الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 19:02

آيفون امتداد للروح/بقلم:سوسن الأبطح

كل العرب
نُشر: 03/04/16 07:54,  حُتلن: 08:44

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

سوسن الأبطح في مقالها: 

بقيت "آبل" رافضة تقديم أي مساعدة لـ"إف بي آي" لكشف بيانات الهاتف الذي استخدمه منفذ هجوم سان برناردينو وزوجته، في كاليفورنيا، نهاية السنة الماضية، رغم أنهما تسببا بمقتل 14 شخصًا

التغطية الإعلامية الواسعة التي حظيت بها القضية، لا تعني أن "آبل" ذات مبدأ أخلاقي صلب، بقدر ما تكشف عن وعي عميق بمدى حساسية إقدامها على سابقة استباحة الخصوصية الشخصية مرة، لتصبح ممكنة في مرات أخرى

ليست مهمة أربعينية "آبل"، لأنها تسعدنا وتمتعنا، وتسعفنا في نقل أخبار الفتن، وصور الرؤوس المقطوعة، والخطب التجييشية، والأخبار الملفقة

كثيرة هي الشركات التي استنسخت "آبل"، بمرور الوقت، وقد تجاوزتها في بعض الخدمات التواصلية الغالية على قلوبنا

قيمة التفاحة المقضومة، التي يفترض أنها الفاكهة اللبنانية الأشهى، أنها باتت رمزًا لكفاح عصامي، لرجل لم يجد بدل أقساطه الجامعية، ولا عونًا ماديًا، يوازي أحلامه، ومع ذلك اخترق وأبدع

خسرت "آبل" الرهان، لكنها حافظت على مصداقيتها.
صحيح أن مكتب التحقيق الفيدرالي تمكن من اختراق "آيفون" الخاص بالإرهابي المدعو سيد فاروق دون معونة الشركة، التي رفضت الخضوع للأمر القضائي، واستباحة سرية أحد عملائها، ولو كان مجرمًا وإرهابيًا وانتقل إلى العالم الآخر، ولا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها، لكنها في المقابل كسبت صورتها وعنادها في دفاعها عن مبادئها.

بقيت "آبل" رافضة تقديم أي مساعدة لـ"إف بي آي" لكشف بيانات الهاتف الذي استخدمه منفذ هجوم سان برناردينو وزوجته، في كاليفورنيا، نهاية السنة الماضية، رغم أنهما تسببا بمقتل 14 شخصًا. التغطية الإعلامية الواسعة التي حظيت بها القضية، لا تعني أن "آبل" ذات مبدأ أخلاقي صلب، بقدر ما تكشف عن وعي عميق بمدى حساسية إقدامها على سابقة استباحة الخصوصية الشخصية مرة، لتصبح ممكنة في مرات أخرى.
المبادئ ليست أخلاقية دائمًا، وقد تكون تجارية، ولها علاقة بنقاء الصورة أيضًا. كتبت إحدى المقالات تعليقًا تشرح فيه كيف أن الهاتف الجوال صار امتدادًا للروح، ومكملاً للذاكرة الإنسانية. بالتالي فإن كلاً يرى هاتفه على أنه جزء عضوي من ذاته، وليس إضافة بالإمكان الاستغناء عنها. وأن تستخف "آبل" بهذا الجانب النفسي الدفين، يعني أنها ستخسر ثقة من منحوها شرف الحفاظ على مكنونات نفوسهم.

تكتسب قصة "آبل" زخمًا، لأنها تأتي متزامنة مع الإحتفاء بمرور 40 سنة على تأسيس الشركة، التي جعل ستيف جوبز بعبقريته، كل منتج لها بمثابة نقطة تحول في الحياة البشرية، ولا تزال الشركة تحاول الخروج من عباءته ولا تفلح، وكأنما شبح جنون الإتقان الذي كان سيطر عليه لا يزال صعب التجاوز، إنْ لجهة الشكل الرهيف أو المضمون البسيط حد الغرابة.
تعرض "آبل" جديد منتجاتها بمناسبة عيدها، فيما تتلقى صفعة بسبب تمكن جهة ما من اختراق برنامجها الهاتفي، وتشحذ الهمة لتأمين نظامها أكثر وبمتانة أكبر.
التحديات تصنع النجاحات، وليس من وقت لدينا هنا، في منطقتنا المدماة، لنفكر خارج الثأرية العربية المعتقة، التي نجا منها جوبز ابن عبد الفتاح الجندلي، بفضل تخلي والده الحمصي الأصل عنه، كما أفلتت عبقرية أخرى هي زها حديد، عندما أدارت ظهرها لطفولتها باحثة عن عالم أكثر رحابة.

ومن المفارقة أن يتحدث جوبز كثيرًا عن الوقت وضيقه وضرورة ألا يبذله الإنسان في عيش حياة مستعارة، ليست له. كما أنه مما يجمع الراحلين جوبز وحديد، رغم أنهما سجلا مفاصل مذهلة، كلّ في ميدانه، ذاك الحزن المتأصل فيهما حتى الثمالة، لصدع قاسٍ في مسارهما القديم الذي لم يُشفيا منه قطّ. واحد تخلت عنه عائلته وقُطع بقسوة من جذوره، وبقيت طفولته جرحًا لا يندمل، وأخرى لم ترَ في بلادها غير الخراب، هي التي كانت تحلم بالعمارة والتشييد الجميل، المتمايل والمتراقص أمواجًا في الطبيعة.
ذهب ستيف جوبز، وهو يقول إن عشقك لما تفعل هو خلاصك الذي لا مفر منه، ومثله زها حديد التي تغلبت على سوداويتها، بأن تنسى العيش اليومي، وتمنح نفسها للتحدي.
بعد أربعين سنة، تُستعاد قصة شركاء جوبز، وازنياك ورولان واين، هذا الأخير الذي باع حصته بعد 12 يومًا فقط من تأسيس الشركة بـ800 دولار لا غير، هاربًا من مشروع يعرف أنه ناجح لكن الجهد والصبر المطلوبين له فوق قدرته على الاحتمال. بدأ الثلاثي مغامرة موجعة، ولم يبقَ منهم غير جوبز الصامد الوحيد، وفي رأسه فكرة واحدة: أن يغير العالم.
كسب الرجل الرهان؛ بأن زودنا بأول كومبيوتر شخصي، وأول جهاز نتجول به مع ألف أغنية في الجيب، وأول تليفون يكاد يكون كومبيوترًا محمولاً بكامل الإمكانات، بحجم نصف الكف.
خلال أربع سنوات، تمكنت خلية صغيرة من ثلاثة أشخاص، مفلسة، لا تملك شيئًا، تستدين ما استطاعت - علمًا بأن رولان انسحب لأنه كان يملك بيتًا وسيارة، وخشي خسارة ما في جعبته - من أن تؤسس لمشروع يساوي اليوم 600 مليار دولار، ويحدث انقلابات جذرية في حياة الإنسانية، لأنه ولد في محيط خصب، يشجع على الابتكار.
ليست مهمة أربعينية "آبل"، لأنها تسعدنا وتمتعنا، وتسعفنا في نقل أخبار الفتن، وصور الرؤوس المقطوعة، والخطب التجييشية، والأخبار الملفقة. كثيرة هي الشركات التي استنسخت "آبل"، بمرور الوقت، وقد تجاوزتها في بعض الخدمات التواصلية الغالية على قلوبنا. قيمة التفاحة المقضومة، التي يفترض أنها الفاكهة اللبنانية الأشهى، أنها باتت رمزًا لكفاح عصامي، لرجل لم يجد بدل أقساطه الجامعية، ولا عونًا ماديًا، يوازي أحلامه، ومع ذلك اخترق وأبدع. ولا يزال شريكه المنسحب رولان يردد إلى اليوم أنه غير نادم على خسارة مئات مليارات الدولارات، وكأنه رمى ورقة يانصيب رابحة في سلة المهملات. فالرجل مقتنع بأنه كان ليفقد صوابه وينتهي إلى مستشفى للأمراض العقلية لو بقي مع المجنون جوبز.
مع ذلك، بقي جوبز متساهلاً في أمر التعاون مع "إف بي آي". وإذا كان من أهمية للقضية الكبرى، والضجيج الإعلامي الذي رافق فك شفرة تليفون سيد فاروق، فلأن الشركات التكنولوجية الأميركية أدمنت التعامل مع الاستخبارات، ويأتي خليفة جوبز، تيم كوك، كحالة شاذة في محيط رضي بأولوية الأمن على الخصوصية. وربما أن جوبز يضحك من قبره اليوم مسرورًا بخليفته الذي تجرأ على ما لم يفعله هو نفسه. ألم تكن مقولته الأثيرة هي: "نحن هنا لنضع بصماتنا على هذا الكون، وإلا ما فائدة مجيئنا"؟!

* نقلا عن العربية 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة