للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
في الفاتح من أيار العام ٢٠٠٢، أغمض الأديب والشاعر والمفكر والمثقف النقدي الفلسفي والنهضوي الفلسطيني حسين البرغوثي، عينيه إلى ألابد، وغادر عالمنا بعد أن تمكن السرطان منه، ليستقر هناك تحت أغصان أشجار اللوز في قرية كوبر شمال غرب مدينة رام اللـه.
حسين البرغوثي أمضى طفولته وحيدًا منعزلًا عن الناس، بعيدُا عن ثرثرتهم وضجيجهم، وعاش حياته من داخله، وفي داخله، بين أوراقه وأسفاره وأفكاره وذكرياته وأسئلته الوجودية والفلسفية الخاصة عن الحياة، التي جسدها وترجمها في كتاباته وأعماله الادبية المتنوعة، التي أضافت بعدًا إنسانيًا جماليًا عميقًا في مساحات الثقافة والتجربة الإبداعية الفلسطينية المعاصرة.
ترك لنا حسين البرغوثي ما يربو على 16 عملًا، ما بين الشعر والرواية والنقد الأدبي والسيرة الذاتية والأغنية الشعبية والعمل المسرحي. وتمثل سيرته الذاتية التي جاءت في مؤلفين : " الضوء الازرق " و " سأكون بين اللوز "،أهم ما سطرته أنامل البرغوثي وما قدمه من أعمال أدبية بشاعرية مفرطة وأسلوب نثري ملهم، أعتبر تحولًا نوعيًا في الكتابة الأدبية الإبداعية، وإعلانًا ببدء أسلوب كتابي مستحدث ومبتكر ونمط نثري جديد.
وعندما صدر كتابه " الضوء الأزرق " قال عنه الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش : " إنه كتاب فريد من نوعه في الكتابة العربية، ولعله أجمل إنجازات النثر في الأدب الفلسطيني ".
وفي هذا الكتاب جمع البرغوثي بين مختلف ألوان الكتابة الروائية والسردية والشعرية، وباح من خلاله عما يدور في مخيلته وفكره وعقله، باحثًا عن إجابات في الأزقة والشوارع والأرصفة والمقاهي والحانات وداخل نفسه.
بينما يروي في سيرته " سأكون بين اللوز "عن أيامه الأخيرة في مستشفى رام اللـه، وعن تأملاته في البدايات والنهايات في " الدير الجواني " القديم في كوبر.
وارتبط حسين بالمكان الفلسطيني، وعلاقاته بالأمكنة كانت فريدة، وجذبته بشكل خاص الشوارع وأزقة القرية والمدن الهادئة الصغيرة.
وفي الجانب النقدي امتلك حسين البرغوثي وعيًا وحسًا نقديًا ثاقبًا، له أصوله وقواعده. فلم يجامل أحد، ولم يحتفل بـأحد نتيجة علاقة شخصية، وإنما كان يكتب وجهة نظره النقدية بشكل واضح وصريح، وسياحته النقدية كانت ذات جغرافيا واسعة، مهتمًا بنقد الأدب، والفن، والعمارة. ولم يتنازل يومًا عن صبغته النقدية كي يجامل عملًا فنيًا إبداعيًا.
وكان حسين البرغوثي يكتب نصه الفلسفي بلغة فلسفية، ونصه السردي بنفس سردي، بعيدُا عن التهويمات لإدراكه أن النص الشعري كونه غير ملتزم بالمعنى الدلالي هو نص مغاير ومختلف عن النص الذي يتناول الفكر.
وللتدليل على نزعته المنهجية كتابه الريادي " أزمة الشعر المحلي"، الذي صدر في السبعينات من القرن الماضي، ويشكل مرجعًا مهمًا لتبيان اهتمامه بالعلاقات الدلالية للنص الأدبي.
حسين البرغوثي تركَ أثرًا فارقًا في الذوق الأدبي والثقافة النقدية الفلسطينية، وقد أخذ هذا الأثر زمنًا طويلًا حتى تشكل في وعي القارئ وفي الوجدان الشعبي ولدى المثقف على حد سواء.
وآخر ما كتبه البرغوثي في كتابه "سأكون بين اللوز": " وفي الربيع، بين النحل، ونوار اللوز، وطريق النمل، والشمس، والعصافير، سأتعلم العزف على الربابة، وأقعد فوق بيتنا، وأعزف، مثل قدورة بالضبط، وأشرف على أودية عميقة ومقمرة، وجنائن مزرعة، واختتم بهذا دورة أخرى من دورات التناسخ الأبدي، دورة أخرى، وخريفية جبلية أخرى".
حسين البرغوثي، أيها القمري والمثقف النقدي، والناقد المختلف المغاير، والكاتب المشاكس الاستثنائي، الراقد بين أزهار اللوز، سلامًا لك، نم مطمئنًا هادئ البال، وسيذكرك أنقياء الفكر وحراس الثقافة والأدب وشرفاء القلم.