الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 18:02

النكبة ليست ذكرى... بل حالة مستمرة - بقلم: د. سامي ميعاري

د. سامي ميعاري
نُشر: 15/05/18 16:34,  حُتلن: 20:25

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

أبرز ما جاء في المقالة:
نكبة فلسطين منذ عام 1948 حتى الآن هي هولوكوست وأكثر

أولى بنا وأجدر أن تستوطن النكبة في ذاكرة أجيالنا وتستفرد بالصفحات العريضة من تاريخنا ولا تتحول لمجرد ذكرى وكأنها حدث تاريخي وانتهى

استمرار النكبة حاضر في مخططات ممنهجة ومستمرة وعلى رأسها التهويد ومحاولة اجتثاث من بقي وما بقي في الأرض من شعبها

يحق لنا أن نورث أجيالنا الحقيقة وأن ما حلّ بنا كان كفيلاً بمحو أُمم وشعوب وجماعات كثيرة لا تمتلك الجذور الضاربة في طبقات الأرض كجذورنا

لسنا مهاجرين ولا وافدين ... . صناع الحاضر والمستقبل هنا نحن فمن لا تاريخ له لا حاضر له ولا مستقبل... نحن أعمق جذوراً من أن يستفرد بنا اللصوص وأعوانهم والمتآمرون مرة أُخرى


حينما يقولون : مرور سبعون عاماً على النكبة ، تبدو وكأنها حدث من التاريخ وانقضى، لكن التعبير الصحيح هو: سبعون عاماً من النكبة: لأنها ما زالت مستمرة، ونتائجها ليست قائمة فحسب، بل تتفاقم وتعظم عاماً بعد عام.

وإذا كان الطرف الآخر يتخذ من (الهولوكوست) عقيدة ودعاية ومبرراً لكل ما فعل ، ويتخذ منها مادة لجلب التعاطف معه، فإن نكبة فلسطين منذ عام 1948 حتى الآن هي هولوكوست وأكثر، وأولى بنا وأجدر أن تستوطن النكبة في ذاكرة أجيالنا وتستفرد بالصفحات العريضة من تاريخنا ولا تتحول لمجرد ذكرى وكأنها حدث تاريخي وانتهى .

في النكبة كانت كارثة الأرض والإنسان: فالقضية ليست احتلال أرض فقط، بل وتهجير شعب واقتلاع تاريخ وتهويد مكان وزمان وتراث، لذلك كله سميت نكبة فلسطين وليس احتلال فلسطين.

واستمرار النكبة حاضر في مخططات ممنهجة ومستمرة وعلى رأسها التهويد ومحاولة اجتثاث من بقي وما بقي في الأرض من شعبها، فلا يدخرون فرصة ولا جهداً في سبيل القضاء على ما تبقى من عروبة وتراث في هذه الأرض.

النكبة من الأحداث التي استوقفت التاريخ المعاصر وليس سهلاً على أي شعب أن يصمد كما صمد شعبنا وأن يبقى راسخاً كما رسخنا، وأن يظل متشبثاً بحقه وهويته كما نحن فعلنا... كثير من الشعوب والجماعات كانت تنصهر في بوتقة الأحداث وتستسلم للريح العاتية وتنمحي معالمها وهويتها وتراثها أمام هول الأحداث الجِسام... بينما استعصى شعبنا على الانطواء تحت طائلة النكبة والتهجير وظل شامخاً في وجه المؤامرة الكونية.

يحق لنا أن نورث أجيالنا الحقيقة وأن ما حلّ بنا كان كفيلاً بمحو أُمم وشعوب وجماعات كثيرة لا تمتلك الجذور الضاربة في طبقات الأرض كجذورنا...

ولا بد من الالتفات إلى أن السلطات في إسرائيل حينما قررت إلغاء تدريس النكبة في مناهج العرب المدرسية ، دلّ ذلك على أن النكبة ليست مجرد تاريخ بقدر ما هي واقع مستمر وحالة قائمة وجرح نازف ولا بد أن تسعى السلطات للفصل بين الجيل الجديد وبين معاني النكبة.

جريمة في تاريخ الإنسانية والمؤسسات الدولية والعالم العربي والإسلامي، ذلك الاقتلاع الذي تم تحت نزيف المجازر في دير ياسين ثم كفر قاسم لاحقاً، ومواقع كثيرة كان آخرها غزة...

قرى أُزيلت بكاملها ومقدسات تحولت لمطاعم ونوادٍ ليلية وحتى المقابر لم تسلم وقد اخترقتها الإنشاءات والمتنزهات والشوارع حتى الموتى لم تكن لهم قداسة في ذاكرة النكبة...

أراضٍ مصادرة لصالح الوافدين الجدد يقيم أحدهم فيلا على عرق أجدادنا وأرضنا المضمخة بأنفاسهم والمنزرعة بهويتهم....

عائلات يتوزع أفرادها بين الداخل والضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وسوريا ولبنان والأردن والمهجر....
علينا أن نتجاوز مرحلة التأبين والبكاء والاحتفال بذكرى النكبة بشكل بروتوكولي والتحول لمرحلة إحياء المعاني وترسيخ الفكر المنبثق عن نكبة فلسطين كأبشع جريمة حرب بعد الحرب العالمية الثانية.

قالوا: وجدنا أرضاً بلا شعب، لشعب بلا أرض... ونحن نقول لهم: بل هي أرض عريقة مقدسة لشعب عربي عريق صاحب تاريخ مجيد وتراث عميق وهوية متأصلة في الفكر والوجدان...

كما قال شاعر الأرض عاشق التراب محمود درويش:
جذوري قبل ميلاد الزمان رَسَتْ
وقبل تفتُّح الحُقُبِ
وقبل السرو والزيتون
قبل ترعرع العشُبِ
أرض الرسالات ومهد الحضارات وملتقى القارات..
لا يستطيع أحد أن يزور هويتها وأن يلغي تاريخها وأن يحدد مصيرها...

لقد ولى زمن الترانسفير والخدع التي باتت مفضوحة، وشعبنا اليوم لن تنطلي عليه المؤامرة التي حيكت برعاية الانجليز وقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة 1947. اليوم لن يخدعنا أحد ولن نلدغ من الجحر نفسه مرة أُخرى ولن نكون لقمة سائغة للمتطرفين ...

في ذكرى النكبة لن نسمح بنكبة جديدة تحت أي خديعة أو مسمى فالوعي تحقق لدى الجماهير التي أصبحت أكثر تشبثاً بهويتها وحقها في مستقبل لائق بطموحها... السماسرة إلى مزابل التاريخ وأصحاب المصالح الفئوية والعائلية والذاتية بات يلفظهم المجتمع وتحتقرهم الأُمة والمستقبل لشعبنا الصامد على أرضه المتمسك بهويته...

لسنا مهاجرين ولا وافدين ... . صناع الحاضر والمستقبل هنا نحن فمن لا تاريخ له لا حاضر له ولا مستقبل... نحن أعمق جذوراً من أن يستفرد بنا اللصوص وأعوانهم والمتآمرون مرة أُخرى.

مقالات متعلقة