الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 23:01

في انتصار الأداة على المضمون – الدروز كمثال/ بقلم: ب. أسعد غانم

ب. أسعد غانم
نُشر: 06/08/18 16:25,  حُتلن: 14:08

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

ب. أسعد غانم في مقاله:

أصل حالة الانتفاضة على قانون القومية، له علاقة فيما اقدم عليه "اليمين الجديد" في اسرائيل من كسر للمألوف في التجبر والتحكم وتوظيف القوة السياسية والعسكرية لتطويع "الاخرين"

الدروز كما باقي العرب الفلسطينيين في اسرائيل، ادركوا او حاولوا ان يتداركوا ما عرفوه سابقا، بان مكانتهم المواطنية ليست محمية ولا محصنة

ما ازعج نتنياهو ليس مضمون رد الدروز، بل شكله. فقد قدموا لنا جميعا نموذجا فريدا من العمل الجماعي المنظم والمثابر والدؤوب من المثقفين ورجال الدين والجنود والنساء والرجال والشباب والشيب

قد تكون "حركة الاحتجاج" التي قادها الدروز هي اهم عمل احتجاجي ضد اليمين الاسرائيلي الجديد بقيادة نتنياهو، منذ اعتلائه سدة الحكم ثانية عام 2009 –واعرف ان البعض سوف يعتقد بان هذا مبالغة

كثر التفسير والتأويل والتفنن في التعليق في زمن الفيسبوك والواتساب، في ما سمي "نضال الدروز ضد قانون القومية"، رغم انه لا يوجد نضال دروز او عرب او غيرهم، لان مضامين النضال هي التي تحكم ما يجب ان يعبر عنه، وليس من يقوم به ، لكننا نقول نضال الدروز" كتعبير مجازي"، وذلك لسبب بسيط له علاقة بالسياق الذي أحدثه القانون من حيث المواقف. اذ ادى اصرار اليمين بقيادة نتنياهو الى حراك في مياه راكدة، اصلها يتعدى المقاصد الواردة في نص القانون المسمى "قانون القومية" والتي طبقت وتتطبق عمليا منذ النكبة وبعدها الى يومنا هذا. وقد يشير البعض الى تنصيب القانون كقانون اساس يؤسس لمرحلة سوف "تجبر" المحاكم على ان تقبل بالتمييز، وهذا صحيح جزئيا، سوى انه جوهريا تحليل غير منطقي. فمنطقه هو الادعاء بأن المحاكم الاسرائيلية –فيما يتعدى القانون والسياسات الجوهرية- كانت تتعامل مع العرب بمساواة وانها انصفتهم فيما لجأوا اليها به، وهذا طبعا غير صحيح ويتجاهل سياقات المحاكم والاحكام، ويتنافى مع ما نعرفه عن قرارات المحاكم، وما وثقته الابحاث والدراسات عن انعدام العدالة فيما يخص المحاكم الاسرائيلية في تعاملها مع مظالم العرب، وخصوصا تلك المتعلقة بمصادرة الأرض والبناء والتمييز المنهجي في الميزانيات والرموز ومضامين التعليم والتعاقد والعمل، الخ مما نعتقد بانه يحمل مضمونا قوميا او وطنيا.

ان أصل حالة الانتفاضة على قانون القومية، له علاقة فيما اقدم عليه "اليمين الجديد" في اسرائيل من كسر للمألوف في التجبر والتحكم وتوظيف القوة السياسية والعسكرية لتطويع "الاخرين"، وهؤلاء هم كل من لا يقف مع اليمين الجديد في سياساته، ونعني ثلاثة قوى رئيسية:
اولا، اتباع "التحالف اليساري" في اسرائيل من ورثة مباي وتراثها، وبن غوريون وارثه، وبيغن وميراثه، ومواقف وسياسات ما اصطلح على تسميته "باليسار الصهيوني" ومؤسساته ونشطاءه ومن معهم من العرب، هؤلاء كلهم يهددهم اليمين الجديد من حيث محاولاته قلب الطاولة على ما اعتبروه "دولتهم" وارثهم في الحكم والسياسة والثقافة العامة والاجتماع.

ثانيا، القوى المتنفذة في الحركة الوطنية الفلسطينية من قيادة منظمة التحرير وقيادة حماس، وهي القوى التي راهنت على قيام دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل، وبنت على تغيير الحكم في اسرائيل او تغيير في مواقف وسياسات الحكومة، او على الاقل على ضغط دولي يجبر نتنياهو وحكومته على الاذعان لمطلب اقامة الدولة الفلسطينية، هؤلاء شعروا بالضيق الشديد من الدعم غير المحدود للإدارة الامريكية الجديدة لمشاريع اليمين الاسرائيلي، والتي تفوقت على صقور اليمين الاسرائيلي في عدائها لمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، واشد ما يؤرق هؤلاء هو استمرار سيطرة وتمترس نتنياهو وشلته اليمينية في السلطة وتعسفه في السياسات والقرارات وعلى رأسها اقرار قانون القومية الذي يوثق التنكر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ويزيد فرص تراكم الاستيطان وتجذره، اكثر من ذي قبل.

وثالثا، العرب الفلسطينيين في اسرائيل على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم، والذين يعاملهم اليمين واليسار الإسرائيلي كرعايا، لا كمواطنين، ويقصد بهذا القانون تطويعهم كليا لمبدأ "تفوق اليهود في دولتهم اليهودية" ويجعل من مواطنتهم اقل فراغا من ذي قبل، او على الاقل يؤكد ما اعتدنا على تسميته "مواطنين من الدرجة الثانية" ويوثق ذلك بقانون اخر، زيادة على جملة من القوانين والاجراءات المعمول بها حتى اليوم.

يساند كل هؤلاء موقف شعبي ورسمي الى حد معين، ودولي مساند للديمقراطية وخائف من "زوالها في اسرائيل" ويجند لأجل ذلك القانون والاعراف الدولية ويذكر نتنياهو بما اصاب اليمين في الماضي نتيجة لصعود الفاشية والقومية المتطرفة في اوروبا والغرب، ويتخذ قرارات واجراءات لمساندة القوى التي يتعرض لها اليمين والقانون الجديد. ولكن نتنياهو يركل كل هؤلاء ويتجاهل مواقفهم ويقول لهم بازدراء: "لا تهمني قراراتكم ومواقفكم" واسرائيل بقيادته تترك اليونسكو ومستعدة ان تترك كل المؤسسات الدولية، وتهتم فقط بدعم الولايات المتحدة وتحدث اختراقات في دعم بوتين وروسيا ومجموعة من النجاحات في شرق اوروبا والهند واجزاء مهمة من العالم العربي وافريقيا...
والدروز كما باقي العرب الفلسطينيين في اسرائيل، ادركوا او حاولوا ان يتداركوا ما عرفوه سابقا، بان مكانتهم المواطنية ليست محمية ولا محصنة، وان خدمتهم في الجيش و"حلف الدم" وما الى اخره من المواقف والافعال لن تسعفهم مقابل اليمين الفاشي وتجبره. لكنهم المجموعة الوحيدة مقابل "اليسار الاسرائيلي"، والمؤسسة السياسية الفلسطينية، والمواقف الرسمية والشعبية الدولية وباقي الفلسطينيين في اسرائيل، التي هزت نتنياهو وموقفه، وجعلته يلتقي معهم ويحاول استلطافهم والحصول على رضاهم، وحتى قيامه بمساعدة اعوانه منهم بمحاولة جسورة لضرب وحدة صفهم، لكنه لم ينجح في ذلك حتى الان، على الاقل.

برأيي لم يقم نتنياهو بذلك نتيجة للشعارات والمطالب التي رفعها الدروز. فلا "حلف الدم" ولا "الخدمة في الجيش" "والتضحيات" يهمونه، واصلا تقوم حكومته بالتمييز ضدهم في كل مرافق الحياة ومستوياتها، كما باقي المواطنين العرب الفلسطينيين. ما ازعج نتنياهو ليس مضمون رد الدروز، بل شكله. فقد قدموا لنا جميعا نموذجا فريدا من العمل الجماعي المنظم والمثابر والدؤوب من المثقفين ورجال الدين والجنود والنساء والرجال والشباب والشيب، كلهم مجتمعون في رفض القانون والمطالبة بإبطاله، وصعقوا نتنياهو ومعسكره وباقي المجموعات والاطراف التي تعارض نتنياهو، بما في ذلك اعوان نتنياهو من الدروز، الذين طمأنوه في قدرتهم على "تخريب" موقف الدروز ببعض الوعود، وتطوعوا للوساطة واخراج تعهد من نتنياهو ببعض التغييرات في السياسات والقانون فيما عرف "بتفاهمات نتنياهو مع زعماء الطائفة"، وفيما تكشف غداة ذلك كمحاولة جسورة من نتنياهو لضرب وحدة الصف لدى الدروز.

قد تكون "حركة الاحتجاج" التي قادها الدروز هي اهم عمل احتجاجي ضد اليمين الاسرائيلي الجديد بقيادة نتنياهو، منذ اعتلائه سدة الحكم ثانية عام 2009 –واعرف ان البعض سوف يعتقد بان هذا مبالغة، لكنني اتمنى ان يأتي هؤلاء بمثال يشبه تجربة الدروز في هذا المضمار- وهي التجربة الوحيدة التي هزت اركان حكومته، وقد تؤدي الى تراجعه عن القانون او تعديله، او على الاقل تقديم موعد الانتخابات لإلهائنا بها، وهو يملك الضمانات لإعادة انتخابه وربما خروجه اقوى من حيث الانجازات الانتخابية من وضعه الحالي. لكن كل هذا لا يمكن ان يلغي ما حققه "الدروز" من حيث شكل الاحتجاج وقوته في احداث ارتجاج وصدمة لدى نتنياهو. قد تكون هذه التجربة درسا لنا جميعا لو استعنا بها لفهم كيفية وامكانية احداث تأثير ممكن في سيطرة اليمين الفاشي وتجبره، واعني من حيث شكل العمل وهو الجانب الاهم، وليس في مضمونه الذي يجب ان نراجعه جميعا، وليس الدروز فقط...

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة