الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 05:02

تخصُّص جديد في معالجة الفلسطينيين: سمسارة ترانسفير/ بقلم:ب.جوني منصور

كل العرب
نُشر: 25/02/16 18:41,  حُتلن: 09:18

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

جوني منصور في مقاله:

تدّعي أدلر أن المشروع الذي تطرحه سيؤدي إلى تصفية قضية الإرهاب وتمنح إسرائيل هدوءًا لأجيال وأجيال

الطروحات والأفكار التي تبثها أدلر وغيرها من الإسرائيليين تتعامل مع الفلسطيني كسلعة وبضاعة. وغاب عن بالها أنّ الفلسطيني هو صاحب أرض ووطن ولن يبيع وطنه ولن يتنازل عن حقه في العيش بوطنه بكرامة واحترام

مرَّ تاريخ الصراع الصهيوني/ الاسرائيلي – العربي/ الفلسطيني في عدّة مراحل ومحطات، من أبرزها انتشار سماسرة الأراضي والعقارات قبل العام 1948 وبعده من بين اليهود والعرب على حدٍّ سواء بهدف شراء (وبالأحرى "نهب") أراض عربية في مناطق مختلفة من فلسطين. واشتهر عدد من هؤلاء السماسرة الذين قدموا خدمات للحركة الصهيونية باحتيالهم على أصحاب الأراضي العرب وشراء أراضيهم بأثمان بخسة ومن ثم نقلها إلى شركات أراض صهيونية كالقيرن قييمت.

بالإضافة إلى شراء أراض من ملاكين غير فلسطينيين مثل آل سرسق البيروتيين الذين باعوا مرج بن عامر(حوالي 400 ألف دونم)، والصفقات التي عقدها آل سلام لبيع أراضي الحولة (165 ألف دونم)، غير آبهين بالسكان والقرى الذين تعرضوا لاحقًا إلى عمليات طرد وترحيل ونزع الملكية عن أراضيهم من قبل الحركة الصهيونية مدعومة بحكومة الانتداب الموالية لها. وأيضًا كانت النكبة في 1948 مرحلة مفصلية أسست لمشهديات جديدة للشعب الفلسطيني، أهمها التشتت والتمزق والابتعاد عن الوطن المفقود.
وكما اعتاد يهود واسرائيليون كثر على التغطرس بقولهم أن العقل اليهودي يخترع دائما الجديد، فإننا نقف أمام ظاهرة جديدة – قديمة وهي كيفية حل الصراع ومعالجة الفلسطينيين من خلال أداة قمعية واجرامية اسمها "الترانسفير".
فها هي نعاماه ادلر بلو عضو في حزب الليكود وتعمل سمسارة بيوت وعقارات في برلين بألمانيا، تسعى إلى تأسيس صندوق مالي لتقديم منح لعرب فلسطينيين يرغبون في ترك إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية أي الضّفة الغربية وقطاع غزة. وهي ترفض استخدام مصطلح "ترانسفير"، إنّما تقبل بمفاهيم أخرى وفي صدارتها "إخراج العرب من صعوبات الجيتو وتجربة حظ آخر في مكان آخر من العالم". ومن لا يريد أو يرغب في تجربة حظه في مكان آخر في العالم يتوجب عليه التوقيع على وثيقة إظهار إخلاصه وولائه للدولة. هذا ما صرحت به هذه السمسارة في مقابلة أجرتها معها جريدة هآرتس العبرية ونشرتها في ملحقها الأسبوعي بتاريخ 12 شباط 2016.

ولفهم الخلفيات من وراء مشروعها هذا وما ترمي إليه في نهاية المطاف نتبع قراءة ما صرحت به في المقابلة التي نشرتها الجريدة أعلاه. تدّعي أدلر أن المشروع الذي تطرحه سيؤدي إلى تصفية قضية الإرهاب وتمنح إسرائيل هدوءًا لأجيال وأجيال. ووفق ما قالته "إن ربع مليون شاب عربي سيتركون إسرائيل، وان هذا المشروع يكلف 50 مليار شيكل في كل سنة وفق تقديراتها"، والشرط هو "ان ينتقل هؤلاء الشباب إلى دول أمريكا اللاتينية(الجنوبية) وخصوصا تشيلي". أي إلى أبعد نقطة على الكرة الأرضية، كي لا يفكروا في العودة. "أما البالغين في السن فلا يشتركون في الأعمال التخريبية، لهذا فمن غير المجدي ترحيلهم ونقلهم إلى دول بعيدة".

وتطلب أدلر من رئيس الحكومة دعوة سفراء إسرائيل المنتشرين في عواصم العالم لوضع قوائم لعائلات تمهيدًا لترتيب مسألة ترحيلهم. وتتساءل أدلر: "ماذا يريد العرب منا سوى القتل. هم لا يريدون سلامًا ولا مرحا". "إننا عانينا الأمرين أثناء عملية "الصخر الصامد" الأخيرة على غزة. نحن الملائكة وهم الشياطين". وتعتقد أدلر "أنه يجب منح مبغضي إسرائيل أموالاً، بل أطنانًا من المال، وذلك مقابل دماء أطفال إسرائيل". تحاول أدلر تحويل "الصراع من صراع قومي/ ديني إلى صراع اقتصادي/ مالي". بمعنى آخر، تدعو إلى "استخدام مفاهيم اقتصادية مبنية على السوق والمساومة فيه". فكما تقول "إن لشعب إسرائيل تريليونات من الدولارات"، وهي تريد توجيه مبالغ ضخمة مباشرة إلى المُرحلين الذي يوافقون على خطتها. وتقارن هذه الخطوة بما ناله أهلها من تعويضات من المانيا بعد الحرب العالمية الثانية. "فليأخذوا أموالا منا ويتركونا نعيش بسلام في أرضنا".

وكشفت أدلر عن خطة عملها بالوصول إلى كل شخص على حدة للتأثير عليه دون أن يكون خاضعا للتأثير الجماعي. وتدعي "أنّ مشكلة الفلسطينيين أنّه ليس لديهم مالا ولا جواز سفر، وأنهم محتجزون عند الإسرائيليين، وان الإسرائيليين اجبروهم على العيش في جيتو واحد كبير ليختنقوا. فبثمن قذيفة واحدة يمكن ترحيل أربعة اشخاص ليعيشوا سعداء في مكان آخر".
"أما من لا يريد الاستجابة إلى هذا المشروع فعليه اعلان ولائه واخلاصه للدولة وتوضع نجمة (علامة) في هوياتهم للدلالة على ذلك، وهذه تشبه الخرقة الصفراء التي وضعت زمن النازية، وعندها لا نفتشهم في المطار".
ولما سئلت عن الفرق بين مشروعها والترانسفير الذي دعا إليه عدد من قيادات إسرائيل من اليمين واليسار والمتطرفين ومثقفين قالت "بأنه – أي مشروعها – بعيد كل البعد عن الترانسفير. ما تدعو إليه هو بالرضا. هو مشروع منح حياة افضل للفلسطينيين في مكان آخر بهدف ان نعيش مع أولادنا بهدوء".
وتذهب هذه السمسارة إلى حيزات بعيدة أكثر مما هي فيه، حيث تدعي "أن المسلمين لا يمكنهم العيش بدون وجود حاكم مستبد، تماما مثل قطيع ذئاب إذا لم يكن رئيسه قوي فإنهم يأكلون بعضهم بعضا".
وتصور الطفل الفلسطيني أنه "طفل مشاكس وُلِدَ لإبراهيم (النبي إبراهيم)، وولد كهذا لا تتركه وحيدًا في الشارع، إنما في مؤسسة حتى مرحلة الهدوء. نحن – الإسرائيليين – نعيش في وكر أفاعي في صالون البيت من فترة طويلة. الافاعي قتلت الجدة صاحبة البيت وأصابوا الطفلة. لكن رب البيت لا يُخرج الأفاعي من البيت. ما الفائدة في بقاء الأفاعي في البيت. ما الفائدة إذا احتفظنا بستة مليون مسلم في ارض إسرائيل؟ فبعد عشرين عاما سيصبحون 28 مليونا. العالم مليء بالعرب. لماذا هم هنا بالذات؟ لماذا لا ننقذهم؟ ".
تعتقد أدلر أنّ مشروعها سينجح حتما، لأنّه مؤسس على قواعد اقتصادية. لكنها تواجه معارضة شديدة، حيث لن تجد من يقول لها "نعم" في غزة.
وطرحت ادلر المشروع على عدد من أعضاء كنيست من الليكود وكذلك على نشطائه وغيرهم. وهي تدّعي أنّه لاقى استحسانا وتجاوبا. لكن ما تحتاج إليه هو المصادقة عليه رسميًّا في أروقة الكنيست أو الحكومة.

بنظرة معمقة إلى آراء أدلر يمكننا أن نستشف ما يلي:
1. تفشي فكر فاشي عنصري خطير جديد في أوساط مثقفين ورجال اعمال إسرائيليين. وقيامهم بوضع خطط جديدة لمعالجة الفلسطينيين وقضية الصراع وفق مبادئ ومفاهيم اقتصادية.
2. تصوير العربي عمومًا والفلسطيني خصوصًا بالأفاعي والخطر والشرس والمستعد للافتراس. وأنهم متوحشون ولا يعرفون قيمة الحياة. وأنّ من يفهم هذه القيمة هو شعب إسرائيل فقط. هذه النّظرة العليائية الصادرة عن أدلر منتشرة بكثرة في أوساط مثقفين في إسرائيل. لكن الغريب في الأمر ان أدلر لم تتعلم الدرس الذي لحق بوالديها في المانيا على يد النازي الوحش والمجرم.
3. تعتقد أنه من السهل اقناع مئات الآلاف من الفلسطينيين بالرحيل عن وطنهم وأرضهم وتاريخهم وتراثهم.
4. تعتقد ككثيرين من الإسرائيليين أنّ هذه الأرض ليست للفلسطينيين، وأن الفلسطينيين هم العائق الرئيسي أمام سير حياة الإسرائيلي. هذا الاعتقاد الذي تروج له حكومات إسرائيل منذ عقد ونصف من الزمن. وهذا يعني تحوير وتحويل الرأي العام العالمي من مناصرة القضية الفلسطينية إلى مناصرة قضية المستوطنات. فلماذا يبقى الفلسطيني على هذه الأرض ما دام هو المشكلة وليس المشروع الاستعماري الصهيوني؟
5. إنّ الطروحات والأفكار التي تبثها أدلر وغيرها من الإسرائيليين تتعامل مع الفلسطيني كسلعة وبضاعة. وغاب عن بالها أنّ الفلسطيني هو صاحب أرض ووطن ولن يبيع وطنه ولن يتنازل عن حقه في العيش بوطنه بكرامة واحترام.
6. تشير طروحاتها إلى الاعتراف بما تفعله الحكومة الإسرائيلية وأذرعها الأمنية والاقتصادية من قمع وبطش في حياة الفلسطينيين. وتشير أيضًا إلى اعترافها بأنّ باقي مشاريع اقتلاع الفلسطينيين عبر العقود السبعة الماضي وحتى قبلها لم تحقق كمال المشروع الصهيوني، إذ أنّ بقاء الفلسطينيين في وطنهم هو عبارة عن شوكة في حلوق الإسرائيليين الذين أرادوا أن يروهم في البحر، كما صرّح بذلك رابين رئيس حكومة إسرائيل المغدور: "أحلم في كل ليلة أن غزة غرقت في البحر". لكن يا رابين لا غزة ولا جبالية ولا الخليل ولا جنين غرقت في البحر.
نقول لأدلر "خيطي بغير هالمسلة"، وفكري بما يضمن العيش المحترم لشعبك وللشعب الفلسطيني. ابحثي عن طريق جديد للعيش في هذه الأرض. وأن سمسرتك غير رابحة مع الشعب الفلسطيني الذي مرت عليه شعوب وجيوش وهو صامد باق في أرضه، كبقاء الزيتون متجذرًا عميقا فيها.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة