الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 03:02

لذكرى رحيل روضة شهاب / بقلم:مارون سامي عزّام

مارون سامي عزّام
نُشر: 07/10/18 10:50,  حُتلن: 15:25

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

موسم حصاد القدَر لم ينتهِ بعد، ما زال يحصد سنابل الحياة المليئة بالحركة والإرادة من أرض العطاء، امتعض موسم القدر اللعين، من رؤية هذه السّنابل تنحني بالرّأفة، من هبوب نسمات الحنان عليها، لذا جعلها تخضع لإرادته الظّالمة عنوةً، فرض لعنة الموت على الرّاحلة روضة بابا، وهي ما زالت تعشق الحياة البسيطة غير المتكلّفة، التي أرادت أن تركُض معها في أرجائها السّاحرة، اعتبرتها دميتها المفضّلة، حرّكتها بخيوط تجاربها الحياتيّة لاعتقادها أنها تستطيع التّحكُّم بها كما يحلو لها، لم تتصوّر روضة أن هذه الحياة الأليفة، ستغدر بها ذات يوم.
عائلتها أحاطها برايات المعنويّات الخفّاقة بالعزيمة، برحيلها أصبحت أيّامهم نفقًا من التّعاسة، قفرًا مخيفًا لا ينتهي ولا يُحتمَل، لكنّ صدى وجودها القوي ما زال يتردّد في رحاب ذاكرتهم، طيف طيبتها يسكن في وجدان الجميع. جعلها زوجها تتمسّك أكثر بالحياة، منحها فرصة مقاومة المرض بمسكّنات التقوى والإيمان، لأن روضة لم تبخل عليه معيشيًّا، بل عاركت معه، وكانت شريكته في إدارة البيت، وفي بناء أسرة مكافحة. أولادها المصدومون من هول هذه المأساة، تجنّدوا لخدمتها، لأن وجودها بينهم كان دافعًا للنّشاط، اعتبروها قمر الحنين، الذي سطع رقةً.
كل من عرفها من قريب أو من بعيد، كان يندهش من طلّتها دائمة الغبطة، محيّاها لم يتقنّع يومًا بقناع الزّعل، بل بقيت محافظة على هذا الميزة الاجتماعية، لكونها نشأت في أسرة فنيّة معروفة، تعيش جوًّا موسيقيًّا يوميًّا، أجواءه دائمة الطرب. كم رقصت روضة على إيقاعات موسيقى روح الدّعابة، التي لم تُتعبها. عزفت على أوتار قيثارة المسايرة بريشة ترحابها، أطربَت الجميع بحفاوة استقبالها لهم، قضينا برفقتها أوقاتًا جميلة لن تُنسى، وشاهدنا سلسلة كلماتها الرنّانة بالنّغاشة، تخرج من فمها بسلاسة وعفويّة محبّبة.
كان هذا المرض اللئيم يطعنها بخنجر المعاناة، يريدها أن تنزف قهرًا، كي تشعُر بإرهاب العذاب، لكنّها دحرته، أخرجته من جسدها بإرادتها الصلبة، حتّى عندما كان سيف الألم مُسلّطًا عليها، يهدّدها بالموت، لم تهتم له، فحطّمت أسطورة الخوف منه بمطرقة شجاعتها. استفحل فيها المرض، لكنها تمتّعت بقدرة عجيبة على احتمال سياطه، لأنها خافت أن تضع الأسرة عند مفترق الافتراق القاسي، المتشعّب بالفراق والحسرة، وأبت أن يحلّ عليها فصل خريف الآخرة، لئلاّ تتساقط أوراق أيّامها فوق أرض الوداع باكرًا، وحتّى لا يمطرها بالدُموع، بل انتظرت بزوغ فجر الشّفاء، ولكنّ المرض استطاع أن يتغلّب عليها في حلبة صراع البقاء الإنساني، وانطفأ نور شاشة البشاشة.

مارون سامي عزّام

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

 

مقالات متعلقة