الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 18:02

مغارة القفزة في الناصرة، مفصل تاريخي في تطور الانسان/ بقلم: المربي فيصل طه

المربي فيصل طه
نُشر: 29/12/19 12:58,  حُتلن: 15:26

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

الناصرة بلد عامر غائر في التاريخ وقدسية هذا البلد، بلد البشارة تعود إلى ألفي عامٍ مضى بينما حضارته البشرية تمتدّ الى أكثر من مئة الف عام، منذ بدايات ظهور الإنسان العاقل ( هومو سابيانس) في مُغرها، وفي كهوف أرجاء الجليل والكرمل. إن قدسية المدينة واستيطانها بطلائع الإنسان القديم يثريها إسمًا وموقعًا وتاريخًا فريدًا يحمّل أبناءها اليوم مسؤولية حفظ هذه المكانة الخاصّة وتحويلها إلى موقع أثريّ سياحيّ يشمل التراث الإنساني العلمي والديني ليرتقي بالمدينة وأهلها إلى مركز حضاري ثقافيّ متطوّر يتّسع لجميع زائريه وضيوفه وحجّاجه ترحيبًا وحبًا وسلامًا.
تجمع قمة جبل القفزة في الناصرة البعد الديني الحديث نسبيًّا بالبعد التاريخي البشري الغابر والغائر في القِدم في مغاورها. إذ قبل رواية قفزة السيد المسيح الأولى والأخيرة من على جبل القفزة إلى جبل الطور هروبًا من مطارديه بفترة تفوق المائة ألف عام حيث استوطن الإنسان القديم في مغارة الجبل.
تعتبر مغارة القفزة حالة فريدة في مسار تطوّر الإنسان، إذ تشير الحفريّات التي بدأت في أوائل سنوات الثلاثين من القرن الماضي والتي أجريت من قبل الباحثين "ليفين وشتكليس" وذلك بإيعاز وتمويل القنصل الفرنسي في القدس ومن ثم "تشيرنوف وهاس" إلى اكتشاف عدد من هياكل عظمية بشرية كاملة مدفونة بطقوس دفنٍ خاصّة في أرض المغارة، تنتمي هذه الهياكل والجماجم كما أشارت نتائج الأبحاث إلى النوع البشري "هوموسابيانس" (الإنسان العاقل) وهو نفس النوع الذي ننتمي نحن إليه الآن، والذي قُدِّر عمره عشوائيًّا بثلاثين ألف عام، على إعتبار أنه لا يمكن أن يكون قد عاش في بلادنا في الفترة المستيريّة، وهي تعتبر الفترة الأطول، والتي تمتد إلى مئات آلاف السنين، هذه الفترة المستيريّة تميّزت بوجود إنسان " نيانديرتال" الأقل تطوّرًا والأوروبي الأصل. لكن طرق القياس الحديثة أكدت أن عمر "إنسان القفزة"، والذي قطعيًّا هو من نوع "هوموسابيانس" ، يصل إلى مائة ألف عام، وبذلك حُسم الجدل القائم حول عمر هذه الهياكل الإنسانيّة إلى ما يقارب المائة ألف عام، وبذلك ساهمت هذه الحقائق العلميّة في الكشف عن وجود نوعين من البشر عاشا متجاورين معاً وبشكل متوازي زمنيًا، وهما نوع "هوموسابيانس" ونوع "نيانديرتال" ، لقد اانقرضت آثار الانسان "النياندرتالي" قبل أكثر من ثلاثين ألف عام وبقي نوعنا المستقل "الهوموسابيانس" إلى يومنا هذا. أشارت الأبحاث إلى أن هذين النوعين من الإنسان عاشا منفصلين تمامًا ولم يتطوّر أحدهما كفرع عن الآخر، ولا يمثّل أحدهما أصلاً مشتركاً للآخر، بل هما يعودان إلى أصل مشترك واحد، لكونهما انحدرا من أب مشترك واحد..

كشفت الحفريّات في مغارة القفزة عن ثراء أحفوري لنتاج بشري، كمواقد نار، ولبقايا أدوات خزفية، إضافة إلى أحافير لكائنات حيوانية كالقوارض، وعظام متحجّرة لأنواع كائنات أخرى أتتها من أفريقيا. تشير جميع هذه الموجودات والأحافير إلى باكورة استيطان الإنسان من نوع "هوموسابيانس" في الكهوف حمايةً وأمنًا ومعيشةً ومدفنًا له.
وبذلك اعتبرت مغارة القفزة بثرائها الأثري محطة تاريخية فاصلة وجوابًا علمياً واضحًا لمسألة تطور الإنسان المعاصر "هوموسابيانس" وإلى تحديد عمره، والإقرار بموازاة حياة الإنسان المعاصر "هوموسابيانس" بحياة الانسان "نيانديرتال" لمدة لا تقل عن أربعين ألف عام ، اندثر بعدها " النياندرتال" ، وبقينا نحن في مسار التطور علَّنا نعمل على استمراريتنا والطبيعة وعلى حفظنا جميعاً من الإندثار!!!.
فيصل طه
الناصرة- صفورية 

مقالات متعلقة