الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 23:02

على مائدة ساحل قطاع غزة/ بقلم: عيسى قراقع

عيسى قراقع
نُشر: 10/05/19 11:33,  حُتلن: 08:49

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

على مائدة ساحل قطاع غزة
ندعو دول العالم إلى إفطار رمضاني من جثث ودم

في الليلة الأولى لشهر رمضان الفضيل من العالم 2019 سقط 27 شهيدا وأصيب أكثر من 170 جريحا فلسطينيا في قطاع غزة من السكان المدنيين نتيجة القصف الصاروخي الإسرائيلي على القطاع، لم تعد غزة مدينة بل ساحة مجزرة، هدمت منازلها وشوارعها وجوامعها وصلواتها ودعواتها، صوت الطائرات الحربية أعلى من صوت الآذان، كانت مائدة غزة شهية من دم وجثث وجماجم بشرية، وكان احتفالا إسرائيليا بهيجا بإصابة كل جسد غزة بقنابل الموت، في الرأس والرقبة والأطراف والعين والقلب والبحر والموج والنوم والذكريات.

نحن الشعب الفلسطيني، وبمناسبة شهر رمضان الذي يعتبر خير من ألف شهر، حيث تتنزل الصواريخ والآيات الملغومات المنسوفات والمتفجرات، وحيث نتوجه إلى الله العلي القدير بالعبادات والصلوات والابتهالات والصيام، ندعو كل دول العالم، المؤسسات الدولية، لجان ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، المحاكم الدولية، خبراء القانون الدولي وجهابذة الفكر والقضاء، مؤسسات الأمم المتحدة، أعضاء مجلس الأمن، الصليب الأحمر الدولي، والدعوة مفتوحة لجميع أصحاب الضمائر لتناول إفطار رمضاني على ساحل قطاع غزة، فالجو عندنا جميل ربيعي ومدهش، جثث كثيرة وطازجة تنعش العقل والوجدان، جثث على الأرض دافئة وجثث مجمدة في الثلاجات، دماء كثيرة حارة وساخنة، ومن كل الأنواع الشهية، أهلا وسهلا بكم على ارض غزة، على ارض فلسطين في أجوائنا الصافية والممتعة.

ندعو العالم الحر إلى الاجتماع عندنا في هذا الشهر المبارك لانجاز الخطوط الأخيرة من صفقة القرن الأمريكية، لا سيما ان كل القنابل والرصاص التي وصلتنا هي صناعة أمريكية، وهنا تستطيع الدول الحريصة على السلم والأمن في العالم ان توزع الأوسمة والنياشين على الأبطال في تل أبيب، على الطيارين ورجال المدفعية، على القناصة المهرة ورجال الغواصات والبحرية، ويستطيعوا ان يسهروا ويتمتعوا ويصلوا معنا صلاة المغرب ويبقوا ساهرين فوق جثثنا حتى ساعة السحور ومطلع الفجر.

على ساحل قطاع غزة لا يوجد أي خطر على هذا اللقاء الاممي الذي يحدث لأول مرة، فأسراب الطائرات الحربية تحرس من فوقنا السماء، الانفجارات والقنابل العنقودية والفراغية تضي لنا المكان، فوهات الدبابات تحرس الأرض من تحتنا وحولنا، فالأمن مستتب، الناس إما أمواتا أو في السجون أو في قاع البحر، لا منغصات، لا حجر ومسدس ، لا احد يتنفس، لا هواء، وعلى المائدة كل أنواع الطعام وما لذ وطاب من المأكولات، قتلى بكامل لحمهم وشحمهم وعظمهم وأحلامهم، قتلى بكامل حجومهم الصغيرة والكبيرة، ويستطيعوا ان يختاروا ما يشاءوا من أصناف وأسماء.

انه ليسعدنا نحن الفلسطينيين موافقتكم على عقد هذا المؤتمر الدولي على ساحل قطاع غزة،ٍ لأول مرة تأتي الدول الحرة إلينا، الدول الديمقراطية التي صكت كل قوانين الأخلاق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والنظم البرلمانية والقانونية، لحفظ السلم والحياة في زمن الحروب والنزاعات المسلحة، وشكلت الحارس الأمين للعدالة الكونية والإنسانية وأعطاء الشعوب الحق في تقرير مصيرها،فأهلا بهذه الدول في هذا الوقت المبهج المقدس على مائدة إفطار رمضانية فلسطينية على ساحل بحرنا المحروق في قطاع غزة.

إننا كفلسطينيين متفائلين جدا بعد هذه المعاناة الطويلة التي تكبدناها ان تجدوا حلولا لكل القضايا الشائكة والعالقة والمؤجلة، لم يعد الان شيئا مستعصيا، الكل قد مات، الموت في غزة مات، الموج في غزة مات، الأرض والبحر خواء، هياكل بشرية، نخيل بلا ورق، أغصان عظمية، أشكال للشكل، جدائل نساء، أصابع أولاد في ساحة مدرسة، قصائد مدفونة، مشاهد رائعة بإمكانكم التقاط الصور وإرسالها إلى أولادكم ونسائكم وسكرتيراتكم، صور وسط الدخان المتصاعد من اللحم البشري، صور فوق الماء المشتعل المذاب برائحة السمك المشوي، صور فوق الرمل الممزوج بالدم وقد صار ذو لون وردي ، استمتعوا وارقصوا واعصفوا بكل أفكاركم وغرائزكم، فقد حان الوقت لإتمام صفقة القرن الكبرى ووصول السلام العادل إلى كل من مات في شهر رمضان، ومن سيموت في ليلة القدر القادمة.

انها أجواء رومانسية أيها المؤتمرون على ساحل قطاع غزة، لا تخشوا شيئا بعد الان، فإذا تمرد عليكم متمرد مطالبا بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية، فما عليكم سوى بمزيد من الانفجارات والذبح والقتل، وإذا سمعتم أحدا يقف عقبة ضد سياسة الاستيطان والجدار والمعازل والمعاملة الإسرائيلية الوحشية، فما عليكم سوى بمزيد من الجرافات وإبادة الأرض والأشجار وحرث الينابيع الجوفية، وإذا ما طالب احدا بتطبيق القانون الدولي والشرعية الدولية فما عليكم سوى بمزيد من التحشيد والتحريض والاجتياحات العسكرية لوضع حد لهذا الإرهاب الدبلوماسي والقانوني، لا مقاومة سياسية، لا مقاومة مسلحة، لا مقاومة سلمية، لا مقاومة دبلوماسية، واذا ما سمعتكم من يطالب بمحاكمة إسرائيل امام المحكمة الجنائية الدولية، فما عليكم سوى بمزيد من الاعتقالات وبناء السجون والمعسكرات وتصعيد سياسة التعذيب وتفعيل كل الأساليب المذلة والقمعية، وإذا ما سمعتم من يطالب بحق العودة للاجئين، فما عليكم سوى بمزيد من التوابيت والنعوش ومحو المخيمات وتفكيك وكالة الغوث والمخيلة، وتكسير المفاتيح وأبواب الذاكرة، وإذا ما سمعتم من يطالب بدولة ذات سيادة في حدود الرابع من حزيران فما عليكم سوى بمسح الخط الأخضر وتنفيذ سياسة الضم وإطلاق يد عصابات المستوطنين والقراصنة.

ما أروع هذه الحرب في هذه الليلة الرمضانية وسط الالعاب النارية، هي فرصة لكم أيها المؤتمرون، الآن تستطيعون ان تنفذوا خبراتكم البرلمانية وأفكاركم عن القيم والمبادئ الإنسانية، تستطيعوا ان تمتحنوا ثقافتكم العالمية، ان تنقذوا الأطفال المعذبين والمشردين والفقراء، ان تنقذوا المسلوبين من الحياة والكرامة، ان تنقذوا الباحثين عن الحرية، ان تعيدوا للضحايا وجودهم وتنتصروا لآلامهم وأوجاعهم الوطنية، فادعموا إذا قانون القومية الإسرائيلي، زودوه بالذخيرة والعنصرية لإنهاء حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، فقد صرنا جثثا، والدولة اليهودية النقية المتفوقة عرقيا والمتضخمة عسكريا قد انتصرت على غزة الصغيرة، لن يستيقظ الشهداء فالقبور قد قصفت، لن يستيقظ الأطفال والأجيال فالمدارس والاجنات في أحشاء أمهاتهم قد أبيدوا وقتلوا، لا شهود على هذه الحرب، البنايات سويت بالأرض، البحر صامت، الأشباح صاروا ظلالا بعيدة.

اهلا بكم على ساحل قطاع غزة، افكار صاروخية، افكار ترامبية، الاموال القادمة ستعمر قطاع غزة بعد الخراب، الاموال تحيي الجماد وتعيد بناء الابراج والمساكن واقامة الجسور والمناطق الصناعية، الاموال القادمة جاهزة لا خوف منها فهي لن تحيي الرماد والاموات، ولن تعيد الارواح الى بيوتها واجسادها المدفونة، فخذوا راحتكم تماما، وافرشوا الورد واسترخوا طويلا، اكملوا الصفقة، ارتدوا قبعة الحاخام، لقد اكتمل الذبح واستوت غزة، الضفة مقطعة، أجزاؤها مبعثرة، التفاهمات السياسية والقرارات الدولية السابقة دفنت تحت الاسمنت وعجلات المجنزرة، أكملوا الصفقة، لم يعد احد يفكر بحل سياسي حول اقامة دولتين ولا دولة واحدة، السلام الان ممكن مع الميتين والغائبين والمنقسمين جثثا بين الدنيا والآخرة.

أهلا وسهلا بالأمم في ليلة رمضانية صاخبة على ساحل قطاع غزة، يحتفلون معنا بعيد القيامة، الأنوار الربانية والابتهالات والترنيمات، وقد صارت غزة معبدا ومذبحا وعبادة، لن يمر المسيح من طريق الآلام مرة أخرى، لن ينهض معين بسيسو من تحت الركام، جيفارا غزة مات، خليل الوزير مات، الشيخ احمد ياسين مات، غزة صارت رفات، الليل مشع بالقنابل وموسيقى الموت، ما هذا الجمال، ما أروع هذه المحرقة، كنعان قتلوه في غزة، الأولاد حرقوا وسط اللهيب أو علقوا على السياج، هي هستيريا دولة إسرائيل التي تكتب تاريخها وتسجل بطولاتها فوق جسد غزة، طوبى طوبى لدولة تقام فوق الأنقاض، طوبى طوبى لدولة قاتلة لا زالت تطالب بشرعية من القتيل، طوبى لكل الدول التي وصلت قطاع غزة وأبرمت الصفقة تحت صاروخ وفوق جثة متفحمة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 


مقالات متعلقة