قطاعات الجمهور المستهدفة بشكل خاص جنود الجيش، حيث قام آلاف منهم حتى الان بالتجوال في حدائق الاسوار في اطار مشروع مشترك مع "سلاح التربية العسكري"، كما اقامت الجمعية "معهد مجليم" للتعليم العالي لشؤون القدس، من اجل تعميق المعرفة في مجالات التاريخ، الاثار والتوراة بكل ما يتعلق بالقدس. فوق هذا كله، فهي تعمل جاهدة على تهويد القدس واستبدال سكانها العرب بالمستوطنين من غلاة اليهود. ما فتئت تستولي على مبانٍ وعقارات في المدينة كلها دون توقف او انقطاع، واهمها محيط الحرم الشريف، وبلدة سلوان وراس العمود. اما الدولة فتدعم هذا التوجه بكل ما اوتيت من قوة، واهم ادواتها في ذلك قانون املاك الغائبين الجائر الذي تستخدمه في سبيل نهب الأملاك العربية وتتجييرها لليهود.

لقد عرض هذا التعاون المريب بين اذرع الدولة المختلفة وبين هذه الجمعية "الخاصة" على المحكمة العليا من خلال التماس ضد حفريات أُجريت في سلوان سنة 2008 الا ان المحكمة بدورها ارتأت أن تصطف مع المصطفين وان ترد الالتماس. لم يَرُق هذا الحال للاكاديمية الوطنية للعلوم التي نشرت تقريرا هذا الاسبوع انتقدت فيه هذا التعاون المفرط بين الجمعية والدولة وقالت انه لا يجوز اعطاء جمعية ذات توجه سياسي ايديولوجي هذه المكانة الخاصة في عملية تمويل الحفريات وادارة مسارات التجوال وبلورة المواقف وعرضه للناس من خلال التغاضي عن سكان المدينة العرب، الى جانب استخدام تبريرات اثرية من اجل تحقيق اهداف ايديولجية يهودية. مثال ذلك ما حدث بشان مشروع اقامة حديقة عامة على سفح الجبل بين العيسوية والطور حيث ادعت الدولة ان المشروع مهم نطرا لضرورة الحفاظ على الاثار (اليهودية) القديمة هناك، مع أن الحقيقة هي ان المكان قد جرى فحصه ولم يكن فيه اي اثر تاريخي. اما الهدف الحقيقي وراء المشروع فهو اغلاق الاحياء العربية ومنع امكانية توسعها. لسنا في هذه االعجالة في معرض العرض لنشاطات اسرائيل وادواتها وجمعياتها في محاولات الاستيلاء على القدس واقعا وتاريخا، ولكننا نورد انماطا على سبيل التمثيل فحسب للتدليل على أنّ الغاية عندهم تبرر الوسيلة، فكل شيء مباح في سبيل التهويد واليهودية، بما في ذلك تخطي الموضوعية العلمية والأكاديمية.

إن اسرائيل تعي تماما أن ما تفعل في سياق غصب الارض العربية ونهبها، انما هو جزء من حرب عسكرية تماما ضد فلسطين واهلها. حرب عسكرية بحتة ولكنها حرب رخيصة قذرة - لا احكام ولا قيم تحكمها بل هي اشبه بالقرصنة وقطع الطريق. لذا فهي تعتبر الكشف عن اسماء علماء الاثار العاملين في الارض المحتلة سرا امنيا، وان الكشف عن "الاكتشافات" التي تمت نتيجة لحفرياتهم في فلسطين يعتبر خطرا على علاقاتها الدولية! عجيب امر هؤلاء! كيف يكون الكشف عن العمل الاكاديمي سرا يهدد الدولة وامنها ؟ اللهم ان كانوا يريدون علوما انتقائية مفصلة على ايديولوجيتهم ويهوديتهم. كذلك فعلت الدولة بالنسبة لطلب الكشف عن احصاء يفصل عقارات الوقف الاسلامي التي غصبتها الدولة وسخرتها في سبيل الاستيطان، حيث ادعت ان كشفها يعرض علاقات اسرائيل الخارجية للخطر، وصدقتها في ذلك محكمتان: المركزية والعليا على حد سواء!

إن اسرائيل وهي تجند كل طاقاتها وأطرها الرسمية وغير الرسمية من أجل تهويد مدينة القدس من خلال خلق واقع تعتقد انه غير قابل للتغيير من ناحية، ومن خلال تزييف التاريخ وغسل عقول الاجيال الناشئة حتى من اليهود - طلابا وجنودا من ناحية اخرى، انما ترمي الى الغاء اسلامية وعروبة القدس تماما، ففي عُرف هؤلاء، ليس في القدس عرب او مسلمون، ولم يكونوا يوما هناك.

كل هذا، والأمّة تغط في سبات كأنّه الموت، تنظر دون أن ترى، وتنصت دون أن تسمع، توغل في التيه كانها لم تعرف يوما نجمة الشمال.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة