الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 14:02

اقتصاد الإنسان أم اقتصاد السوق؟ - بقلم د. مصطفى البرغوثي

د. مصطفى البرغوثي
نُشر: 04/05/20 21:03,  حُتلن: 21:04

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

شاركت مع عدد كبير من خبراء الصحة في العالم في ثلاث ندوات عقدت، عبر وسائل الاتصال الاجتماعي بالطبع، في نقاش الدروس المستخلصة من كارثة وباء الكورونا.

وكان هناك إتفاق على خمس نقاط رئيسية.

أولا.... أن العالم يدفع ثمن تقصيره في الاستثمار في الصحة، وثمن قلة الموازنات المخصصة لها، والتي جعلته عاجزا عن حماية حياة مئات الآلاف في مواجهة وباء الكورونا.

وثانيا أن حجم ما يصرف على الصحة ليس معيارا كافيا، بل لا بد من الإجابة على سؤال، كم من الأموال تذهب لمصلحة صحة الإنسان، وكم يذهب كأرباح لجيوب شركات التأمين الصحي والأدوية؟

وثالثا أن العالم يدفع أيضا من أرواح أبنائه، ومن خسائر اقتصاده ثمن ضعف الاستثمار في التعليم والبحث العلمي، ولو كان جزء بسيط من الأموال التي تذهب لتطوير الأسلحة، قد وجه لتطوير تكنولوجيا الأبحاث، لربما كان بمقدورنا تطوير لقاحات وعلاجات ضد فيروس كورونا المستجد، وغيره بوقت أسرع وفاعلية أكبر.

ورابعا، وهذه هي النقطة الأهم، أن العالم يدفع ثمن هيمنة فكرة "اقتصاد السوق" على إقتصاديات كل الدول من شرقها إلى غربها، ومن أكثرها تفاخرا برأسماليتها المتشددة، إلى أكثرها إدعاء بإشتراكيتها، وديمقراطيتها الإجتماعية.

وكان هناك توافق على أن هيمنة فكرة الربح المالي، على كل القطاعات بما في ذلك التعليم والصحة، أدى إلى تبني مبادئ الخصخصة المفرطة، وتحول التفكير من نوعية التعليم ونوعية الخدمات الصحية، وإبداع البحث العلمي إلى تبني الأنشطة الاستهلاكية التي تدر الأرباح والمال حتى لو كان ذلك على حساب صحة ورفاهية الإنسان.

وأدى ذلك إلى توسع مذهل في قطاعات الطب الخاص، والتعليم الخاص، وإلى إغلاق آلاف المستشفيات العامة ، وتراجع مصادر تمويل الأبحاث الصحية، وإلى تدهور التعليم الحكومي و الرعاية الاجتماعية للفقراء، والمسنين، والمعاقين، والعاطلين عن العمل.

وأصبحت حضانات الأطفال، والمدارس كذلك سوقا لتحقيق الأرباح، مع إهمال القطاع العام.

واليوم يدفع العالم ثمنا باهظا من الخسائر الإقتصادية قد يصل إلى تسعة تريليونات دولار ( التريليون يساوي ألف مليار أو مليون مليون) ، في حين أن جزءا يسيرا من ذلك، كان كافيا لدرء هذا الإنهيار لو كان هناك عقلانية في الإستثمار.

أما النقطة الخامسة، فكانت الإجماع على أن الإقتصاد الرأسمالي خلق العولمة، وجعل العالم قرية واحدة، ولكن التصدي لوباء الكورونا العالمي، بقي محصورا في حدود الدولة القومية، وخسر العالم الكثير من الوقت والكثير من البشر، قبل أن يفهم أن إيجاد لقاح مضاد لفيروس الكورونا المستجد، ودواء ناجح لا يمكن أن يتم دون جهد عالمي موحد. وهذا ما إنتقده الأمين العام للأمم المتحدة غوتيرش في لقائه بوسائل الإعلام معتبرا أن قادة العالم فشلوا في مواجهة تحدي الكورونا بجهد وسياسات موحدة.

والإستنتاج الطبيعي أن قضايا عالمية كالهجرة، والأوبئة، والتدهور البيئي، والنيازك التي قد تضرب الأرض لا تعالج إلا بقيادة جماعية عالمية، ومنظومات عالمية موحدة، كمنظمة الصحة العالمية، التي لا يتوقف دونالد ترامب عن مهاجمتها.

ما كشفة فيروس الكورونا، أن كل ملايين، بل مليارات الدولارات، وكل جيوش العالم وأسلحته، لا تستطيع أن تحمي أحدا من الإصابة، وما من خلاص، إلا بأنظمة إقتصادية وصحية إجتماعية عادلة وعقلانية، تضع مصلحة الإنسان وبقائه وصحته فوق كل إعتبار للربح المادي.

إنه درس للبشرية، وفرصة لإدراك أن ما تحتاجه البشرية هو اقتصاد الإنسان وليس اقتصاد السوق.

مقالات متعلقة