الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 23:01

لا تكرهوا أمرًا ... علّه خيرٌ لكم/ بقلم: سميح غنادري

سميح غنادري
نُشر: 16/03/19 12:43,  حُتلن: 14:51

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

حديث الانتخابات
كان من الأفضل أن لا تنشق "القائمة المشتركة" عشية هذه الإنتخابات البرلمانية، أقول هذا رغم أني كنتُ قد كتبتُ عشية تأسيسها في الإنتخابات السابقة عام 2015، أنه من الأفضل خوض الإنتخابات في قائمتيْن كل مع الأقرب إليه سياسيًا وفكريًا وموقفًا إجتماعيًا من بين أحزابها وحركاتها الأربع: "الجبهة" و"الإسلامية" –(الجنوبية)- و"التجمّع" و"العربية للتغيير".

صحيح أن ما يجمعنا كأقلية قومية فلسطينية باقية في وطنها، على اختلاف تياراتنا الفكرية، الشيوعية الجبهوية والإسلامية والقومية، في مقارعة السياسة الصهيونية بحقنا هو أكبر بكثير وأهم من اختلافاتنا الفكرية. لكننا كشعب تغيّرنا كمًا وكيفًا وتعدّدت وتنوّعت واختلفت مشاربنا. ومن واجب قياداتنا السياسية الحزبية، ومن حقنا عليها، أن لا تطمس تنوّعنا الفكري والإجتماعي وتمايزنا في بعض المواقف السياسية، بحجة أن القضية هي مواجهة السلطة العنصرية الحاكمة. بإمكاننا أن نتوحّد كقائمتيْن في مواجهة السلطة العنصرية الإقتلاعية الحاكمة، وأن لا نسمح في الوقت نفسه للتبايُن الفكري والإجتماعي فيما بيننا أن يشرذمنا في مواجهتنا للسياسة السلطوية.

قد يستغرب بعض القراء أن موقفي إزاء الإنتخابات الحالية كان هو الحفاظ على القائمة المشتركة وليس خوضها في قائمتين. لأن "المشتركة" تشكّلت، ونشطت في البرلمان على مدى أربع سنوات سابقة. وحققت إنجازات وفرضت على عدة جهات سياسية وإجتماعية داخل إسرائيل النظر إلينا والتعامل معنا كشعب موحّد في مطالبه. وهكذا تعامل معنا العالم أيضًا ومؤسساته الدولية. وأمسى صوتنا حاضرًا دائمًا في مؤتمراته وعنوانًا لكل ما يخص حياة ومعاناة مليون ومائتي ألف باقين في وطنهم. أضف إلى هذا أن المشتركة قلّصت إلى حد بعيد حروب داحس والغبراء بين أحزابنا التي كادت تثير إستياء قواعدنا الجماهيرية التي طالبت دومًا بالوحدة وبالحد من الخلافات والصراعات والعداوات الحزبوية.

فنانون في إضاعة الفُرَص
لاحظوا الذي حصل منذ إتخاذ القرار قبل شهرين بتقديم موعد الإنتخابات. كان من المفروض والمأمول أن ننشغل في الشهريْن الماضييْن بمناقشة تجربة عمل "القائمة المشتركة" وإعادة هيكلتها. وبدراسة إيجابياتها وإنجازاتها وماذا كانت أسبابها وكيف يمكن تطويرها، وأيضًا بنقد سلبياتها ونواقصها ووضع الخطط لتلافيها. وأن نثير مسألة نجاحاتنا وإخفاقاتنا في إتقان التعامل مع شتى الكتل في البرلمان وفي خطابنا للجمهور الإسرائيلي اليهودي وظهورنا الإعلامي. وكان علينا لتلخيص تجربة "المشتركة"، بمناسبة الإنتخابات القادمة، أن نتباحث إذا ما كانت قد عملت كتلتنا البرلمانية الواحدة والمشتركة ما هو كافٍ لغرس وتجذير مفاهيم وقيَم التعاون والمشاركة والوحدة في قرانا ومدننا، ونبذ العصبية الفئوية القبلية والطائفية الدينية ومواجهة مظاهر العنف المستشرية في بلداتنا.

وكان علينا أن نتناقش ونتداول مع المشتركة مسألة مدى تنسيقها وتعاونها مع كافة تنظيمات ومؤسسات وجمعيات المجتمع المدني، ومع الشرائح الأكاديمية والمختصة والتعليمية والطلابية والإقتصادية والخدماتية والثقافية، والإستفادة من ذوي الإختصاصات في شتى المجالات. هذا عدا عن بحث موضوع وجوب إعادة إحياء وتفعيل الحراك الشعبي الكفاحي وعدم الإكتفاء بالعمل البرلماني. فكل منهما يجب أن يكون سنداً للآخر لا بديلًا.
كذلك كان علينا أن ننشغل في الشهرين الماضييْن في مناقشة هل حقاً قام نوابنا وقمنا نحن عموماً بكل ما كان يتطلب لصد مخاطر تفاقم العنصرية الحكومية التي أخذت تلامس الأبارتهايد والفاشية في إنفلاتها بحق المواطنين العرب وبهجومها على سلطة القضاء والقانون وعلى الديمقراطية ووسائل الإعلام وكل ما يُسمّى باليسار اليهودي في إسرائيل.

لكن بدلاً من الإنشغال في كل ما ورد أعلاه وبما يشبهه أيضاً، وبإشراك الجمهور الواسع في عموم بلداتنا في هذا النقاش بحضور نوّابنا البرلمانيين، إنشغلت "المشتركة"، الأصح بعض مركباتها، وأشغلتنا بقضايا المحاصصة في التمثيل، ولمن تكون الرئاسة، وبنشر الإفتراءات والأكاذيب والإهانات، وبتجنيد أبواق وأقلام إعلامية – (عدا عن تلك التي جنّدتها الدولة العميقة) – قذفتنا بأقذر أوساخ "الفيك نيوز" التي يجيدها سيّد "الفيك" ترامب وتابعه النتن ياهو.

نحن فنانون حقًا في عدم تفويت أيّة فرصة لإضاعة الفرصة. لا أقول إن عموم أحزاب وحركات "المشتركة" أشاعت هذه الأجواء الفاسدة والمُفسدة. لكن هذا ما أشاعه بعضها. وهذا ما رقصت على أنغامه شبكات التواصل الإجتماعي الإعلامي التي أشغلت وضلّلت حتى العقلاء بيننا. أوَ تتساءلون بعد كل هذا: لماذا ما زالت الحملة الإنتخابية فاترة ومفتقدة للحراك الحماسي للناس، رغم أن هذه الإنتخابات هي من أهم وأخطر الإنتخابات المفصلية التي تشهدها البلاد، ولم يتبق لموعدها في التاسع من نيسان إلا ثلاثة أسابيع؟

عندما يقع الجمل تكثر سكاكينه. لكن "المشتركة" ليست جَمَلًا. وشعبنا لم يذبح المشتركة، بل كان المطالب والضاغط الأكبر لوجوب تشكيلها عام 2015. الذي شقّ "المشتركة" هي أوساط من مكوّناتها/مركباتها الأربعة. لقد آثر البعض الإرتداد إلى "ثقافة" حزبية القبائل وقبلية الأحزاب وإلى تغليب الذاتوية الضيّقة على المصلحة الجماعية الجامعة. أصلاً بعض هذا البعض لم يتخل عن تلك الثقافة المدمّرة حتى عندما كان ضمن المشتركة.
لكن ما يثير الإستغرابات والتساؤلات هي كتابات وتغريدات –(الأصح نعيقات)- أولئك الكتبة الذين لم يؤيدوا "المشتركة" في الماضي ولم يقترعوا لها ودعوا إلى هدمها. ثم فجأة أخذوا يدعون إلى إنشقاقها. وحين انشقت إلى شقّين أعلنوا أنهم لن يصوّتوا لها لأنها انشقت. فبإسم مَنْ تغردون يا هؤلاء، وعلى أنغام مَن ولصالح مَن تتراقصون؟ عن هكذا تصرّف قالت حكمتنا الشعبية "إحترنا يا قرعة من وين نبوسك".

مبادرة مسؤولة وإجابة مسموحة
كنتُ أفضل أن لا تنشق "المشتركة" وأن تعمل على تطوير ذاتها وأدائها. لكن ما دامت قد انشقت إلى قائمتين، أقول لا بأس في ذلك. ولا أقول هذا فقط من باب لا تكرهوا أمرًا علّه خيرٌ لكم. وكان لينين قد قال في جدليته الرائعة: "دعونا نحدد نقاط الإختلاف حتى... نتفق!".
آمل، ولا أقول أثق، أن لا يعيدنا الإنشقاق إلى الصراعات القبلية الحزبوية الضيقة. وكانت قائمة "الجبهة" قد أرسلت رسالة، بعد تقديم القوائم الإنتخابية، إلى قائمة "الإسلامية والتجمع" داعية إياها إلى التعاون المشترك مع قائمة "الجبهة والعربية للتغيير" لإسقاط حكومة اليمين المتطرف وللدفاع عن حقوقنا، ولتوقيع إتفاق فائض أصوات بينهما. أجاب د. مطانس شحادة سكرتير عام التجمع، حتى الأمس، وعضو كنيست قريباً إذا ما عبرت قائمته نسبة الحسم، بما يلي: "موضوع الأصوات موضوع تقني... شعبنا بحاجة إلى قيادة جديدة تضع مصلحة الجمهور في المركز بعيداً عن الشخصنة والظهور الإعلامي والمنصات والشعارات. لا بد من تراجعكم واعتذاركم قبل فتح صفحة جديدة بين الأحزاب"...
أُقسم بالله العليّ العظيم وبكل القيَم الإنسانية، أني استشهدتُ بجواب شحادة حرفيًا. وأضيف أنه في تاريخ إهتماماتي ومطالعاتي السياسية، على مدى خمسين عامًا مضى، لم أقرأ لا محليًا ولا دوليًا ردّاً على دعوة راقية تفيض بروح المسؤولية الوطنية وتنشد التعاون والعمل المشترك بمثل هذه (......). أتوقف عن الرد وأصمت عن الكلام. فبماذا تردّ وتناقش هكذا سقط أخلاقي وهكذا إسفاف في فحوى الكلام، مع احتفاظك بكرامة شعبك والقراء وذاتك؟ أقول فقط: إعتذر يا شحادة!

دعونا نختلف حتى نتفق...
أما بخصوص دعوة قائمة "الجبهة والعربية للتغيير" للتعاون والعمل المشترك مع "الإسلامية – التجمع" فهي دعوة مباركة. لكن أحذر من أن يفهم البعض، خطئاً، أن تطبيقها ميدانيًا يعني عدم الإبراز والتركيز على الخصوصية السياسية والإجتماعية، كل لقائمته. الألوان يا سادة يا كرام متعددة وليست فقط إما أسود أو أبيض. وتوجد عدة أطياف حتى للون الواحد. وإحدى أهم وأفضل إيجابيات إنشقاق المشتركة، رغم كل سلبيات الإنشقاق، هي إبراز كل شق لشعبنا عموماً وللناخبين منهم خصوصاً التميّز في المواقف السياسية والإجتماعية والعقائدية التي تخصه. ولتفعل القائمتان هذا بدون تأتأة وتعتيم، بل بصراحة ووضوح وبحدة إبراز الفروقات في البرامج والتوجه.

العمل السياسي ليس دعوة دينية في دور العبادة أن أحبوا بعضكم بعضا. بل دعوة لنصرة برنامج ونهج عمل وفحوى خطاب للذات القومية وللآخر من إثنيات أخرى. كفانا طبطبة وغمغمة ومسايرة ونفاق على حساب الجوهر. وما من عيب أو إساءة في التنافس بين الأشقاء في الهم والهدف، إذا ما كان التنافس حضارياً وعقلانياً ومتميزاً بالمسؤولية الوطنية الجامعة.
إحترموا عقولنا يا قادة وقولوا لنا، ما دمنا قد اتفقنا على عدم التصويت للأحزاب الصهيونية، لماذا يا "جبهة وعربية للتغيير" ويا "إسلامية وتجمع" يعتقد كل منكما أن من الأفضل أن نقترع له؟ وللذي يفهم كلامي هذا وكأنّه دعوة لمحاربة القائمتين لبعضهما، أقول لا يضيرنا جميعاً قراءة المكتوب وفهم المقروء.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة