الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 23:01

آلام الوضع الانتخابي../ بقلم: إبراهيم عبدالله صرصور

إبراهيم عبدالله صرصور
نُشر: 17/07/19 15:42,  حُتلن: 21:12

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

إبراهيم عبدالله صرصور في مقاله:

احياناً يكون أكبر انجاز لك في الحياة، هو أنك مازلت بكامل قواك العقلية، وما زلت تتعامل بأخلاق، مع أنك محاط بكمية لا تُحصى من المصائب والشدائد والتحديات والتناقضات والانهيارات..

في الوقت الذي تنهدم حصون مجتمعنا تحت مطرقة العنف والجريمة والتمزق الاجتماعي، وتراجع المرجعيات الدينية والقومية والوطنية لمصلحة ثقافةٍ استهلاكية تكاد تقضي على ما تبقى من تماسك هذا المجتمع..

وفي الوقت الذي نرى فيه مجتمعنا يفقد السيطرة على حياته السياسية في غياب قيادةٍ موحَّدَةٍ وهياكل سياسية مُوَحِّدَةٍ لشتاتنا وجامعةٍ لشملنا جميعا شعبا وأحزابا وحركات وفصائل، لمصلحة أحزاب جديدة عربية – يهودية (متساوون ومؤثرون/ שווים ומשפיעים كنموذج)، والأحزاب الصهيونية التقليدية وغيرها..

وكلما تابعت ما يزرعه البعض من ألغام وأفخاخ وكمائن في طريق تشكيل القائمة المشتركة متمسكين ب – "قميص عثمان" والذي هو قرار "لجنة الوفاق"..

كلما تابعت كل ذلك، اصابتني الحيرة وأحيانا الذهول حتى الصدمة من عمق الأزمة التي نعيشها، وتزداد حيرتي وصدمتي حينما أرصد حالة "الإدمان" التي نعيشها والتي حوَّلت "المرض العضال" الى حالة طبيعية، والدعوة الى "الخلاص" منها رجسا من عمل الشيطان.. هذا الحال لا يكاد يقفز عن أية مساحة من مساحات حياتنا ابتداء من قمة الهرم السياسي وحتى القاع الاجتماعي..

في وسط هذا الزحام المحترق نتمنى ان يظهر "المهدي المنتظر!" القيادي (فردا او هيئة)، القادر على لجم هذا التدهور، ورسم خريطة الخروج من دوامةٍ عابثةٍ بلا قاع، أملا في الخروج من عنق الزجاجة نحو فضاء رحيب يتنفس فيه الناس نهضة وعزة ووحدة وكرامة واستقرارا وتنمية..

(1)

أمام هذا المشهد الصادم، دائما ما أسأل نفسي: لماذا يحصل كل هذا؟ ولمصلحة من؟ ومن المستفيد؟ لماذا نلوم اذا أنظمة الفساد والاستبداد العربية وهي تغرق في مستنقعات خلافاتها التافهة بكامل وعيها، خدمة لمشروعي الانحطاط الداخلي وهيمنة العدو الخارجي؟ لماذا نلوم فصائل شعبنا الفلسطيني المنكوب، والذي يعيش تحت احتلال يغتال حلمه في الاستقلال وكنس الاحتلال بمنهجية متصاعدة تحت سمعه وبصره، بينما هو يغرق في أوحال الصراعات الداخلية بكل إصرار، وهو يعلم انه يقدم بذلك خدمة مجانية لجلاديه ومغتصبي وطنه؟! لماذا نلومهم ونحن مستعدون للتضحية بوحدتنا الوطنية ومشروعنا الوحدوي بسبب مقعد او نصف مقعد، ونحن نعلم اننا بذلك نقدم خدمة مجانية للصهيونية من جهة، ونزيد في تكريس حالة الإحباط التي تعيشها جماهيرنا "بدون هالواسطة!"؟!

لماذا ولماذا، ونحن نرى منا (الجبهة) من لا يريد ان يتأخر خطوة وهو الذي حصل على حصة الأسد من المقاعد حسب قرار "لجنة الوفاق"، ليتقدم شريكه في المصير وفي المسير (التجمع) خطوة واحدة، تحقيقا لعدالة غابت عن القرار لتقديرٍ قد يكون خاطئا مع عدم النبش في النوايا التي لا أشك في انها صادقة!

(2)

هنالك من الظلم الفاضح ما لا تستطيع كل مساحيق التجميل إخفاء بشاعته، ولا يمكن لأحد إقناع المظلوم بقبول الظلم الواقع عليه تحت أي شعار، خصوصا حينما يكون الظلم واقعا على فصيل وطني اثبت وجوده ميدانيا وبرلمانيا كالتجمع الوطني الديموقراطي..

أتعجب كثيرا ممن يطالبون الواقع تحت الضرب الا يصرخ متألما، بينما لا يطالبون من يضرب بالسوط "الكرباج" بالكف عن ظلمه...

هذا أوان الصراحة، فلم يعد في القوس منزع، كما لم يعد هنالك مجال ل "التسلي" بمفاوضات عبثية لن تؤدي الى توحيد الصف والتي لن نقبل فيها بأقل من مشاركة الأحزاب الأربعة، وقوى وشخصيات وازنة في المجتمع (أفضلية كبرى)، في اطار المشتركة الجديدة..

انطلاقُ قطار "المشتركة" او تعطيله بيد الجبهة والحزب الشيوعي فقط، وليس في يد الإسلامية او التجمع او العربية للتغيير.. اقتناع قيادة الجبهة والشيوعي بأن تأخر عضوهم الخامس الى الموقع الثالث عشر، وتقدم عضو التجمع الثالث الى الموقع الثاني عشر، هو قمة العدل، وهو خطوة ضرورية لانطلاق المشتركة، وهو الطريق الأقصر للخروج من عنق الزجاجة..

من يحاولون وضع المسألة تحت عنوان "الصراع على الكراسي" مخطئون جدا... مطلب التجمع "حق"، وتأخر الجبهة والشيوعي خطوة الى الوراء "عدل"، وانطلاق طواقم المشتركة من اهل الاختصاص لوضع الخطط والبرامج والهياكل التي تجعل منها "مشروعا وطنيا" وليس "توليفة سياسية"، هو "فَرْضُ عَيْنٍ" على كل عربي وعربية في هذا المجتمع الذي "زهق" من لعبة عض الأصابع التي لا تليق الا بالصغار، ولا يمكن ان يقبلها "الكبار"...

"لجنة الوفاق" اتخذت قرارها وانتهى الامر، وهي كما صرحت لا تريد فتح الملف من جديد تخوفا من انهيار السدّ، واحالت نقاش أي خلاف الى رباعية الأحزاب من جديد.. وهنا أسأل: لماذا تم تفويض لجنة الوفاق أصلا؟ اليس بسبب فشل الأحزاب في مفاوضاتها البينية من الوصول الى حل؟ فهل يُعقل ان تعيد "الوفاق" الكرة الى ملعب من فشلوا بالأمس في الوصول الى حل؟! لا أريد طرح السؤال: لماذا لا تبادر "الوفاق" لإعادة النظر في قرارها المتعلق بالتجمع الوطني، مع أن القاعدة تقول: " الرجوع الى الحق خير من التمادي في الباطل".. أقول هذا لِمَا أسمعه من قيادات الجبهة والشيوعي من تأكيدٍ مرة تلو الأخرى - هروبا من مواجهة الحقيقة – على تمسكهم بقرار "الوفاق" نصا وحرفا!! وانا أسأل: اين العقل؟ اين المنطق؟ اين العدالة؟

قد يسألني سائل: لماذا توجه كلامك للجبهة فقط؟ أقول لكم وبصراحة: اولا، لأن الجبهة أخذت حصة الأسد، واعتقد ان الجبهة يجب أن تكتفي بأربعة أعضاء لأسباب وجيهة ومنطقية.. (انظر مقالي المنشور: "حتى لا تفقد الأحزاب العربية ما بقي لها من مصداقية"). ثانيا، لان الجبهة حصلت على رئاسة القائمة بلا منازع. ثالثا، لأن الجبهة فازت برئاسة لجنة المتابعة العليا بفارق صوت واحد، الصوت الواحد الذي تحول عند الجميع وخصوصا من خسر المنافسة (الإسلامية)، إلى إجماع لقي في ظله السيد محمد بركة رئيس المتابعة كل دعم وتأييد وإسناد واحتضان صادق ومخلص..

(3)

اعود لأذكر من نسي وبالذات من الجبهة والحزب الشيوعي – وأظنهم لم ينسوا - بما تعنيه "المشتركة" او بشكل أدق بما كانت تعنيه "المشتركة" بالنسبة لنا كجماهير عربية، آمنت بها ودعمتها ووعدت بالمزيد ان هي تحولت الى مشروع وطني حقيقي.. فماذا كانت النتيجة؟ تمسك الجبهة بعضوها الخامس في الموقع الثاني عشر تنفيذا لقرار الوفاق نصا وحرفا (عذر أقبح من ذنب)، حتى لو أدى هذا الوضع الى كارثة!

شكلت القائمة المشتركة علامة فارقة بكل المعايير في تاريخ المجتمع العربي لاعتبارات من أهمها:

أولا، جسدت المشتركة الوحدة العربية بصورة مشرفة للمرة الأولى منذ العام 1948، أي بعد سبعين عاما من مشوار الكفاح الوطني الذي خاضته الجماهير العربية في الداخل.

ثانيا، شكلت النموذج الذي جاء على غير ميعاد وسط منطقة عربية – فلسطينية صاخبة، من أبرز سماتها تفتيت المفتت، وتقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ.. قَدَّمَ المجتمع العربي داخل إسرائيل النموذج الذي يستحق ان يكون مثالا يحتذى به فلسطينيا وعربيا.

ثالثا، لأول مرة حجزت المشتركة مكانها كقوة رقم 3 في الكنيست بعد الحزبين الكبيرين، الأمر الذي أكسبها زخما فرضت بسببه حضورها اللافت من جهة، وإرادتها على الحكومة والبرلمان من جهة أخرى، استطاعت من خلاله تحقيق إنجازات تجاوزت إنجازات الأحزاب العربية منفردة كما في الماضي.

رابعا، حازت المشتركة على احترام حكومات العالم ومؤسساته الدولية التي بدأت تتعامل مع المجتمع العربي كمجوعة قومية ذات تمثيل معتبر يستحق الاحترام ويجب الاصغاء اليه..

خامسا، شكلت المشتركة حاضنة لكل احزابها ونوابها، وغطاء لكل مجتمعها ونخبه ونشاطاته الوطنية، وسندا لمؤسساته الجامعة وهيئاته التمثيلية كلجنة المتابعة واللجنة القطرية للرؤساء، ولجان الطلاب في الجامعات والمعاهد العليا وغيرها.. أصبحوا بها جميعا أكثر قوة، وأعمق تأثيرا، واقوى ثقة بالنفس..

القاعدة التي يجب ان ينطلق منها الجميع، ان القائمة المشتركة إنجاز تاريخي وفريضة وطنية، وضرورة سياسية واجتماعية.. كل من يعمل على انشقاق المشتركة مهما كانت المبررات والاسباب سيدخل التاريخ من اضيق الابواب، وسيسجل كمرتد عن أجمل ما حققه المجتمع العربي سياسيا في الداخل الفلسطيني منذ العام 1948، وبذلك يتحمل وحده المسؤولية السياسية والاخلاقية عن نتائج هذا السلوك المرفوض..

هذا الإنجاز الكبير أصبح على كف عفريت بسبب إصابة البعض بمرض "التعصب" الاعمى الذي بات يهدد وحدة جماهيرنا العربية، وقدرة مجتمعنا العربي على مواجهة سياسات التمييز العنصري والقهر القومي الإسرائيلية بشكل فاعل كما حصل في السنوات الأربعة الماضية من عمر القائمة المشتركة..

الجماهير العربية لن تغفر لمن طعن وحدتها الرائعة بخنجر مسموم، وستعرف كيف تعاقبه في صناديق الاقتراع في الانتخابات الوشيكة بتاريخ 17.9.2019.. لن تمنح الجماهير العربية فرصة لهؤلاء المأسورين لأنانياتهم ان يفلتوا من عقابها، كما لن يسمح لهؤلاء ان يعطوا فرصة لنتنياهو وغيره من الحاقدين والمتربصين بمجتمعنا العربي ل "يفركوا" اكفهم حبورا وسروا بتفتيت الصف العربي دون الحاجة الى تدخلهم، او بذل جهد من طرفهم..

(4)

تأخير التجمع الى الموقع الرابع في الرباعية الاولى = ظلم لكن يمكن ابتلاعه...

تأخير ثالث التجمع الى الموقع 13 = ظلم لا مبرر له...

حصول الجبهة على خامسها في الموقع 12 = انحياز صارخ لا مسوغ له.....

القول: لماذا لا تكرم على حساب حزبك = ديماغوغية يجب الا يكون لها مكان في قاموسنا الوطني، لأن الحركة وهي من هي قوة ورسوخا وامتدادا افقيا ورأسيا، مما لا احتاج الى إثباته، قد حصلت حسب قرار "الوفاق" على عضوين من 1 الى 10، بينما حصلت على عضوها الثالث في الموقع الحادي عشر (قد لا يكون مضمونا في الظروف الحالية)، وهو أقل مما تستحق، لكنها قبلت بذلك راضية .....

الخلاصة: ارجو ان يكون في الجبهة والحزب الشيوعي من العقلاء من يحسمون هذا الإشكال ولو في "الوقت الضائع"، فيعلنون برضى كامل تأخر عضوهم الخامس من الموقع 12 الى 13.....

النتيجة: نهاية الأزمة، وانطلاق قطار الوحدة، وأمل كبير في تحقيق الفوز المؤمل، وإنهاء هذه التراجيديا الفلسطينية - اليونانية....

(5)

احياناً يكون أكبر انجاز لك في الحياة، هو أنك مازلت بكامل قواك العقلية، وما زلت تتعامل بأخلاق، مع أنك محاط بكمية لا تُحصى من المصائب والشدائد والتحديات والتناقضات والانهيارات..

*إبراهيم عبدالله صرصور - الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة