الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 06:02

الكاتبة ياسمين فاعور..من "نسوية "الأدب الى "إنسانيته..."/ بقلم: د. زياد محاميد

كل العرب
نُشر: 21/11/15 08:20,  حُتلن: 08:53

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency


مقدمة: الأدب، بغض النظر عن جنس كاتبه، عليه أن يرقى إلى مستوى الإبداع الإنساني الخلاق الذي يحمل الصفات الإنسانيّة، في كل عمل أدبي، بغض النظر عن جنس كاتبه.
المرأة على مرّ التاريخ كانت حاضرة ولكنّ حضورها مرهون بقبول الآخر لها والاعتراف بها ككائن له حضوره الإنساني والثقافي ، وبرزت مؤخرا النقاشات والمواقف من ما يسمى الادب النسوي او ادب النساء..
اذا ما هو الأدب النسويّ؟. الرجل يكتب والمرأة أيضا تكتب.! فلماذا لا نطلق على ما يكتبه الرجل أدبا رجاليا أو ذكوريا كما يُطلق على ما تكتبه المرأة أدبا نسويّا؟
في النتيجة، الأدب هو خلاصة حياة وتجربة وفكر صانعه سواء أكان رجلاً أو امرأة. وعلينا أن نتجاوز هذه التصنيفات التي تقلل من قيمة العمل الإبداعي، وأن نرقى إلى مستوى النص بما يحمل من إبداع ورؤية وفكر!
الكاتبة والشاعرة ياسمين فاعور تقدم لنا كتابين "رسائل الى امرأة بلهاء و "وجهة نظر " يمكن تصنيفهما كأدب نسوي كلاسيكي، لكنها البستهما ثيابا انسانية لتبحر في الفضاء الانساني وتعطي للنص الادبي وظائف جديدة للنفس وللعقل والمجتمع.
ياسمين فاعور –جبارين كاتبة فحماوية مبدعة: من الصحافة الى الشعر والأدب
ياسمين جبارين –فاعور سيده فحماوي بدأت طريقها في الصحافة من خلال الخبر والمقالة ووصلت الى الأدب بأشكاله المختلفة كتبت الخبر والمقالة والشعر والنصوص الادبية لتطل علينا بإصدارها لعملين متميزين هما "رسائل الى امرأة بلهاء و "وجهة نظر " بالتعاون مع مؤسسه نغم للثقافة الوطنية والابداع في أم الفحم.
اتشرف بمحاولة لقراءة اولية للعملين كتجربة تحليلية ونقدية تكون مدخلا للقراء ولتعطي الكاتبة جزء من حقها علينا كقراء ومثقفين لنشير الى نجاحها من جهة ولنقيم مسارها في انتاجها الاول منتظرين منها ابداعات جديده تغني بها المكتبة العربية وتوصل رسالتها الإنسانية بالكلمة والنص الادبي.
للصراحة وجدت صعوبة ما في البحث عن الرسالة التي تحملها الكاتبة. فهي تكتب النصوص المركزة التي تحتاج لتركيز كبير..وكأنها تخبئ الفكرة بالكلمات المنتقاة لتفاجئ القاري في نهاية النص فيستمتع بالنص ويصرح صرخة أرخميدس "يوريكا يوريكا"- وجدتها وجدتها.
قراءة اولية لـ "رسائل الى امرأة بلهاء و "وجهة نظر " - للكاتبة الفحماوية ياسمين فاعور
انطباعي الاولي ان في النصوص والرسائل الكثير من المنطق الحاد والعمق باقل عدد من التعابير اللغوية الجميلة ،اعتقد انها جاءت على حساب انسيابية العاطفة والرومانسية المتوقعة من كاتبة امرأة، لكن هذا لا يمنع القارئ من التشوق للوصول للحبكة الجميلة عند مشارف نهاية النص المركز.
1."رسائل الى امرأة بلهاء" هو كتاب مؤلف من ٧٥ رسالة نصية في ٦٦ صفحة ،نصوص مكونة من مبنى رسالة، فيها الى المرسل ثم التحية وموضوع الرسالة ثم توقيع المرسل بلغة ادبية في البلاغة والتناص والتشبيه والاوزان ، تقوم الكاتبة بسرده بضمير المخاطب (أنتِ) ،وهذا من الادب النسائي –النسوي الفريد حيث امرأة تكتب عن امرأة .(الشائع في الادب هو ان تكتب المرأة عن الرجل في المعاناة والقسوة والصراع معه او عن الحب وما يرتبط به من مهانة وتضحية او فشل او تضحيات، وكذلك الرجل يكتب عادة عن المرأة وعن العشق والغزل والتعاضد او التناحر.
الكاتبة ياسمين جبارين –فاعور هنا قامت بعمل ادبي نسوي من العيار الثقيل.. وربما الصعب، الذي قد يواجه القارئ فيه صعوبة فهم سياق الثروة اللغوية وفيض المعاني والتعبير والبلاغة والتلميح والمقاصد . كما وتختم كل رسالة بتوقيع خاص من امرأة بشكل عام وجهت رسالتها الى امرأة بلهاء بشكل خاص ، في طيات هذه الرسائل سريالية المرأة الانثى الحريرية الحساسة النابغة التي قد تحاول ان تشكل عدة مواصفات الى امرأة بلهاء ،بهدف ما وفي كل مرة تحاول ان تشير الى معاناة المرأة التي قد لم يلاحظها المجتمع خاصة فيما يخص العنف ضد المرأة والفساد والانهزام والضعف ونظرة المجتمع الى المرأة كمجتمع ذكوري.
ودوما يتهم في الدرجة الاولى ان الرجل هو الذي كان سببا في توجيه العنف والنظرة الضعيفة والهزيلة ضد المرأة في المجتمع العربي الا ان في السرد المسترسل في كتاب (رسائل الى امرأة بلهاء) يخرج بهدف جديد ونمط اخر بذوق ادبي رفيع ذو لغة متمكنة وبعدة معاني وصفات رصينة ومتوازنة وفي كل مرة بمغزى جديد ،الا ان الهدف واحد وهو ردع وصد وإضعاف المرأة التي ابتكرت لنفسها وصفة (مسترجلة) (ذكورية) (منح الرجل السيطرة في نجاح وتطور المرأة وعرقلة طموحها)( غرز في كيان المرأة على حُب انجاب الذكور اكثر، حُب الرجل اكثر من نفسها وتذويت كينونتها كأنثى ،حُب الاستخفاف بالمرأة مهما فعلت من اجل نجاحها وارضاء نفسها لذاتها وكينونتها كامرأة منجزة وفعالة نشطة لمجتمعها )
مثال رسالة:" ** تحية خاصة إلى عانس**
لا تخجلي ولا تعاتبي ولا تغضبي..! ما عادت الأغاني تجذب فينا السعادة، وما عادت الموسيقى تخرجنا من ساعات الضجر، ولم تعد تراقصنا هذه الأغنيات العجيبة، ولم نعد قادرات على أن نترنم أو نتمتم في سهوتنا الراقدة فينا منذ سنوات..!
لا تعبثي جدا في هذه القضية، فما زلنا في مجتمع عربي شرقي صعلوق يخشى من أن تحمل المرأة بطفلة، لأنهم ما زالوا يحبذون الولد ويدعون لولادة الولد البكر.. مسكينة- يقولون- وقعت عليها الواقعة، وأنجبت بنتا أو حملت ببنت وهمّ البنات للممات..!"
الكتابة فتحت محورا اخرا تعتبره "عائق جديد" كان يقف في وجه المرأة الا وهو (امرأة ضد امرأة) (امرأة مُعنفة من امرأة) ( امرأة تستخف بامرأة) حتى على الصعيد العلمي والثقافي والاُسري والعملي، هناك دوما امرأة تدعم امرأة اخرى من اجل لعبة فاسدة الا وهي إضعاف وإحباط المرأة المكافحة والفعالة بشتى الطرق حسب ما وصفتها الكاتبة، وفي كل مرة تقوم الكاتبة بتوقيع خاص وفريد من نوعه في الادب ،كأنها تختم الرسالة بتوقيع اسم المرسلة مثلا (توقيع امراة عاقلة)او (توقيع امرأة راقية) او (توقيع امرأة حريرية) وربما المقصود من هذا التوقيع هو كشف الكم الهائل من النساء اللواتي واجهن هذا الاحباط والتعتيم من قبل المرأة البلهاء فكل منهن ارسلت رسالة الى امرأة بلهاء ، ومن نباغة الكاتبة انها لم تكتب رسائل الى نساء بلهاوات او حمقاوات اختارتهن بل دققت بحنكة وبلاغة وصف "امرأة" وهو اسم مجهول بصفة(بلهاء) مفردة.. و"البلهاء" هي صفة اذ نجدها متعددة المعاني، اذ نجدها شمولية بالمعنى للصفات التالية (حمقاء غبية، بليدة المشاعر، غير مبالية، ضعيفة العقل، شحيحة النفس، غير مدبرة، غير متكاملة عاطفيا ونفسيا، عديمة المسؤولية، مسترجلة) وهذه الصفات تكمن في صفة واحدة اذ وجدناها في (بلهاء) وهي تعود للجذر الاصلي( بَلَه- بَلاهة-أبله-بَلهاء) ،اي المعنى اذ بحثنا عنه في القاموس للغة العربية سنجد المعاني التالية هي (ضعف العقل، تهور،الجنون، التبلد، إنصراع، عتاهة، حماقة، إختلال الشعور) وكما نجد ابداع وتناص وبلاغة في وصف رائع لما فيه من ابداع، وهذا ما يدل على مكنون وثروة لغوية تحتاج احيانا ان تفتش على المعنى الاصلي وما المقصود والمدلول .. مع انه من الصعب التعبير عن هدف واحد ،وصفة واحدة ،بعدة صور تعبيرية بلاغية ،لما فيها من تناص ايضا هذا ما يدل على القمة الادبية الابداعية التي قامت به الكاتبة في التعبير، وهو عمل ابداعي فريد من نوعه .
مثال "** تحية مغردقة بالكريستال**
ماذا يعني الكريستال؟! أتساءل أحيانا.. لم كل هذا العشق الجنوني بالكريستال؟! أتخيل ماذا سيحدث لو كان هناك رجال من الكريستال لتطلقت اغلب نساء العالم..! أم يا ترى ستحتفظ هذه القبيلة من البهلوات برجالها على أكمل وجه..؟!
أتذكر إحدى مدمنات الكريستال حينما قالت لي ذات مرة أن قلب زوجها كحبيبات الكريستال اللامعة، سرعان ما ينكسر..!!
أشفق على هذه المرأة يوم أن نظفت عقلية زوجها وحولته إلى كريستال، فانكسر ولم يعد قابلا للإصلاح!! مسكينة عزيزتي كريستالة، والى اللقاء..!!
2.اما بالنسبة للكتاب (وجهة نظر) فهو كتاب من ١١١ صفحة، فيه نصوص ادبية قصيرة محسوبة على الادب الحديث، لكل نص عنوان مختلف ،ووجهة نظر مختلفة.
هو كتاب تعبير عن حرية الراي والراي الاخر، ونظرة عميقة دقيقة فيها تساؤلات وخفايا وجدانية وكاريزما.
الكاتبة هنا ترى في نفسها موجهة وداعمة لحرية التعبير، تطرح عدة مواضيع وافاق في قضايا المجتمع، والشوؤن النسائية، والمسؤولية التي يتحملها الرجل في مجتمعه العربي، وجهة نظر في السياسة وفي الصخب والضجيج الوطني والحركات السياسية وتوجهاتها، حيث تلامس قضايا ومعاناة وتشرذم بين بين الانتماء الوطني والمواطنة في دولتين وفي وطنين هما اسرائيل وفلسطين .
يبدو ان الكثير مما تعمدت الكاتبة التطرق اليه من منظورها ككاتبة وكمواطنة في المجتمع وفي الدولة، وفي خضم العبء الوطني او كامرأة في المجتمع العربي والمجتمع النسوي ،والذي يكثر فيه الاسترجال والاستهتار والعجز وعدم القرار وعدم المعرفية في اسس الفكر والفهم والتعبير والادراك والفعل وردود الفعل ايضا!
بأبداع لغوي قامت الكاتبة في هذا التحليل والتصوير والسرد اذ نجحت باختصار ابعاد شاملة ببضع جمل قصيرة .. وهذا ما يسمى ابداعا خلاقا في ابتكار نصوص ادبية قوية، حيث تترك الكاتبة للقارئ وجهة نظر اخرى ، من اجل التفكر والتمعن والادراك واشغال الاستمتاع، لما فيه من تنوع فريد .
في كل نص تقدم الكاتبة موضوع مختلف تحت عنوان مختلف ومخطط له بحسبان .وهنا ما تتجلى الكاريزما التي تتمتع بها الكاتبة فكريا وثقافيا وتبرز كصاحبه رأي وموقف تطرحه بحده .
امثلة للنصوص: رجل نذل..متى يكون الفشل ناجحا...رفقا بالقوارير...الانسان التراجيدي. من امن بنيوتن كفر...افاق الوهم....ايها الشعب المبرمج..النظرة الفارغه..متعطشون...
اعتقد اننا امام تجربه ادبية فريده من كاتبة شجاعة لا زالت الطريق مفتوحه امامها تستحق الاحترام. فقلما ما ينجح كاتب او كاتبة في صناعة مزيجا فلسفيا واجتماعيا وادبيا ولغويا يسكب في نص قصير ويحافظ على جماليته.
ان عدد القضايا الشائكة التي تحاول الكاتبة طرحها ومعالجتها من خلال الادب كبير. الأمر الذي يحتاج الى استرسال لغوي اكبر ،فقدانه قد يفقد من قيمه الرسالة النهائية.
في الكتابين استعملت الكاتبة ياسمين فاعور تقنيه النصوص القصيرة المركزة، بعكس نصوص الرواية الطويلة وهذا بحد ذاته ابداعا ، ربما يتجلى هنا تأثير "النموذج الصحفي التلغرافي" الذي تأثرت به منذ بداية طريقها الادبي. وانصحها هنا ان تعطي للنص حريته ، لتصل الرسالة مرتاحة بتفاصيلها...وليمكنها من اثراء النص لغويا وبلاغيا اكثر.
اتمنى للكاتبة ياسمين فاعور مزيدا من التألق والنجاح في انتاجها الأدبي ،واذ نبارك لها اصداراتها ننتظر منها المزيد ليكون مدماكا جديدا في بناء ادب نسوي وادب انساني تنويري راقي ،يتكامل مع الادب الواقعي الثوري، ويكون شريكا في اثراء مجتمعنا التواق لرقي الكلمة والنص والموضوع.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة