الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 23:01

نحن والعالم.. مسؤولون يربأون بأنفسهم عن الاستقالة/ بقلم: محمود الريماوي

محمود الريماوي
نُشر: 20/10/18 13:38,  حُتلن: 13:45

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

محمود الريماوي في مقاله:

أغلب الاستقالات في العالم العربي لمسؤولين رفيعين، هي إقالاتٌ يتم الإعلان عنها بصيغة استقالات

تعتبر اليابان إحدى أكثر الدول التي تشهد ظاهرة استقالة الوزراء وكبار المسؤولين فيها

من بين ما تتميز به الحياة السياسية في الغرب، وفي الديمقراطيات المتقدّمة عموما، وبالذات على مستوى السلطة التنفيذية، ظاهرة الاستقالات التي يبادر إليها وزراء ومسؤولون كبار، لأسباب مختلفة، يتقدمها الاعتراف الضمني أو المعلن للمستقيل بتقصيرٍ ما ارتكبته الوزارة أو المؤسسة التي يتولى مسؤوليتها، على أن الأسباب تمتد بعد ذلك إلى التجاوب مع احتجاجات ضد المسؤول المعني، أو احتجاج المسؤول المستقيل نفسه على سياسة الحكومة التي يحتل مقعدا وزاريا فيها، إلى أسباب أخرى شخصية وصحية. وبعيدا عن الحكومات، تشمل ظاهرة الاستقالات مسؤولين كبارا في هيئاتٍ دولية، تتبع دولا بعينها، أو تتبع الأمم المتحدة.

منذ نحو شهر مضى، يسع المتابع رصد حالاتٍ من الاستقالات التي لم تتوقف الأخبار بشأنها في هذا البلد او ذاك، ففي 3 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، أعلنت الرئاسة الفرنسية أن الرئيس إيمانويل ماكرون قبل استقالة وزير الداخلية، جيرار كولومب، على الرغم من أن هذا الوزير كان يعتبر حليفا قويا لماكرون. ويسترعي الانتباه أن الوزير المستقيل ارتأى الخروج من منصبه الرفيع كي يترشح في العام 2020 لرئاسة بلدية ليون، إحدى أكبر مدن فرنسا، أما السبب المباشر الذي حمله على الاستقالة فقد عبّر عنه بقوله إن السلطة التنفيذية تفتقر إلى التواضع.
وفي اليونان، قدّم وزير الخارجية، نيكوس كوتزياس، استقالته من الحكومة يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، على خلفية خلاف مع الحكومة حول اسم مقدونيا، الذي يعود إلى دولة مقدونيا البلقانية، وكذلك لمحافظة في اليونان. وكان الوزير المستقيل قد قاد مفاوضاتٍ باسم بلاده مع جمهورية مقدونيا، وقد أفضت المفاوضات إلى إعادة تسمية الجمهورية اليوغسلافية السابقة "جمهورية مقدونيا الشمالية"، وهو اتفاق تم، كما يبدو، قبوله على مضض في المؤسسات الحكومية اليونانية، ما حمل الوزير على الاستقالة التي تم قبولها.

وفي الهند، قدّم وزير الدولة للشؤون الخارجية إم جي أكبر، استقالته يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، نتيجة اتهامات صدرت عن عشرين امرأة له بالتحرّش بهن. وارتأى الوزير الاستقالة لكي يخوض، كما قال، معركة قضائية باسمه الشخصي "ضد هذه الاتهامات الباطلة".
وبعيدا عن الهند، ولكن في القارة الآسيوية، قدّم وزير النقل الياباني، نارياكى ناكاياما، يوم 28 سبتمبر/ أيلول الماضي، استقالته، وذلك بعد مضي أربعة أيام على تعيينه في منصبه، وأرجع استقالته إلى خطأ في تصريحاتٍ صدرت عنه. وتعتبر اليابان إحدى أكثر الدول التي تشهد ظاهرة استقالة الوزراء وكبار المسؤولين فيها، الذين لا يتوانون عن تقديم استقالاتهم لدى استشعارهم أدنى خطأ قد ارتكبوه، أو تمَ ارتكابه في الوزارات والمؤسسات التي يقفون على رأسها، ومما يُحتسب من التقاليد السياسية الرفيعة في هذا البلد الصناعي المتقدم الذي يجمع بين آليات الديمقراطية الغربية وتقاليد الثقافة اليابانية.

وفي أفريقيا التي عرفت بالانقلابات والإقالات، تقدم رئيس وزراء الكونغو الديمقراطية، أنطوني جيزينزا، باستقالته يوم 25 سبتمبر/ أيلول الماضي، وقد عزا قراره إلى أسباب صحية بعد بلوغه سن الثمانين.
وفي الأمم المتحدة، أعلن مبعوثها إلى سورية، الإيطالي ستيفان دي ميستورا، يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، استقالته من منصبه بحلول نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وذلك بعد مضي أربع سنوات على تبوّئه هذا المنصب. وأرجع دي ميستورا استقالته إلى "أسباب شخصية محضة"، وكان حريّا به أن يضيف إلى ذلك اعترافه بفشله المدوي في تكريس الحل السياسي للأزمة السورية استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية، وجنوحه إلى الاستعاضة عن مؤتمر جنيف بالمؤتمرات الروسية في سوتشي وأستانة، حيث قدّم بشخصه وبنفسه غطاء دوليا لهذه المؤتمرات التي استهدفت إسدال الستار على مؤتمر جنيف ومرجعيته.

يستعيد المرء وقائع الاستقالات هذه في دول شتى، فيما تشهد دولة عربية أفريقية منذ أسابيع وقائع مختلفة، تتعلق بممانعة شخصية برلمانية رفيعة في الاستقالة. وهذا ما حدث من رئيس المجلس الشعبي الوطني (مجلس النواب) في الجزائر، السعيد بوحجة، الذي يرفض مطالبة أزيد من ثلاثمائة نائب من أصل 462 نائبا باستقالته. وقد وقع النواب هؤلاء عريضة لسحب الثقة منه، بسبب ما اعتبروه "تجاوز بوحجة الخطوط الحمر إثر سلسلة من الأخطاء". كما انتقد أعضاء المجلس "طريقة تعامل بوحجة معهم، فضلا عن اتخاذ قرارات ارتجالية، وأحيانا غير قانونية، ولا علاقة لها بالبروتوكولات".

ينتمي بوحجة (80 عاما)، إلى حزب جبهة التحرير الحاكم في بلد المليون شهيد منذ استقلال الجزائر عام 1962. ويرفض التنحّي، معتبرا مطالب الغالبية النيابية غير شرعية "لن أستقيل إلا إذا كانت لدي قناعة بارتكاب أخطاء، وهذا أمر يتعلق بإرادتي، أما الإقالة فيجب أن يكون مصدرها الجهات الفوقية"، في إشارة إلى رئاسة الجمهورية التي لم تتدخل (على الأقل بصورة ظاهرة) في المسألة. ومن اللافت أن قراراً بتنحية قيادي برلماني لا يعود إلى البرلمان نفسه، بل إلى "الجهات الفوقية". كما يسترعي الانتباه أن نواب حزب جبهة التحرير انضموا، في أكثريتهم، إلى دعوة بوحجة إلى الاستقالة، بل إن الأمين العام للحزب، جمال ولد عباس، يقود الحملة، إلى جانب نواب ينتمون إلى أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية وكتلة الأحرار، وهي أحزاب تقف في صفوف الموالاة لا المعارضة. ما يكشف عن اضطرابٍ في آليات التدبير والتسيير الحكومي والحزبي داخل الحزب الحاكم، وذلك لأن بوحجة يتنمي إلى المجموعات نفسها التي ينتمي إليها المطالبون باستقالته، ما يجعل الأمر أقرب إلى السيريالية، فيما تتردّد تقديرات بأن معركة إزاحة بوحجة ذات علاقة بالتوجّه إلى تعديلات دستورية تتيح للرئيس عبد العزيز بوتفليقة (81 عاما)، البقاء في ولاية خامسة في الانتخابات المقرّرة ربيع العام المقبل، بعدما استنفد الولايتين اللتين يقضي بهما الدستور الحالي، واستنفد خلال ذلك الكثير من طاقته الصحية.

وتسود توقعات بأن رئاسة الجمهورية سوف تُقدم قريباً على حل البرلمان، وبذلك تتم إزاحة بوحجة والنواب الحاليين، الموالين والمعارضين جميعا. أما الاستقالة فلا يعمد إليها أحد. علما أن أغلب الاستقالات في العالم العربي لمسؤولين رفيعين، هي في واقع الأمر إقالاتٌ يتم الإعلان عنها بصيغة استقالات. وهي مناسبةٌ للترحم على الفريق عبد الرحمن سوار الذهب الذي فارق دنيانا يوم 18 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري عن 83 عاماً، وهو الذي عُهد إليه بتقلد رئاسة المجلس الانتقالي في السودان عام 1985، وقبل العرض من المؤسسة العسكرية، على أن تجري انتخاباتٌ في أقرب وقت، وهو ما حدث، حيث قدّم استقالته بعد مضي 13 شهراً إلى الحكومة المنتخبة في مايو/ أيار 1986 برئاسة الصادق المهدي ومجلس السيادة برئاسة أحمد الميرغني.

* نقلا عن "العربي الجديد" - لندن

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net   

مقالات متعلقة