الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 00:02

نريدها فتاوى كورونا استباقية وقائية لا استدراكية متقادمة-د. منصور عباس

د. منصور عباس
نُشر: 27/03/20 21:19,  حُتلن: 21:24

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

مشكلة الفتاوى الشرعية المتعلقة بجائحة كورونا، أنها نابعة من عدم استيعاب المفتين لطبيعة الوباء وحركته اليومية وآليات تطوره وانتشاره وآثاره ومخاطره، وارتباط كل ذلك بطرق الوقاية منه استباقا لانتشاره، مع الأخذ بالحسبان أنّ علاج المرض غير متاح لغاية الآن.

يرى العلماء المختصون، أن الخطوات الوقائية لمنع انتشار الوباء والمرض، يجب ان تسبق وقوع الحالات المرضية، لا أن تلحق بها أو تواكبها. فالوقاية قبل المرض وقبل العلاج.
وكذلك هو الحال مع الفتاوى الصادرة يوميا، فإنها يجب أن تسبق تطور الحالة المرضية واستحكامها في الناس أفرادًا وجماعات.

لذلك عندما نريد إصدار توجيهات صحية أو شرعية، فإن الوزن الأكبر والاعتبار الأهمّ، في وصفة الطبيب أو فتوى الفقيه، يجب أن تكون لمآلات الأمور واحتمال تطورها من سيء إلى أسوء، وليس إلى واقعها الحالي والآني.
بكلمات أخرى على الفقيه أن يَدرأ المفاسد المستقبلية المتوقعة بفتوى استباقية وقائية، وأن لا يلتفت إلى فوات المصالح الآنية، أي أنّ عليه العمل بفقه سدّ الذرائع والمآلات.

فإذا لم يفْتِ الفقيه بفقه المآلات ولا بسد الذرائع تحقيقا لمناط الحكم، أي تحقيقا لغاية الحكم وهو درء مفسدة انتشار الوباء والمرض، فغالبًا سيعتمد المفتي على فقه الضرورات الشرعية.
وهنا يقع الفقيه في التباس كبير. فالضرورة التي تقدر بقدرها، لن تسعفه أن يفتي بغلق المساجد، لمجرد احتمال انتشار الوباء بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. فالضرورة اليوم غير واقعة ومتحققة، فكيف يفتي بخلاف الأصل.

قال البعض، أن هنالك حاجة وليس ضرورة لاتخاذ إجراءات وقائية لمنع انتشار المرض، فأفتوا بالرخصة للمرضى وكبار السن، بعدم حضور الجمعة والجماعات في المساجد، ولم يعطوا رخصة لغيرهم، وأوجبوا إقامة الصلوات والجمع في المساجد بشروط معينة، لا تحقق المصلحة وتمنع العدوى.
هؤلاء أعملوا قاعدة مقاصدية، صاغوها منقوصة، فقالوا: "الحاجة تنزل منزلة الضرورة". ولو طبقوا القاعدة بنصها، لوجب عليهم أن يفتوا بإغلاق المساجد ويمنعوا الجماعات قبل أسابيع وليس اليوم.

إنّ الحاجة تنزل منزلة الضرورة في الحالات أو النوازل العامة والأحوال المتعلقة بالجماعة والأمة والشعوب والدول.
عندها لا ينتظر الفقيه تحقق الضرورة (كالمجاعة مثلا)، حتى يفتي بجواز المحظور شرعًا (كالقرض الربوي، أو مصادرة فضل أموال الأغنياء).
إذًا كان يسعفنا أيضًا، أن نفعّل قاعدة الحاجة والضرورة الكاملة وليس المنقوصة، حتى نصل للنتيجة التي تليق بأهل الذكر من الفقهاء أن يفتوا بها.

وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى فقه المآلات وسد الذرائع. متى تنزل الحاجة منزلة الضرورة؟ تنزل الحاجة منزلة الضرورة التي تبيح المحظور، عندما ننظر نظرة استشرافية، إلى مآلات انتشار الوباء ومفاسده المتوقعة، وعندها سندخل مساكننا، ونغلق على أنفسنا الأبواب، ونوقف الجُمع ونفرق الجماعات، ونغلق المساجد والمحال العامة التي يجتمع بها الناس ويتقاربون. كل ذلك سدًا لذريعة العدوى والمرض، والمفاسد الكبيرة المتوقعة في مثل هذه الحالات.

عندما نحسن فهم وتفعيل فقه المقاصد الشرعية بكليته، وأصول الفقه بحذافيره، ونغترف بهما من الكتاب والسنة ونعتبر كلام المختصين، يصبح عندنا فقه استشرافي استباقي وقائي، يعطي حلولا ويمنع الأزمات والكوارث، فنحفظ الأنفس والأموال، ونحفظ الدين لأن أحكامه وتشريعاته، كانت سببًا لدوام نعمة حياة الإنسان وحفظ كرامته ومصالحه.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   


مقالات متعلقة