الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 07:02

الوطن ما بين الجريمة وشيء اسمه المصلحة العامة

بقلم: حسين فاعور الساعدي

حسين فاعور الساعدي
نُشر: 20/05/19 18:25,  حُتلن: 08:03

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

حسين فاعور الساعدي في مقاله:

المجرمون والقتلة الذين قتلوا ويقتلون جمال وأمان مدننا وقرانا هم أبناؤنا الذين أسأنا تربيتهم ورعايتهم، حتى أوصلناهم إلى ما هم فيه، فلم نقف ونقل لهم: كفى! 

لن تكون لنا قرى ومدنا ووطنا جميلا إذا لم نوقف المارقين عند حدهم ونحاسبهم بالنبذ والمقاطعة وهو أضعف الإيمان حتى لو كانوا أبناءنا أو أقاربنا

كانت لنا مدن وقرى جميلة نعيش فيها بأمان واطمئنان نتشارك الأفراح والأتراح نحتضن الضعيف وننبذ الظالم. فماذا حدث وماذا أصابنا؟ كانت قرانا ومدننا شبه خالية من السيارات والعمارات الفخمة والشوارع المعبدة والمضاءة. واليوم في كل بيت أكثر من سيارة واحدة وشوارعنا جميعها معبدة ومضاءة، وعماراتنا كلها فخمة. إلا أننا فقدنا الأمن والأمان ولم يعد الواحد منا يضمن العودة إلى بيته إذا خرج منه. الخطر الذي نخشاه ولا يدري كل واحد منا متى يداهمه، لا يأتي من مصدر خارجي ولا من عدو مجهول. الخطر الذي يتهدد كل واحد منا، نحن مصدره وهو منا وفينا. فلماذا نتهم الآخرين؟ هل من يطلق النار ليقتل شخص ما أو ليخطئه ويقتل ضحية أخرى بريئة، هو مخلوق جاء من كوكب آخر أم هو واحد منا نعرفه ونعرف أنه يعيش بين ظهرانينا يأكل مما نأكل ويشرب مما نشرب؟
على من نداهن ونطمطم ونغمغم؟ أليس على أنفسنا؟ ومن يدفع الثمن؟ ألسنا نحن وكل يوم؟

المجرمون والقتلة الذين قتلوا ويقتلون جمال وأمان مدننا وقرانا هم أبناؤنا الذين أسأنا تربيتهم ورعايتهم، حتى أوصلناهم إلى ما هم فيه، فلم نقف ونقل لهم: كفى! وإنما أغمضنا عيوننا عنهم وفتشنا عن عدو وهمي وخارجي. المجرمون هم أبناؤنا الذين أسأنا تربيتهم فلماذا نتهم الآخرين بالتقصير وعدم التحرك لنجدتنا؟ لماذا نطالب الآخرين بالمساعدة ونحن لم نحاول مساعدة أنفسنا؟
من يحمل السلاح ويطلق النار إنسان سيء ولا يمكن التفاوض معه لوعظه وردعه، ولكنه لم يأت من السماء. إنه واحد من بيننا له أب وأم وأخوة وأخوات وأحياناً اولاد وزوجة ولا يمكن ان يكونوا جميعهم أشراراً. إلى هؤلاء يجب التوجه لتجنيدهم من أجل وقفه عند حده وردعه. هل فعلنا ذلك؟ أنا متأكد أننا لم نفعل شيئاً من هذا القبيل لأننا نخجل من المواجهة وفقدنا المقدرة على تسمية الأشياء بأسمائها. بل أكثر من ذلك نحن نعرف هؤلاء المجرمين والقتلة تمام المعرفة ونجاملهم بالمشاركة في أفراحهم وأتراحهم ونتعامل معهم بشكل عادي جداً جداً. نبادلهم الزيارات والأحاديث والابتسامات ربما خوفاً منهم وربما نفاقاً وربما تشجيعاً. صرنا نسمي الواحد من هؤلاء أسماء تغطي عوراتهم وتجمّل بشاعتهم. فالواحد من هؤلاء لم يعد مجرماً وإنما أصبح: "إيده طايلة" ويجب دعمه إذا رشح نفسه لأي منصب. والواحد من هؤلاء لم يعد قاتلاً وإنما أصبح: "قد حاله" أو "قدها وقدود" أو "بعرف يدبر حاله" وإلى ما هنالك من تعابير النفاق والمداهنة والمخادعة.
صرنا نتسابق في دعم من نعرف تمام المعرفة أنهم يسعون لنهب سلطاتنا المحلية ومؤسساتنا العامة. وصرنا نغطي على القتلة والمجرمين الذين يعيشون في بيوتنا وبيننا نجاملهم ونتقرب منهم. صرنا نرى الشر فنغض الطرف عنه في أحسن الأحوال إن لم نشجعه وندعمه طالما أنه بعيد عنا ولم يمسنا شخصياً.
أوكار الجريمة في قلب مدننا وقرانا وهي تنمو وتتطور لتتحول إلى أوكار منظمة برعايتنا وحمايتنا. نحن ننمي ونحمي الجريمة والمجرمين. هذه هي الحقيقة. وإن لم نعترف بذلك فلا مجال للتغيير.
خلال سنوات طويلة من العمل في سلطاتنا المحلية كنت شاهداً على الكثير من الحالات عندما توجهنا في القسم الذي كنت أديره إلى الشرطة للقبض على مجرم قام بالاعتداء علينا فإذا برئيس السلطة المحلية يتدخل وبكل إصرار لإطلاق سراحه. وكم من أب عرف أن ابنه اعتدى على طالب آخر أو حتى على معلم من معلميه فوقف إلى جانبه بل وأخذه إلى مركز الشرطة لتقديم شكوى على المعلم أو على الطالب، وهو يعرف تمام المعرفة أن ابنه هو المعتدي. هذا الابن لن يكون في المستقبل إلا مجرماً وبلطجياً.
"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" صدق الله العظيم. إن حالنا لن يتغير ما دمنا ننتظر الآخرين حتى يهبوا لمساعدتنا. وما دمنا نداهن ونغطي على أبنائنا المجرمين الذين يجرون مجتمعنا إلى الهاوية.
على أبناء كل قرية ومدينة من قرانا ومدننا الجميلة التي تحولت إلى أوكار للجريمة وللسلاح غير المرخص النهوض وتقسيم هذه القرى والمدن إلى حارات أو أحياء. وإقامة لجنة شعبية من أبناء الحي أو الحارة. هذه اللجنة الشعبية المحلية تقوم بمراقبة الحارة وجمع المعلومات عن الحارة وإعداد تقرير دوري مفصل عن وضعها ووضع الجريمة فيها. هذا التقرير يقدم إلى السلطة المحلية وإلى جميع الجهات المختصة لأخذ دورها. هدف هذه اللجان هو الوصول إلى أحياء أو حارات نظيفة من السلاح ومن المجرمين ومن المعتدين على المصلحة العامة. يجب ان نعيد لقرانا ومدننا جمالها وأمانها وإن لم يشارك كل واحد منا في ذلك فإننا جميعاً نسير إلى المصير المجهول.

أن ترك المجرم سواء كان فرداً أو قائداً أو رئيساً، ليفعل ما يشاء لن يجلب علينا إلا المزيد من الخوف والرعب والدمار الشامل. فلنبادر إلى المحاسبة. المطلوب أن ينسى كل واحد منا مصالحه الشخصية الضيقة وأن يلتفت إلى شيء اسمه المصلحة العامة. بدون هذه المصلحة العامة لا يمكن بناء شيء أسمه حياة سليمة ولا يمكن بناء قرية او مدينة أو وطن. المصلحة العامة هي الضمان الوحيد لعدم انهيار القرية والمدينة والوطن. وهي السر الوحيد الذي يعيد الجمال والجاذبية للحيز الذي نعيش فيه. المصلحة العامة تقضي على الأوساخ والقاذورات، تمنع الفوضى، تجتث العنف والجريمة، تمنع النهب والسلب وتقول لكل واحد منا: "ما ليس لك ليس لك" . فالشارع ليس موقفاً خاصاً لسياراتنا, من هنا يجب أن نبدأ. فمن يملك سيارة يجب عليه أن يجد لها موقفاً في أرضه الخاصة أو في بيته وليس في الشارع العام. الشارع والحديقة ليسا ملكاً لنا، لنرمي نفاياتنا وقاذوراتنا فيهما. بدون ان نبدأ بهذه الأمور التي نعدها بسيطة وعادية، وهي ليست كذلك، لن تكون لنا قرى ومدن وأوطان مقبولة وجميلة يمكن العيش فيها.

في قرانا ومدننا تعيش عائلات تربطها أواصر القربى والعادات والتقاليد والدين واللغة ونسمع يومياً عن عملية قتل هنا وعملية سطو هناك، بينما لا نسمع عن ذلك في المدن والقرى التي يسكنها ناس جاءوا من مجتمعات ولغات مختلفة ولا تربطهم أي علاقات. في سخنين وأم الفحم والناصرة نوقف سياراتنا كيفما نشاء وفي كل مكان بينما لا نفعل ذلك في كرمئيل والناصرة العليا لأننا نعرف أننا سنعاقب ولن نجد سياراتنا لأنه سيأتي من يجرها ويحتجزها لأننا اعتدينا على الحيز العام.

لن أنسى تلك القصة التي رواها لي صديق من مدينة جنين مفتخراً بشقيقه الذي يعمل في أمن الرئاسة الفلسطيني وكيف أوقف شقيقه سيارة الجيب الحكومية التي كان يقودها في مكان ممنوع الوقوف فيه فجاء واحد من شرطة المرور وحرر له مخالفة. في اليوم التالي تلقى هذا الشرطي الذي حرر المخالفة مرسوماً رئاسياً يأمره بالانتقال للعمل في مدينة الخليل فلم يبق أمام والده أي خيار غير البحث عن عائلة الشاب الذي يعمل في أمن الرئاسة والاعتذار منه وطلب عفوه وغفرانه والتعهد بتسديد مبلغ المخالفة حتى يظل ابنه في عمله ويتم إلغاء أمر النفي. شرطي المرور قام بعمله كما يجب وعلى أحسن وجه فعوقب ودفع الثمن. فكيف سننفذ القانون إذا لم يطبق على الجميع؟ وكيف سنبني أوطاناً لا قانون فيها؟
بعد الانتخابات الأخيرة لسلطاتنا المحلية لاحظنا ارتفاعاً ملموساً في عدد المرشحين الرافضين لنتائج هذه الانتخابات. هؤلاء المرشحون قدموا التماساتهم إلى القضاء ودفعوا المبالغ الخيالية من قوت أطفالهم وأطفال مؤيديهم ولم يحصل أي واحد منهم على نتيجة إيجابية. هذه الالتماسات رافقها الكثير من البلطجة، العنف وأعمال التخريب التي لم تقلل من قيمتهم ووزنهم في أعين مؤيديهم. هؤلاء المرشحون لوظائف عامة وقيادية ألفوا العصابات التي تطلق النار وتقتل وتحرق وتعتدي ولم يطرف لهم جفن. لم يحاسبهم أحد ولم يعاتبهم أحد على الأقل. بينما على بعد أمتار منا لم نسمع عن أي التماس قدمه مرشح للسلطات اليهوديه. عندهم الجميع يقبل بالنتيجة وفي اليوم التالي للانتخابات يواصل حياته بشكل عادي جداً سواء ربح أم خسر.

لقد حولنا الهامش الممنوح لنا لاختيار سلطاتنا المحلية إلى هامش من الدموية والعنف وبناء العصابات التي تعيث في قرانا ومدننا فساداً وتخريباً وتحت شعار حبنا للمصلحة العامة وحرصنا على العطاء والتضحية. هذه الأعمال التخريبية والدموية لا يقوم بها أفراد مجهولون وغير معروفين وإنما ناس قادوا مجتمعنا أو يقدمون أنفسهم كمرشحين لقيادته ويحظون بدعم الكثيرين منا. ونتحدث عن محاربة العنف. ألسنا شعباً لا يستحي؟
بعد كل هذا الذي وصلنا إليه هل يمكن أن تكون لنا قرى ومدن وأوطان جميلة وآمنة؟
نعم إن ذلك ممكن إذا حاسبنا المجرمين واللصوص والمارقين وسميناهم بأسمائهم. فاللص والمارق هو لص ومارق وليس "يده طائلة" إلا إذا كنا نؤيد وندعم نهجه ويبدو أننا نؤيد وندعم . وذلك ممكن إذا حافظنا على شيء اسمه المصلحة العامة وقدمناها على المصلحة الشخصية. وحافظنا على الحيز العام ولم نحوله إلى حيز خاص أو ندمره.

ولن تكون لنا قرى ومدنا ووطنا جميلا إذا لم نوقف المارقين عند حدهم ونحاسبهم بالنبذ والمقاطعة وهو أضعف الإيمان حتى لو كانوا أبناءنا أو أقاربنا. على كل واحد منا أن يقول للمارق: "كفى!" حتى لو كان زعيماً أو قائداً لأننا نحن من يدفع الثمن. أما المزيد من النفاق والمداهنة لهؤلاء المارقين مرضى النهب والسلب فلن يجلب علينا إلا المزيد من الخوف والقتل والويلات. 

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com  

مقالات متعلقة