الأخبار العاجلة
كاملة طيون:
علينا أن نعمل على بناء مؤسسات إعلاميّة خاصة بنا ولنتجاهل الإعلام الإسرائيلي الذي يتجاهلنا
أنتمي لجيل "الأنتينا"، ما قبل الفضائيات والأقمار الصناعيّة وعصر الديجيتال. كان في بيتنا تلفاز واحد مع قناة واحدة (القناة الإسرائيليّة الأولى)، فاعتدت الجلوس إلى جانب والدي ومتابعة نشرة الأخبار المسائيّة باللغة العبريّة التي لم أتقنها أبدًا، ولكن حتى اليوم أذكر غبطتي كلما شاهدت في التلفاز شخصًا عربيًّا، كنت أشعر بأنه يقربني، يخصني، يمثلني.. حتى لو كان يتحدّث عن حادث طرق أو جريمة.
كبرت وازدادت القنوات في تلفازنا، وأصبحت أتابع بشغف نشرات الأخبار، خاصة في فترات الانتخابات البرلمانيّة، وأنتظر نتائج استطلاعات الرأي قبل كل انتخابات، ليخيب ظني مرة تلو الأخرى، لأن القنوات قد وضعت كل الأحزاب الناشطة في الشارع العربي تحت خانة واحدة "الأحزاب العربيّة" ولم يكن بالإمكان التنبؤ بقوة كل حزب من خلال استطلاعات الرأي في الإعلام.
عام 2015 تحالفت الأحزاب الممثلة للمجتمع العربي تحت راية "القائمة المشتركة" وفي يوم الانتخابات، بعد إغلاق صناديق الاقتراع وعرض النتائج الأوليّة، شاهدت في المقر المركزي للقائمة في الناصرة، صحفيًّا معروفًا يعمل مراسلا في احدى القنوات الإسرائيليّة يتحدّث في الهاتف بغضب واضح: "لا يعقل أن تتجاهلوا القائمة الثالثة في الكنيست القادمة، بينما أنتم تتنقلون خلال البث من مقر انتخابي لآخر، حتى مقرات الأحزاب التي لم تعبر نسبة الحسم!".
في الانتخابات الأخيرة، التي عقدت في نيسان الماضي، عملت ضمن الطاقم الإعلامي لقائمة الجبهة والعربية للتغيير، وفي التاسع من نيسان، بينما كنا في مقر الانتخابات المركزي نتابع ما يحصل في الفروع وفي البلدات العربيّة، تابعنا أيضًا التغطيّة الإعلاميّة لمجرى الانتخابات، وأكثر ما كان لافتًا للنظر حينها، التحليلات في الإعلام الإسرائيلي حول موضوع نسبة التصويت المتدنيّة في المجتمع العربي، تناولوا الأمر من كل الجهات، اجتماعيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا... كل ذلك بدون أن يفكر أحد منهم أن يسأل مختص او محلل من المجتمع العربي. كل الضيوف والمحللين كانوا من المجتمع اليهودي.. أتوا ليتحدثوا عنا نحن العرب!.
هذه صور للغياب، بالأحرى التغييب، الذي نعاني منه نحن الفلسطينيون مواطنو هذه الدولة. التغييب الذي يمارسه من ينادي بحرية التعبير، بالحقيقة والصورة الكاملة. لقد فشل الإعلام الإسرائيلي على مدار السنوات، ولم ينصف الجماهير العربيّة كما لم ينصف قيادة هذه الجماهير، عن سبق إصرار وترصّد أحيانًا، وعن جهل وعدم معرفة أحيانًا أخرى.
والفشل في نيسان المنصرم كان واضحًا وصارخًا، هذا ما تشير إليه المعطيات التي نشرت ضمن المشروع الجديد لجمعية "سيكوي" وموقع العين السابعة بعنوان "حاضرون-غائبون" الذي يتابع قضية تغييب العرب عن وسائل الإعلام العبريّة، حيث تبيّن أنه في الانتخابات الأخيرة للكنيست خصصت وسائل الإعلام باللغة العبريّة 11.4% من التغطيّة حول الانتخابات لمواضيع تخص المجتمع العربي، أي أقل بكثير من نسبتنا العامة كخُمس المواطنين. الأمر الذي لم يتحسن في هذه الانتخابات أيضًا (على الأقل حتى تصريح النائب أيمن عودة حول إمكانيّة الدخول إلى ائتلاف حكومي بشروط معيّنة)، وبناءً على المعطيات التي نشرتها جمعية "سيكوي" بالتعاون مع العين السابعة تبيّن أنه فقط 8.2% من التغطيّة الإعلاميّة للانتخابات خصصت للجمهور العربي وقياداته.
"نحن لسنا بحاجة لهم" هذه ما قلته لنفسي قبل بضع سنوات، "علينا أن نعمل على بناء مؤسسات إعلاميّة خاصة بنا ولنتجاهل الإعلام الإسرائيلي الذي يتجاهلنا". ولكن "لماذا نتخلى عن هذه الساحة المركزية، لماذا نقبل طوعًا بالإقصاء والعزل الذي تفرضه المؤسسة؟" وسرعان ما أدركت أن نضالنا في وطننا، والعمل من أجل التأثير والتطوير عليه أن يمر أيضًا من خلال وسائل الإعلام، وأن بناء مؤسساتنا أمر لا يتنافى ولا يتعارض مع زيادة وتطوير تمثيلنا في الإعلام السائد.
أفكر بكل ذلك وأتذكر الطفلة المتربعة أمام تلفاز "الأنتينا"، يملأ قلبها الفرح حينما ترى عربيًا على تلك الشاشة الصغيرة، يتحدّث إليها هي.
شعب
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com .
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency