الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 15:02

هيكل... في نقد الأسطورة/ بقلم: معن البياري

كل العرب
نُشر: 27/02/16 08:27,  حُتلن: 08:57

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

معن البياري في مقاله:

أياً تكن المؤاخذاتُ على كثيرٍ مما كتب وقال وأضاف وأبدع، فإن ثبات الرجل على موقفٍ عروبي، يضع فلسطين في مقدمة قضاياه، وعلى إيمانه المكين بوزن مصر ودورها في أفقها العربي، يبقى من بين كثيرٍ لديه مما يجدر به التقدير

 لم يحدث أن هيكل، في كل ما قال وكتب، تراجع عن رأيٍ طرحه، أو راجع معلومةً جاء عليها وثبت خطأها، ولا أجرى شيئاً من النقد الذاتي لمحطاتٍ في تجربته العريضة، أو نوعاً من المراجعة، بتعيين ما صار يرى أنه لم يكن صائباً

نشر هيكل مقالاً، بعد أسابيع من واقعة "11 سبتمبر" في الولايات المتحدة في العام 2001، ذهب فيه إلى أن متطرفين من الصرب ارتكبوها

لا تحوز قضايا الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان موقعاً مركزياً في تفكير محمد حسنين هيكل السياسي، ولم يحدُث أنه ناصر قضية إفراجٍ عن معتقل سياسي

أمّا وأن محمد حسنين هيكل كان كاتباً وصحافياً كبيراً، واستثنائياً في ملكاته ومواهبه وحيويته، وكذا في شخصيّته الجذابة، وفي القيمة الخاصّة لمنجزه الوفير، فذلك كلّه (وغيره) ما لا يحتاج كلاماً جديداً. وأياً تكن المؤاخذاتُ على كثيرٍ مما كتب وقال وأضاف وأبدع، فإن ثبات الرجل على موقفٍ عروبي، يضع فلسطين في مقدمة قضاياه، وعلى إيمانه المكين بوزن مصر ودورها في أفقها العربي، يبقى من بين كثيرٍ لديه مما يجدر به التقدير. وبالنظر إلى شساعة حضوره، في النقاش السياسي العربي، أزيد من سبعين عاماً، وبمتابعةٍ يقظةٍ منه لكل مستجدٍّ ومتغير، مسلحاً بثقافةٍ واسعةٍ في التاريخ، بالإضافة إلى حذاقته في طرح أفكاره وتصوّراته ومعلوماته، فقد ظلّ موضوع تنازع، بين من يمحضونه إجلالاً مفرطاً، يكاد يصل إلى تخوم التقديس، فيرونه منزّهاً عن أي خطأ أو موقفٍ منتقد، ومعادين له يُنكرون قيمته، ويذهبون إلى تبخيسٍ شأنه، والتجرؤ عليه برميه بنعوتٍ تسيء إليه بما ليس فيه، وبسوءٍ فهم متشنّج. وليس من طبائع الحياة ولا منطقها العام، أن يكون صحافيٌ وكاتبٌ، وإن كان محترفاً، ومتعدّد المواهب والقدرات، بهذه الصورة ولا بتلك، بل يتطلب النظر إليه مقادير واجبةً من الاتزان، وفي السطور التالية، مساهمة، موجزة، في هذا الأمر، تخوضُ في نقد حالة الأسطورة التي خلعها بعضهم على هيكل، لكنها مساهمةٌ، تصدر عن إعجابٍ بالرجل، وتثمين لكثيرٍ مما أعطى.

أولاً: لم يحدث أن هيكل، في كل ما قال وكتب، تراجع عن رأيٍ طرحه، أو راجع معلومةً جاء عليها وثبت خطأها، ولا أجرى شيئاً من النقد الذاتي لمحطاتٍ في تجربته العريضة، أو نوعاً من المراجعة، بتعيين ما صار يرى أنه لم يكن صائباً. ولا يُؤتى، هنا، على هذا الأمر، وكأنه كان مطلوباً من الكاتب الكبير أن يرتدّ عن قناعاته المبدئية في قضايا أساسيةٍ ومركزيةٍ، وإنما، ليس من المعقول أنه كتب آلاف المقالات وعشرات الكتب، وأدلى بمئات الأحاديث والمقابلات والمحاضرات، ولم يبلغه أنه أخطأ في شيء، أو لم يتأكّد لديه عدم صحة معلومةٍ طرحها. وإذ يُمكن حسبان هذا الأمر في هيكل اعتداداً زائداً بالذات، فإن الإفراط فيه يأخذ صاحبه إلى مكابرةٍ وخُيلاء ليستا مستحسنتين. ومن الشواهد أنه نشر مقالاً، بعد أسابيع من واقعة "11 سبتمبر" في الولايات المتحدة في العام 2001، ذهب فيه إلى أن متطرفين من الصرب ارتكبوها. وبعد أن أعلن أسامة بن لادن ما أعلن، وبعد أن ظهرت التفاصيل المشهورة، لم يُبادر إلى إشهار تراجعٍ عن اجتهاده ذاك، بل كتب مقالاتٍ أخرى تالية عن أفغانستان، حضرت فيها أخطاءٌ غير قليلة، ومعلومات غير مؤكدة، وغير موثقة. وإذ حدث كثيراً أن أعلن شهود وعارفون بشأن وقائع، مرّ عليها هيكل، في كتبه ومقالاته وأحاديثه، تصحيحاتٍ وتصويبات على معلوماتٍ بسطها، فإنه لم يُبادر إلى تعقيبٍ أو إيضاحٍ أو إقرار بشيء. ومن كثيرٍ مثل هذا أن جيهان السادات صحّحت معلومةً تخصّها، أوردها في "خريف الغضب"، كما أن سياسيين وإعلاميين سودانيين استغربوا قول هيكل في واحدةٍ من حلقاته في "الجزيرة" إن الزعيم السوداني، الهادي المهدي، قتل في انفجار قنبلةٍ في سلة مانجو في 1970، وأوردوا معلوماتٍ تفصيليةً مخالفةً بشأن مقتل المهدي. ويبدو أن تعفّف الكاتب الشهير عن إعلان ردود على أي تعقيباتٍ أو تصحيحات عليه يصدر، غالباً، عن استخفافٍ بأصحابها، إلا إذا كانوا من وزن ملك المغرب الراحل، الحسن الثاني، الذي جاء على هيكل في 1992، في كتابه "ذاكرة ملك"، بشأن خبر نشرته "الأهرام" يخصّه إبّان رئاسة هيكل تحريرها، فسارع "الأستاذ" إلى نشر مقالٍ عن "ذاكرة صحافي وذاكرة ملك"، ردّ فيه على الحسن الثاني.

ثانياً: لا تحوز قضايا الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان موقعاً مركزياً في تفكير محمد حسنين هيكل السياسي، ولم يحدُث أنه ناصر قضية إفراجٍ عن معتقل سياسي. ولا تعني الإشارة إلى هذا أنه كان يُبارك الانتهاكات الجسيمة، وإنما أنه لم يعتن بها، وإنْ لم يستحسن نفوذ المخابرات المصرية الواسع في زمن عبد الناصر، وأجاز مقالاتٍ نشرها في "الأهرام" تنتقدها، وقد صكّ مصطلح "زوار الفجر" في ذلك الزمن. ولم يكن مستغرباً أن يصمت هيكل بشأن جرائم القتل والفظائع التي ترتكبها السلطة الراهنة في مصر، في السجون وغيرها. وإذ أبلغ لميس الحديدي، في واحدةٍ من محاوراتها التلفزيونية معه، عندما طلب وزير الدفاع، عبد الفتاح السيسي، بعد عزل الرئيس محمد مرسي، تفويضاً شعبياً له بمحاربة الإرهاب، إنه "خافَ من دمٍ يسيل"، لكن الدم سال في غير واقعةٍ لاحقاً، أمام مقر رئاسة الحرس الجمهوري وأمام منصة نصب الجندي المجهول، وفي فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية والنهضة، فلم يُطالب هيكل بتحقيقاتٍ موثقةٍ بشأن استسهال استخدام الرصاص في هذه الوقائع (وغيرها). وإذ نقرأ في مقال صديقه، عبد الله السناوي، في رثائه، إنه طلب من السيسي، قبل أسابيع، الإفراج عن الشباب المعتقلين لخرقهم قانون التظاهر، فإن المرء يسـأل عمّا كان يحول دون أن يُشهر هيكل، في محاوراته التلفزيونية والصحافية، مواقف غاضبةً من هذه الاعتقالات وغيرها.

ثالثاً: اتصالاً بما سبق، كان مؤسفاً من هيكل أنه، في كل إجاباته عن أسئلةٍ توجهت إليه، بشأن ما كان يراه في المستجدّ السوري منذ ربيع 2011، لم يُكن يظهر شعوراً واضحاً بشأن فداحة عمليات القتل المهولة في سورية، وظلّ ينظر إلى سورية البلد وموقعها على الخريطة، ويرى أن بعض ما يجري فيها "مقصودٌ به إيران كهدف أساسي، في ملء فضاء الشرق الأوسط". كما ظلّ ينحو إلى تبرئة النظام من المسؤولية عن جرائم القتل والفظاعات هناك، مع تسليمه بأنه "دموي وغير شرعي واستمر أكثر مما يجب"، كما قال في مقابلةٍ مع "الأهرام"، في مايو/ أيار 2012، شرح فيها إنه يعرف طبيعة هذا النظام، وليس معجباً به، وليس متحمساً لبقائه، ويعتبره ظالماً مستبداً، ومحكوماً عليه تاريخياً. لم يبنِ على هذا المنظور موقفاً متطوراً، بل اعتنق لاحقاً موقفاً "يتفهم" مشاركة حزب الله في القتال في سورية، وعمد إلى اتهام معارضي النظام بجريمة ضرب سوريين مدنيين بالسلاح الكيماوي، بدعوى إنه "لا مصلحة لبشار الأسد في اقترافها".

رابعاً: ظل "الأستاذ" يلحّ على النظر إليه صحافياً، وكثيراً ما كان يسمّي نفسه "جورنالجياً"، وفيما يبعث على الإعجاب تقديره مهنة الصحافة التي احترفها، إلا أن من غير الممكن أن يُرى هيكل من هذه الزاوية وحدها، ذلك أن أدواراً سياسيةً بالغة الأهمية قام بها، في غير محطة، وثمّة شواهد عن تبنّي عبد الناصر مشورته في غير شأن. كما أن دوره ليس منسياً في تثبيت حكم أنور السادات، والانتصار له، (بعد 40 عاماً يلمّح إلى دور للسادات في "قتل" عبد الناصر، بدس شيء ما في فنجان قهوة أعده له!). أما ما تردّد عن كتابته بيان عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو 2013، فقد أفاد عبد الله السّناوي، أخيراً، أن الراحل هو من كتب "الأفكار الرئيسية" في البيان. وأدوارٌ مثل هذه تقع في صميم السياسة، المرذولة، والتي لا تتسّق أبداً مع الانقطاع للصحافة، فهي تشير إلى شراكةٍ في صناعة قراراتٍ كبرى، وبالتالي، تحمّل صاحبها قسطاً وفيراً من المسؤولية عنها.

خامساً: أعلن هيكل انصرافه عن الكتابة في العام 2003، وألمح، في مقاله الذي أعلن فيه قراره ذاك، إلى أن حضوراً له من نوعٍ آخر سيطرح فيه رؤاه وأفكاره. وللحق، تعد حلقات "مع هيكل" في قناة الجزيرة ذات قيمة تاريخية عالية القيمة، في الإضاءة على حربي السويس في 1965 والأيام الستة في 1967، وما بينهما من وقائع عربية ومصرية، إلا أن القيمة كانت ضعيفةً لمقابلاتٍ كثيرة تخللت تلك الحلقات، واعتنت بالمستجدّات التي كانت تطرأ، خصوصاً ما تعلق منها بغير الشأن المصري، ذلك أن هيكل ظل يُؤثر إحالة محاوريه إلى حكايات الماضي. وتأكّد فيها، لمحبي هيكل والمعجبين به، (كاتب هذه السطور منهم) أن الأنفع للرجل وصورته ومكانته أن يبتعد عمّا لا يعرف، فأن يكون من زوار اليمن وعارفي تفاصيل شؤونه إبّان التدخل العسكري المصري فيه في الستينيات لا يسبغ أهميةً على كلام مرتجل منه عن حراك ثورة فبراير 2011 في هذا البلد، كما أن اللقاء بالخميني في باريس، وتأليف كتاب عن قضية محمد مصدّق في إيران في 1953، لا يمنحان وجاهةً لأي شرحٍ عن انتخاب أحمدي نجاد رئيساً. أما دأب هيكل، إلى حد مثير، على وجوب علاقة عربية حسنة مع إيران، فإنه مستغرب، لأنّ المشكلة ليست في هذا المطرح، وإنما في الذي تقوم به إيران نفسها، وهي التي ظل يسلح رؤيته بشأنها، بأن مصر وقعت مبكراً على أهمية هذه العلاقة، بدليل موافقة الملك فاروق (وفريقه السياسي) على زواج إحدى أخواته الأميرات من ولي العهد، الشاه لاحقاً، في إيران، (تم الطلاق سريعاً!). .. وللحديث صلة. 

* نقلًا عن العرب الجديد اللندنية

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net  

مقالات متعلقة