الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 07:02

قطعان البشر وقطعان الماشية - محاولة لفهم الواقع (3-3)/ بقلم: حسين فاعور الساعدي

حسين فاعور الساعدي
نُشر: 28/05/20 17:37,  حُتلن: 21:35

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

في المقالين السابقين تحدثت عن "القيادة" وعن "الأمومة" عند مختلف أنواع القطعان وما طرأ عليها من تغييرات بفعل تدخل أصحاب الشأن الذين يريدون المزيد من إحكام السيطرة على هذه القطعان وجني المزيد من الأرباح منها.

في هذا المقال سأتحدث عن المجال الثالث الذي استخدم ووظف من أجل إحكام السيطرة الأبدية وهو "التغذية" الجسدية والروحية.
ثالثاً, التغذية: وظيفة الغذاء بناء الجسم وجعله ينمو ويتطور. وبدون الغذاء لا يمكن لأي مخلوق حي مواصلة الحياة. وبما انه من عناصر الحياة الرئيسية كالماء والهواء فإن التحكم به يعني التحكم بمستهلكيه من مختلف أنواع المخلوقات. وكما هو معروف فإن نوع الغذاء يؤثر على نفسية ومزاج من يتناوله.
ما يريده النظام الأحادي العالمي المتغول هو السيطرة والربح ودائماً المزيد من السيطرة والربح. في سبيل ذلك هو على استعداد لفعل أي شيء. وما هذه التي يسمونها دساتير وقوانين ونظم ومنظمات حقوق إنسان إلا أدوات للتغطية على وجهه الحقيقي البشع.

هذا النظام العالمي يستفرد بالشعوب وبالحيوانات على حد سواء ويضع الخطط والمشاريع لاستغلالها إلى أقصى حد ممكن. في مصانع الأسلحة ينتج الطائرات والدبابات والأسلحة ويفتعل الحروب من أجل أن تستعمل هذه الشعوب ما أنتجه في هذا المجال لتقتل بعضها. ولتحقيق ذلك يشيع ثقافة القتل بالمسلسلات والألعاب والأفلام وبتغذية الخواء الفكري وتنمية الثقافة الهابطة التي تروج للطائفية والفئوية والاثنية كمنطلق لحروب لا تنتهي لتظل مصانع السلاح تعمل ليل نهار. بالإضافة لاستغلال الثقافة في ترويض الشعوب فقد استعمل الدين أيضاً كأنجع وسيلة لتحجيم العقول وتضليل الشعوب وتنمية الصراعات فيما بينها.
أما مصانع الأغذية للحيوان فقد ركزت على تصنيع مختلف أنواع العلف التي تحوي مواد كيماوية تجعل الحيوان يدمن عليها ولا يستطيع الاستغناء عنها. ومواد كيماوية أخرى تجعل الحيوان يسمن بسرعة هائلة. ولتقليل النفقات وزيادة الأرباح فقد تم تقليص نسبة الحبوب في هذا العلف وإدخال فضلات الطيور كزبل الدجاج كمكون رئيسي في العلف. ولا أهمية للضرر الذي قد يسببه هذا العلف لصحة الإنسان الذي يتناول لحوم او حليب هذه الحيوانات. هذا النوع من العلف المصنع يؤدي إلى السمنة الزائدة عند القطيع ويؤدي إلى خموله وقلة حركته وهو المطلوب. الإدمان على هذا العلف يبعد القطعان عن المراعي التي تصبح غير ملائمة ولا تناسب شهيته فيضطر الراعي أو المربي للاعتماد على الأعلاف المصنعة .

وعند الإنسان لا يختلف الأمر كثيراً فكل المنتجات الزراعية التالفة يتم تصنيعها وتحويلها إلى مواد غذائية شهية بعد إضافة المواد الكيماوية لها من طعم ورائحة ولون. حتى الأشجار والنباتات الزراعية صاروا يسقونها من مياه المجاري المصفاة من اجل تقليص النفقات وزيادة الأرباح. لقد تعود الإنسان على تناول هذه المنتجات الزراعية المصنعة وأصبح يفضلها على المنتجات الطبيعية.
المقصود من كل ذلك هو خلق إدمان على هذه الأغذية المصنعة بهدف إبعاد الإنسان في هذه الشعوب المتخلفة عن الارتباط بالمنتجات الزراعية القادمة من الأرض مباشرة بهدف فك الترابط بينه وبين الأرض وتحويله إلى كائن مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمنتجات المصنعة, فالعمل في الأرض يحتم بقاء الترابط الأسري ويوفر الاستقلالية الاقتصادية.

ما تريده الدول المصنعة هو مجتمع مستهلك مفكك يتصارع فيما بينه ويحتاجها لتوفير السلاح الذي يحتاجه في هذه الصراعات التي لا تنتهي، ويحتاجها أيضاً لتوفير الغذاء له من أجل البقاء. هذا الوضع تحرص الدول المصنعة على استمراره وبقائه وتفعل كل شيء من أجل ذلك. وما فك ارتباط القطعان الحيوانية والقطعان البشرية مع الأرض إلا أحد الوسائل لتحقيق ذلك. من هنا يتضح لماذا تُمنع دول كثيرة كمصر على سبيل المثال من زراعة القمح، ولماذا تم حرق واقتلاع واحات النخيل في العراق.
لذلك إن كانت هذه الشعوب تريد التحرر وكسر هذه الحظائر من حولها فما عليها إلا العودة إلى بناء الأسرة السليمة المتماسكة التي تهيئ الأرضية لبروز قيادات طبيعية تمثلها، والعودة إلى العمل بالأرض لخلق الاكتفاء الذاتي الذي بدونه لا يمكن التحرر من الارتباط مع الخارج الذي يتدخل في كل شيء. هذا الخارج الذي يعامل شعوبنا كما يعامل قطعان الماشية التي يسوقها إلى المسلخ كلما احتاج.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 

مقالات متعلقة