الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 16:02

دور المعرفة القانونية في بناء ثقافة الإدعاء والمطالبة لدى المجتمع/ بقلم: رغدة عواد

رغدة عواد
نُشر: 10/01/19 12:29,  حُتلن: 18:55

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

رغدة عوّاد:

عدم سيادة الثقافة القانونية في المجتمع العربي في اسرائيل متعلقة بأسباب كثيرة ومختلفة، منها مثلاً أن القوانين والتجديدات تنشر باللغة العبرية

عدم معرفة القوانين وقلة الثقافة القانونية، لا تقتصر على العامة من المواطنين فحسب، بل قد تمتد في بعض الأحيان لتشمل آخرين في مواقع إتخاذ القرار

إن القانون مرآة لحضارة وثقافة المجتمع المادية والجوهرية، إذ ترتبط صورته بالنظام الفكري، الإجتماعي، السياسي، البيئي، والإقتصادي السائد في المجتمع. القدامى أيضًا عرفوا هذا الأمر، فقد عبَر عنه الرومان بقولهم "لا مجتمع بلا قانون، ولا قانون بلا مجتمع ubi societas ibi jus "، أو "حيث يوجد مجتمع يوجد قانون".

يعتبر القانون إحدى المؤسسات الرئيسية والجوهرية في حياة الإنسان الإجتماعية، نظرًا للدور البارز الذي يقوم به في الشؤون العملية والفكرية لكل فرد، على الرغم من أن فلاسفة عظماء أمثال أفلاطون وماركس، رأوا أن القانون شر يجدر بالإنسانية التخلص منه، فإن التجربة والاستنتاجات دلّت على أن القانون هو إحدى القوى التي تساعد على تحضّر المجتمع الإنساني، وأن نمو الحضارة قد إرتبط على الدوام بالتطور التدريجي لنظام القواعد الشرعية، ولجهاز يجعل تنفيذها فعالًا ومنتظمًا.

هناك شبه إتفاق على الأهمية التي يشغلها القانون في ضبط وتأمين حياتنا الإجتماعية، فإن القانون عبارة عن مجموعة من القواعد التي تنظم الروابط الإجتماعية في المجتمع بأحكام ملزمة، وتقيم النظام وتحقق الإستقرار من خلال إقامة التوازن بين مصالح الأفراد المتشابكة والمتعارضة، وذلك عن طريق تحديد المركز القانوني لكل فرد، وما يتضمنه من حقوق وواجبات، بالإضافة الى ذلك، فإن أولى الخطوات للإصلاح السياسي في أي مجتمع، مرتبطة بالإصلاح القانوني، فالثقافة القانونية طريق لا بد من سلوكه لبناء دولة القانون.
ونظرًا لما للقوانين من أهمية في حياة المواطنين فإن المواطن ملزم بأن يكون ملمًا بحقوقه وواجباته، من منطلق "لا يعذر أحد بجهله للقانون"، وهذا الإلمام بالقوانين وعدم الجهل بها، يُطلق عليه الثقافة القانونية؛ أي معرفة المواطن بالقواعد التي تنظم حقوقه وواجباته، فإن العلم بالقانون لا يجب أن يكون مقتصرًا على أصحاب الاختصاص من القضاة والمحامين والحقوقيين فحسب، بل هو ضرورة تفتضي أن يعلم بها كل فرد يعيش ضمن مجتمع يحكمه القانون، فإن المعاملات القائمة على حسن النوايا والثقة التي كانت تسود المجتمع في الماضي لم تعد قائمة، بل أصبحت مادية مجرّدة من ثوبها التقليدي الأصيل في أغلب الأحيان.

إن النقص في الوعي القانوني لدى المجتمع يمنع المواطنين من الوصول إلى القنوات الصحيحة للمطالبة والشكوى، بكلمات أخرى، إن نقص الوعي لدى الأفراد هو المسؤول عن تراجع ثقافة المطالبة والإدعاء، وأن فقدانها يعني فقدان قدرة الفرد على التغيير والتعديل في بعض الأنظمة، وعدم مقدرته على تنظيم حياته وشؤونه الخاصة، وأكثر من ذلك، عدم المقدرة على تفادي الوقوع في خروقات قانونية مدنية او جنائية نتيجة عدم المعرفة القانونية، ولذلك نرى أروقة المحاكم تعج بالقضايا التي سببها بالأساس عدم معرفة الأفراد بالقوانين، في قضايا الأراضي والضرائب والشركات والعقود على سبيل المثال لا الحصر.
يطرح السؤال، هل المواطن العربي في اسرائيل مثقف قانونيًا؟ وهل يعرف حقوقه وواجباته القانونية؟ ومن المسؤول عن تدني الثقافة القانونية لدى المواطنين؟ وما هي السبل الكفيلة برفع الوعي والثقافة القانونية في مجتمعنا ؟

مما لا شك فيه، ان عدم سيادة الثقافة القانونية في المجتمع العربي في اسرائيل متعلقة بأسباب كثيرة ومختلفة، منها مثلًا أن القوانين والتجديدات تنشر باللغة العبرية، الأمر الذي يشكل في أحيان كثيرة عائق أمام فهم القانون ومعرفته، ليس ذلك وحسب، إنما لغة القوانين التي تتضمن مصطلحات قانونية والتي تختلف عن اللغة العبرية العامية المحكية، تشكل هي ايضًا عائق أمام فهم البنود بسهولة، كذلك، فإن عدم الشعور بالإنتماء للمؤسسة القضائية او التشريعية يعد من الأسباب التي تجعل المواطنين العرب بعيدون عن السعي وراء الوعي القانوني.

إن القانون ليس نزعة عرضية، إنما هو نتاج ظروف التاريخ وثمرة تطور المجتمع والشعوب، ونتيجة لعوامل مختلفة سياسية وإقتصادية وأدبية وفكرية متصلة الحلقات ومتدرجة مع التقدم والإرتقاء، فالقانون ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق غاية، الا وهي حفظ مصالح الناس في المجتمع وتنظيمها بما يحقق استقراره وتقدمه، ولذلك ورغم كل ما ذكر أعلاه من عوائق أمام معرفة القانون، يجب علينا السعي وراء معرفة القوانين المختلفة.

إن عدم معرفة القوانين وقلة الثقافة القانونية، لا تقتصر على العامة من المواطنين فحسب، بل قد تمتد في بعض الأحيان لتشمل آخرين في مواقع إتخاذ القرار، وإن كان عدم معرفة عامة الناس بالقوانين لا يحميهم من النتائج، فإن عدم ا لمعرفة القانونية لدى أصحاب إتخاذ القرار له آثار اخرى لا تقتصر فقط على تفويت مصالح المجتمع وغياب الأولويات القانونية وتعارض القوانين وتداخل السلطات، إنما الكثير غيرها، الأمر الذي يثير القلق.

أهمية الثقافة القانونية تنبع من كونها رافدًا تقوي شخصية الفرد داخل المجتمع، وتجعل منه ذات قدرة على مواجهة الحياة بنضوج أكبر‏، بالإضافة الى ذلك، فإن العلم بالقانون مفترض ولا عذر لأحد ولا حجة له بجهله للقانون، حيث تعتبر هذه القاعدة قرينة قانونية قاطعة لا تقبل إثبات عكسها، معنى ذلك، أن علم الناس بأي قانون يُصدر أو يعدّل مفترض قانونيًا بعد نشره في الجريدة الرسمية، ولا يُقبل العذر بعدم الإطلاع على القانون أو بعدم معرفة نصوصه وأحكامه. فهل نعلم حقًا ما تحويه القوانين من نصوص وأحكام التي تنظّم حياتنا ومعاملاتنا؟

من أجل أن نحصَن مجتمعنا من الجريمة، والخروقات المدنية ونضمن له حقوقه ومستحقاته، يجب العمل على تثقيف المواطن ثقافة قانونية من خلال البرامج الإعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية، وقد لاحظنا تأثير الصفحات القانونية في رفع مستوى الوعي القانوني لدى المواطن، وخاصة تلك التي تنشر وتبث باللغة العربية، ومن خلال البرامج المختلفة في المدارس والجمعيات المختلفة، كما أنه يتحتم على كل فرد أن يسعى جاهدًا لتعليم نفسه ومتابعة الأمر، وعندها سنصل بأيسر السبل إلى هدفنا المتمثل بنشر الوعي القانوني لدى عامة المجتمع.

يافة الناصرة

  المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 


مقالات متعلقة