للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
سليم سلامة:
اجتماع الذي توافد إليه رؤساء وممثلو جميع الأحزاب في بلدية الناصرة، في تلبية ذليلة صاغرة لاستدعاءات رئيسها وضع الناس أمام حقيقتين صاعقتين:
الحقيقة الأولى ـ أن "سياساتنا" هنا قابلة، على أقل تقدير، للتأثر الإراديّ بما يمليه طرف خارجي وإن مجرد محاولة التكيف مع ما "يقترحه" هؤلاء لهو، في حد ذاته، دليل مزرٍ آخر على عدم الاستقلالية الضرورية في "سياساتنا
أيّاً تكن النتائج التي ستفضي إليها المفاوضات "المشتركية"، التي يمكنها الاستمرار حتى يوم غد الأربعاء حداً أقصى، يمكننا منذ الآن تسجيل الخلاصات/ الحقائق الموضوعية "الباردة" التالية، من دون أي افتئات على الحقيقة أو تجنٍّ على أي طرف، شخصاً كان أم حزباً:
1. أثبتت "القيادات" أنها ليست قيادات شعب/ جماهير، بمعناها الحقيقي. ليست قضايا الناس وهمومها، مشاكلها ومستقبلها، هي التي تحكم منطقها وتملي سلوكها وتحدد أداءها، بل مصالحها هي ـ الشخصية، الفردية، والحزبية ـ التي تشكل هاجسها ومُرادها، حتى وإن سببت الأذى للناس، تعارضت مع رغباتهم، مواقفهم وإرادتهم.
لا تستطيع هذه "القيادات" الادعاء بعد اليوم، وبعد كل هذه السلسلة المعيبة من الصراعات والمساومات، الادعاء بأنها تورطت وورطت جماهيرها، الحزبية والعامة، في المحظور (صرف كل هذا الوقت وكل هذه الطاقات وسط إلهاء الناس وإشعال حروب المناكفات والاتهامات، حتى التخوين) لأنها تريد خدمة مصالح الناس وحمايتها، وخصوصا في هذه الأيام وهذه الظروف التي يتخبط فيها مجتمعنا بأزماته التي لا تتوقف عن التفشي والتفاقم، ولو لحظة واحدة.
جميع الأحزاب السياسية الفاعلة في مجتمعنا (سواء الحقيقية منها، ذات التنظيمات والهيئات والمرجعيات، أو تلك التي تدور في فلك شخص واحد أو تلك التي هي عبارة عن شخص واحد) متجندة ومجندة، بقادتها وأعضائها وقواعدها الشعبية، غارقة "حتى شعر الرأس"، في هذه المعارك "التفاوضية" المستمرة منذ أسابيع، منذ الإعلان عن تبكير موعد الانتخابات، وسط تغييب أية برامج أو طروحات أو نقاشات سياسية جوهرية وبينما هي تترك الساحة مستباحة على وسعها أمام غزو أحزاب صهيونية مختلفة، يبدو ناعما وهادئا وغير ملموس، لكنه يجيد استغلال انشغال هذه الأحزاب وقياداتها بما هو "أهمّ" من حماية ناسها وتحصينهم.
2. الاجتماع الذي توافد إليه رؤساء وممثلو جميع الأحزاب في بلدية الناصرة، في تلبية ذليلة صاغرة لاستدعاءات رئيسها، بإيعاز وتوكيل مباشرين من رئيس "السلطة الفلسطينية" (بطلب/ رجاء مبني على "خطة"، من هنا!)، وضع الناس أمام حقيقتين صاعقتين: الحقيقة الأولى ـ أن "سياساتنا" هنا قابلة، على أقل تقدير، للتأثر الإراديّ بما يمليه طرف خارجي (حتى لو كان فلسطينيا، أو حتى "رئيس سلطة"، مع العلم أنه كانت قد سبقته من قبل تدخلات أخرى، عربية وأجنبية ـ "الجامعة العربية" والسفارة الروسية، مثلاً، وغيرهما!). وإن مجرد محاولة التكيف مع ما "يقترحه" هؤلاء لهو، في حد ذاته، دليل مزرٍ آخر على عدم الاستقلالية الضرورية في "سياساتنا" وعلى استعداد "قياداتنا" للعب دور يخدم أجندات لا تنطلق من واقعنا، رؤيتنا وحاجاتنا، بل قد لا تخدمها ولا تتناسب معها، في الحد الأدنى. والحقيقة الثانية ـ أن عملية خلط الأوراق وتغييب الفوارق، السياسية والاجتماعية (ناهيك عن الفكرية/ ألإيديولوجية، إن وجدت)، وصلت لدينا إلى مرحلة قد لا يكون بالإمكان العودة منها وإصلاح ما سببته من أضرار فادحة على المدى البعيد. لم تعد ثمة أية مصداقية، بعد الآن، لأي حديث عن فوارق كهذه، كما لم يعد من الممكن تصديق اتهامات مستقبلية يُرمى بها هذا الطرف أو ذاك، ناهيك عن عدم المصداقية في عدم الاعتذار عما سيق من اتهامات بحق شخص علي سلّام نفسه قبل الهرولة إلى مكتبه والجلوس في حضرته وهو يلبس عباءة "القائد المصلح/ المنقذ"!
3. سيكون الشك والتشكيك، على الأقل، عنوان التعامل العام مع أية قوائم مرشحين تُطرح أمام الناس لانتخابات الكنيست القريبة، سواء نجح "الفرقاء" في ترويض ادعاءاتهم بالأحقية وفي التجسير على "الهوة العقائدية" الفاصلة بينهم، ليعيدوا ترتيب محاصصتهم الكراسوية في "مشتركة" جديدة، أو أخفقوا في الانصياع لما ادّعوه وتبجحوا به من "إرادة الشعب" (هل كانت هذه نزوة عابرة في 2015؟؟) فتبعثروا قائمتين أو ثلاثاً. ماذا عساهم يقولون للناس الآن وقد أصبح الضرر الناجم عن سلوكهم وأدائهم ناجزاً؟ وأية حجة سيسوقون لإقناع الناس بأنهم "يريدون مصلحتهم وخدمتهم" ويمتثلون لإرادتهم، الحقيقية (بافتراض أن "المشتركة" كانت، فعلا وحقا، "إرادة شعب"، ونحن نعلم أنها لم تكن كذلك تماما)؟ كيف سيبررون للناس تضييع كل هذا الوقت وكل هذه الجهود في سبيل إنجاز ما كان من المفترض أن يكون "طبيعيا وسهلا" وغير ذي حاجة إلى كل هذه المعارك، في سياق فهمنا لما تعنيه القيادة وتمثيل الناس، لا التمثيل عليها.
هذه ملاحظات قصيرة وأولية برسم ما شهدناه خلال الأسابيع الأخيرة عموما، والأيام الأخيرة خصوصا، دون أن نتطرق الآن إلى الحجج التي استخدمها، يستخدمها وسيستخدمها، "المتفاوضون" أنفسهم والجالسون خلف ستائرهم وفي دهاليز كواليسهم، في الانتخابات الأخيرة وفي الانتخابات الحالية، وفي مقدمتها "ضرورة الوحدة" (وللتذكير: ليست الوحدة هدفا مجرداً يُسعى إليه بدون مضامين، شروط وضوابط!) من أجل "إسقاط / صدّ/ دحر اليمين" و/ أو "قطع الطريق على المتعاونين والمخاتير" ـ حجتان لا تصمدان في أي نقاش جدي لا يناور على السطح، بل يتعمق ولو قليلاً في واقع الخارطة السياسية ـ الحزبية الإسرائيلية، في اتجاهات الريح السياسية التي تعصف بالمجتمع الإسرائيلي وفي قدرة أعضاء الكنيست العرب (حتى لو بلغوا أقصى عدد ممكن لهم، نظريا) على حرف سفينة السياسة الإسرائيلية التي يفضل قباطنتها، من اليمين والوسط و"اليسار"، باستمرار، حكومة "وحدة قومية" على أي خيار آخر يكون فيه موطئ قدم أو احتمال تأثير فاعل للأعضاء العرب. أما من يتغنى بتجربة "الكتلة المانعة" في أوائل التسعينات ويطرحها الآن "طُعماً"،، فمن الحري به أن يعيد أولاً استجماع ما يلزم من الاستقامة لإعادة قراءة الواقع السياسي الإسرائيلي، الإقليمي والدولي، الذي اضطر رابين وبيرس (بتدخل من موشي شاحل) إلى القبول باعتماد "الجسم المانع" آنذاك. وهي تجربة لا شيء، على الإطلاق، من ظروف حصولها يشبه الظروف الراهنة!