الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 05:02

إن لم تكن.. فأنت../ بقلم: بروفيسور محمد حجيرات

بروفيسور محمد حجيرات
نُشر: 15/02/19 12:21,  حُتلن: 13:51

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

يحكى ان ابا سفيان، الصحابي الجليل (رضي الله عنه) وقبل ان يعتنق الدين الجديد الذي جاء به محمّد (ص)، كان في قافلة تجارية ومعه اعيان من قبيلة قريش في عاصمة بلاد الروم. خلال مكوثهم في الخان المجاور لقصر ملك الروم استدعي اعيان قريش ليحضروا بين يدي القيصر. سألهم قيصر الروم عن زعيم وفدهم فأشار الجميع الى ابي سفيان. نظر القيصر مطولا الى ابي سفيان وعلامات التوتر جلية على وجهه وسأله بصوت ناعم فيه غضب شديد: " أخرج فيكم رجلاً يدعي النبوة". اجابه ابو سفيان بصوت جهوري مجبول بأنفة عربيّة: " نعم يا قيصر الزمان". قال له القيصر وهو يراقب من نافذة قصره سرب حمام يتمايل فوق بيوت عاصمته المزدهرة: " صفه لي ايّها العربيّ". بدا ابو سفيان مزهواً بنفسه وبدأ بوصف محمّد النبيّ العربيّ.
اقترب منه أحد اعيان قريش وقال له: " يا ابا سفيان لقد وصفت محمداً بأحسن الاوصاف".
فأجابه ابو سفيان وعلامات الامتعاض ظاهرة على وجهه: " ويحك يا هذا، ورب الكعبة لم اصفه الا بما هو اهله....."
في طريق عودتهم اقترب منه الشخص الذي عاتبه قائلاً: " يا ابا سفيان.. ما دمت تؤمن ان محمّداً صادقاً واميناً وشخص يوثق به فلماذا لا تتبعه..."
فقال له صارخاً:"ثكلتك امك يا هذا.. اما هذه فلا.. ايخرج من بني عبد الدار نبياً ولا يخرج من بني عبد مناف نبياً.... ان لم تكن من بني عبد مناف فانت كاذب ولو كنت صادقاً..."
في المجتمع العربي تطفو على السطح امور عدة يعجز علماء الرياضيات عن حل عقدتها وعلماء النفس عن تحليلها وهي ظاهرة التناقضات... "ان لم تكن... فأنت..."
في انتخابات السلطات المحليّة وقبل سنوات مواطن يهودي من مدينة الخضيرة الساحليّة يقرر ان ينقل مقر سكنه الى مدينة طبريا ليرشح نفسه لرئاسة بلديتها، وفعلاً هذا ما كان فانتخبه اهل مدينة طبريا واصبح رئيساً للمجلس البلديّ.
في الولايات المتحدة الامريكيّة، مواطن من الاقليّة الافريقيّة السوداء يقول "نعم انا استطيع..." فتجيبه الجماهير: " لك ذلك.." ويصبح رئيساً للولايات المتحدة الامريكيّة لدورتين كاملتين، وكأن هذه المجتمعات تتبع ظاهرة " إذا كنت مناسباً... فانت المختار".
في قرية عربيّة وادعة في شمال البلاد يجتمع ابناء عائلة "عمران" لانتخاب مرشحهم لرئاسة السلطة المحليّة، فتتعالى اصوات النفاق والرياء للشخص القويّ في العائلة ويتفق الجميع: " انت المختار... لأنك ابن المختار". عندها وقف شخص تظهر علامات الوقار والهدوء والسكينة على ملامحه وقال بصوت ناعم مفعم بالثقة:" "علي عطيّة" هو الشخص المناسب لتولي منصب رئيس البلدية فهو شخص صادق وامين ووفيّ واداري ممتاز فهو يعيش بيننا منذ سنوات وقد أدار عدة مؤسسات واثبت نجاحه، لماذا لا نرشحه ليكون هو الرئيس". الهدوء والسكينة عمّ المكان حتى أصبح ملموساّ تستطيع قطعه بسكين حادّة. عندها وقف منتصباً محامي العائلة والشرر يتطاير من عينيه الجاحظتين وقال وابتسامة صفراء تعلو وجهه الثعلبي: " ان لم تكن من اهل البلدة فأنت غريب، وغريب لن يحكم بلدتنا".
فقط في المجتمع العربيّ تجد تناقضات ما زالت حيّة وهي قادمة من عصور الظلمة. ان لم تكن مسيحياً فانت لا تستطيع ان تكون مديراً لهذه المدرسة، وان لم تكن مسلماً فانت لا تستطيع ان تدير تلك المدرسة، وان لم تكن درزياً فانت لا تستطيع ان تمثل هذه المجموعة. اما إذا كنت امرأة فانت لا تستطيعين ان ترشحي نفسك لرئاسة المجلس البلدي.
ما يحدث حالياً في المجتمع العربيّ هو فوضى مرتبّة في اختيار القيادات لتمثل الجماهير العربيّة في البرلمان. مرّة اخرى تطفو على السطح ظاهرة التناقضات الغريبة....
ان لم تكن في الجبهة ... فانت لست وطنياً...
ان لم تكن في الحركة الإسلاميّة ... فانت لست مؤمناً...
ان لم تكن في التجمع الوطني ... فانت لست قومياً...
ان لم تكن في العربيّة للتغيير .... فانت لست عربيًّا ...
وان لم تصوت لحزب عربيّ.... فانت خائن...

ظاهرة غريبة تهيمن على النقاش العام في المجتمع العربيّ، دائماً نبحث عن التناقضات ونهتم ان تطفو على السطح، وبعدها نبدأ بمهاجمتها وكأنها من صنع غيرنا.
المجتمعات الغربيّة تبحث عن التناقضات داخلها لتوظفها من اجل المصلحة العامَّة وبناء مجتمع متنوع. انظر ماذا يحدث في حزب الجنرال چانس تجمعت كل تناقضات المجتمع الاسرائيلي، يمين-يسار، عسكري-مدني، متطرف-معتدل، اقتصاد رأسمالي-اقتصاد شعبي، ... الخ.
اجتمع خصوم الماضي ليكونوا شركاء المستقبل ليرسموا معالم المرحلة القادمة للجماهير المتعطشة للتغيير في هذه البلاد.
نحن-المجتمعات العربية-نحارب بَعضُنَا ونحن اصدقاء.... وهم-المجتمعات الغربيّة- يساندون بعضهم وهم أعداء...
خلال محاصرة اليّمامة زمن الخليفة الصالح ابو بكر(رضي الله عنه) اجتمع زعماء بعض القبائل العربيّة لدعم "مسيلمة الكذّاب" ضد الدين الجديد وهم يدركون انه كذّاب. خلال الاجتماع توجه زعيم قبيلة الى زميله الذي عُرف عنه صدقه ورجاحة عقله وسأله:" لماذا تدعمه وانت تعرف انه كذّاب". قال له وابتسامته الصفراء تزيّن وجهه القبيح:" كذّاب اليمامة ولا صادق مكّة".
 

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.co

مقالات متعلقة