للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
د. ابرهيم خطيب:
لا شك أن هناك نوع من العاطفة في تعاطينا مع الكنيست، فطبيعة الناس تُحب التأثير "والايجابية" فيما يُرى منبر الكنيست والوجود في هرم العمل السياسي نوعاً من محاكاة مشاعر الناس
ما جاء هذا المقال ليناقش الوجود في الكنيست في سياقها التكتيكي، والذي يمكن أن تختلف الاحزاب حوله، وإنما جاء ليناقش البعد الاستراتيجي لعلاقة وجودنا، تأثيرنا وبرنامجنا الوطني والكنيست.
بات يشعر الفرد منا تغوّل المعاداة الرسمية والشعبية الاسرائيلية ويظهر بجلاء كيف تتعامل معنا الدولة كأعداء، ولكن وبنفس الوقت نتوقع منها الحلول وتحمل المسؤولية ..! والعمل البرلماني يؤصّل لفكرة إمكانية تحصيل الحق والتغيير مع أن الواقع خلاف ذلك.. وبالتالي يؤصّل لوهم، على الاقل فيما يلامس تطلعاتنا، وبنفس الوقت يقلل العمل البرلماني من سقف عملنا ويصبح ملهاة وتضييع مجهود للحصول على اللاشيء او الفتات. كما أنه بات يجعلنا جزءاً من اللعبة الاسرائيلية التي ترى بالكنيست سقف العمل السياسي، وهذا صحيح في سياق الدولة الوطنية وعلاقة شعبها بها، ولكن ليس في سياقنا كشعب أصلاني في صراع مع الآخر ووجوده وتطلعاته تشكل خطر عليه.. وبالمناسبة غالبية الاحزاب السياسية العربية تمحور عملها السياسي حول العمل البرلماني بل وحتى قياداتها السياسية باتت تُرى من خلال منظار وجودها في الكنيست بقصد أو بدونه.. وكان يمكن أن يكون النقاش حول وجودنا في الكنيست أكثر جدية أو بأقل تقدير فيه قدر من الوجاهة، ولا أقول بصدق ادعائه، لو كان العمل البرلماني كما يدّعي البعض جزءاً يسيراً من العمل السياسي.
الكنيست بين العاطفة، الخدمات والتأثير السياسي؟
لا شك أن هناك نوع من العاطفة في تعاطينا مع الكنيست، فطبيعة الناس تُحب التأثير "والايجابية" فيما يُرى منبر الكنيست والوجود في هرم العمل السياسي نوعاً من محاكاة مشاعر الناس، والمواجهة التي تتم على منبر الكنيست وفق كلمات منسّقة يلقيها بعض أعضاء الكنيست العرب تصبح وكأنها إحدى انتصارات صلاح الدين وهذا له ما يمكن أن يفسّره بعلم النفس السياسي بحالة الوهن السياسي والشوق لانتصار سياسي وإن كان في هذه الحالة ليس إلّأ خطاباً عاطفياً تهتز له المشاعر وتطرب له الأذان ولكن رصيده على الارض يلامس الصفر.
كما أن الأمر الاشكالي الذي يؤسس له العمل الحزبي البرلماني في حالتنا بقصد أو بدونه، هو التمحور حول تحصيل التسهيلات الحياتية (الفتات قياساً بواقعنا في الداخل.. وبالمناسبة ما كان ليكون هذا الفتات لو: ١.لم تُرد المؤسسات الحكومية أن يكون ٢. يعمل عليها أحد ٣. وجود شبكة علاقات قوية عند البعض) . هذا التمحور حول التسهيلات الحياتية يتجاوز الحاجة الملحة لنا كمجتمع وجزء من شعب، وهي وجود رؤية كبيرة تحدد دورنا واستراتيجيتنا في الصراع كأبناء شعب يسعون لتحقيق حقهم وحل لقضيتهم وهم جزء من صراع مع كيان قضم وطنهم وأرضهم، وجعلهم مواطنين درجة ثالثة يسعون لتحصيل ما يمكنهم من تسهيلات ليعيشوا تحت كنف هذه الدولة بدون رؤية وعمل لحل أصل المشكلة وليس انعكاساتها (من حياة فيها تمييز) ويحصر الانجاز بقوانين جداً محدودة تُسهل على البعض ولكنها لا تلامس الأصل.. بل وبتقديري لا تناسب حجم تبعات وجودنا في الكنيست.
هذا الخطاب اشكالي لأني أُدرك أن واقع الناس صعب وبحاجة لكل تسهيل لمعيشتهم وكل شيء خدمي يساندهم، ولكن خطورته تنبع في جعل تفكير الناس ينحصر في هذا المضمار وربطهم بالشأن المعيشي اليومي.. وهنا يأتي دور الاحزاب التي لم تنجح في صياغة برنامج ورؤية وطنية والعمل عليها (ولا هي نجحت في الخدمات كما يجب).
الكل يُدرك أن الاجماع الصهيوني موجود في قضايا مصيرية ومهمة، وأبداً لا يمكن أن تكون المصلحة العربية الخالصة متقاطعة مع المصلحة الصهيونية وبالتالي واهم من يرى أن التأثير في القرار السياسي في اسرائيل يكون من خلال وجودنا كعرب في الكنيست ومن خلال لعبة المقاعد، فمصلحة وشكل ويهودية الدولة أمر لا يختلف عليه أحد ولا يمكننا تغييره وفق هذه الادوات وقواعد اللعبة الموضوعة من خلال الكنيست بل يمكن كما ذكرت تحصيل بعض الأمور الهامشية التي تعطي وهماً للمريض أنه في طريق النجاة ولكنها ليست الّا حقنات مسكنّة.
فيما فشلت الاحزاب؟
لم تنجح المنظومة الحزبية في الداخل، في خلق جيل متقدم فكرياً وسياسياً ليطرح شيء جديد أو يحدّث ما مر عليه عشرات السنوات ولم تنجح بخلق برنامج سياسي ووطني تلف الجماهير حوله.. فيما لجأ معظمها للعمل على حصد أصوات وزيادة حضورها الانتخابي ليصبح الهدف، بأي طريقة كانت.. فصرنا بمعركة مقاعد.. او تمثيل وليس فرض او حمل رؤية لشعب او جزء منه والعمل عليه.. وبالمناسبة هذا جاء بتأثير متبادل مع ما يراه الناس وبالتالي تخفيض سقف التطلعات مع أن وظيفة الاحزاب والحركات رفع التطلعات الشعبية وتوجيهها وقيادتها..
المطلوب؟
سؤال المطلوب بات ملحاً في واقعنا وأرى أن الحاجة ماسة لإعادة تنظيم الذات وتقييم المسيرة السياسية ووضع رؤية استراتيجية من دون تمترس بالرؤية الحزبية الذاتية لكل حزب والدفاع عنها، كما أن هناك حاجة لإعادة الاعتبار للعمل الشعبي، بناء المؤسسات الوطنية، انتقال الناس والقدرات الفاعلة من صف المتفرجين إلى صفوف المبادرين لتغيير هذا الواقع ويكون ذلك من خلال العمل على لملمة التشظي السياسي الفلسطيني أو استبداله وخصوصاً أن المزاج العام مستاء من هكذا واقع.
باحث في العلوم السياسية في مرحلة البوست دكتوراة، جامعة أكسفورد.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com