الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 01:01

وليد رباح أورويل العرب-د. أفنان القاسم

د. أفنان القاسم
نُشر: 13/07/20 00:02,  حُتلن: 03:46

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

أولاً) مثلما هي لدى جورج أورويل في "مزرعة الحيوانات"، تنتمي قصة وليد رباح "فأر في عباءة الوزير" إلى الخطاب السردي ذي البعدين التعليمي والاستعاري، وتنبني من حول رمز حيواني الذي هو الفئران، بينما عند أورويل أكثر من حيوان أهمها الخنازير، ومثلما هو لدى الكاتبين، يرتبط التنديد بطرق السخرية في الكتابة لنقد العهد الستاليني في الاتحاد السوفياتي كما عرض أورويل، ونقد العهود العربية في ممالك العرب وجمهورياتهم كماعرض وليد رباح.

ثانيًا) تتشابه الثيمات في العملين، هناك ثيمة نقد ثورة البلاشفة لدى أورويل بالثورة على الثورة تنجزها الحيوانات، وهناك ثيمة نقد سلطة الأنظمة لدى وليد رباح بالثورة على المفاسد يخطط لها الفئران. كذلك هناك ثيمة تبديل الزعيم بزعيم بالقوة التي تطغى على القوة، تبديل الخنزير ستالين لدى أورويل، وتبديل الفأر الشيخ لدى وليد رباح، على الرغم من انتماء كل منهما إلى بنية نقيضة، إذ أن وليد رباح يبقي الوزير في السلطة، منذ خمس عشرين سنة وهو وزير، وكأنه يكتب الفصل الذي لم يكتبه أورويل. إضافة إلى الثيمتين السابقتين هناك ثيمة ثالثة تتمثل في نقد الموديل الروسي وحكامه لدى أورويل، ونقد الموديل العربي وحكامه لدى وليد رباح.

ثالثًا) يُطرد السيد جونز الذي يمثل القيصر من المزرعة لمعاملته السيئة للحيوانات لدى أورويل، ويحاول الفئران طرد الوزير الذي يمثل النظام لدى وليد رباح من الحكم لفساده. العاقل القديم، وهو خنزير عجوز يمثل كارل ماركس، يحاول إشعال الثورة على الثورة، لكنه يموت قبل تحقيق ذلك لدى أورويل، الشيء نفسه بخصوص شيخ الفئران الذي يموت هو الآخر بالقضاء عليه بالمواد السامة التي يأمر الوزير برشها في الجحور لدى وليد رباح. نابليون الخنزير الآخر يمثل ستالين، يحكم البلد بالنار والدم لدى أورويل، بينما يفعل الوزير الشي نفسه بعد القضاء على الفئران، وقبل القضاء عليهم يحكم بالفساد الذي يملأ به جيوب عباءته من بعض الدولارات إلى أكداس الدولارات، فينعم بقرضها القارض، ويعتاد على حياته الجديدة دولارات وخمور ونساء.

رابعًا) كرة الثلج التي هي الخنزير المنافس لستالين يمثل تروتسكي لدى أورويل، لكنه يذهب ضحية نابليون (ستالين)، مثلما يذهب شيخ الفئران (المعارضة) ضحية الوزير لدى وليد رباح، وذلك بالقيام بلعبة وضع القارض محل الشيخ تحت حجة الفساد بينما الوزير للفساد ربه، وبدافع وعد التغيير الذي سيقوم به بالقارض ومع القارض. إنه الجو القمعي نفسه لدى الكاتبين.

خامسًا) مالابار الحصان الخدوم والوفي سيخونه الخنزير نابليون (ستالين) لدى أورويل، ولدى وليد رباح القارض الذي ينتقل من المعارَضة إلى المعارَضة المعارِضة للمعارَضة، فيتحالف مع الوزير ضد حزبه وشعبه سيخونه الوزير بقتل شعبه، ليجد نفسه ملكًا بتاج يضعه الوزير على رأسه، وهو دون غيره يحكم.

سادسًا) تتمحور العلاقات السردية لدى الكاتبين جورج أورويل ووليد رباح حول شخصية الطاغية، ولعرضها يلجأ كل منهما إلى "الحكاية" كشكل أدبي مع مزيج من النقد وخفة الدم بمفردات بسيطة تسمح بإيصال رسالتهما إلى من يهمه الأمر، كما أن الحكاية الأورويلية كالحكاية الرباحية خفيفة تسمح بقراءة مريحة مع لَذة لغوية على ألسنة الحيوانات.

ramus105@yahoo.fr

----------------

القصة

فأر في عباءة الوزير/ وليد رباح

اتفقت مجموعة من الفئران على كشف المفاسد لما رأته من تقاعس الانسان.. فوقع اختيار رئيسها على فأر ضئيل الجسم حاد الذكاء يدعى ( القارض) كي يندس في عباءة الوزير ليكشف الحقيقه ..

***

بخفة ورشاقه .. قفز قارض بن ابي قارض الى خزانة الملابس التي تحوي ملابس الوزير .. اختار عباءة مقصبة رائع شكلها كي يركن الى جيبها الفضفاض .. وتنقل في فضائها الواسع ذاهبا آيبا فلم يجد فيها غير مائة دولار نسيها الوزير فلم يمسسها .. في البدء سال لعابه كي يقرضها .. لكنه بعد لأي عزف عن ذلك مبررا انه اقسم لشيخ الفئران على ان يدرأ المفاسد فلا يختلس او يقرض الا باذن منه .. فجعلها له غطاء ..

في الليلة الاولى شعر قارض بالبرد الشديد .. وفي الليلة الثانية صاحبه الجوع فقرص معدته الخاويه .. وفي الثالثة قرر أن يهرع الى المطبخ ليغب في نعمة الطعام .. لكن الحركة في المنزل أجبرته على ان يظل في ركنه الجيبي حتى تهدأ .. وما أن هدأت قليلا حتى ققز من الجيب باحثا عن طريق آمن كي يصل الى ينبوع الطعام .. لكن قطا كبير الحجم كان يحرس المطبخ ارغمه على ان يعود الى مكمنه في العباءه .. ومن فتحة ضيقة في الخزانة القى نظرة فاحصة فاجال بصره في فضاء الغرفة فالفاها فارغة ساكنه .. ووقع نظره على زجاجة نبيذ معتق فيها كأس زجاجي مذهب يحوي حثالة من النبيذ لم يشربها الوزير فقرر ان يعب منها حتى يسكن جوعه .. لكنه بعد ان فكر قليلا رأى ان لا يلقى بجسده في داخل الكأس لانه املس لا مكان فيه للتسلق او الخروج .. فمد ذيله الطويل الى حثالة النبيذ وامتصها بشغف.. ثم كرر ذلك مرات ومرات الى ان شعر بدوار وخدر لذيذين يسريان في جسده المتثاقل .. وفي غضون ذلك سمع ضجة في الخارج ترحب وتؤهل فخمن انه الوزير .. غير ان قارضا لم يستطع القفز الى الجيب نتيجة السكر وفرد جسده على سجادة الغرفة .. دخل الوزير الى غرفته بعد ان اغلق الباب وداس على ذيل قارض فأن وتوجع .. لكنه لم يستطع ان يفتح فمه متحملا عذاب الالم حتى لا يكتشف امره .. وبعد ان تحرر ذيله قفز الى الجيب بتثاقل فاذا بالمائة دولار قد اصبحت رزمة من الاوراق المالية .. فنام ملء جفنيه بغطاء سميك فلم يشعر بالجوع او البرودة ..

أفاق القارض من نومه الطويل فاذا الدنيا قد اصابها الهلع .. ضجة هنا وحديث هناك .. وفي ركن الخدم .. سمع ان اليوم عيد .. احتفالا بفضية الوزير الذي امضى خمسة وعشرين عاما دون ان يتغير .. وقرر ان يحضر الحفل حتى وان دخل القط مكمنه .. ولن يتنبه احد الى وجوده في مثل ذلك الهذيان .. فكان ما كان ..

في ركن منزو من القاعة الكبيرة .. جلس الوزير بكامل هيئته وجلال قدره وهو يرتدي العباءة المقصبة .. وينتفخ جيبه الذي اضاف اليه رزمة اخرى من الاوراق المالية .. وسمع قارض ما جعله ينتزع من جيبه الصغير قلما وورقة ليسجل ما يدور من حديث شيق .. لكي يستخدمه ضد الوزير عندما يحال للمحكمة ، يقول الوزير لاحد الجالسين .. ساعطيك ميزة الاستيراد هذه السنه .. فما عمولتي ؟ : يقول الاخر .. نتقاسمها سويا .. فيدخل ثالث في الحديث ليقول للوزير : لا تنسى ان تخصص جانبا من العمولة للجمعيات الخيرية ولفقراء البلد .. يقول الوزير : ما من شك في هذا .. فالفقراء ملح هذا الكون وبهاره .. يضحك الجميع .. ثم يمد الوزير يده الى جيبه فيصطدم بفرو ناعم الملمس .. لكنه حفظا على وقاره لا يجرؤ ان يصرخ او يصيح .. فقال له قارض : خفف ثقل يدك عن رأسي فانك تؤلمني .. قال الوزير بصوت اشبه بالفحيح : من انت يا هذا .. قال قارض .. انا ناكر .. واخي نكير في جيب فستان زوجتك .. قال الوزير فزعا : ايعني هذا انني في قبري ؟ قال قارض : كلا وانما انت ميت مع الاحياء .. ساعطيك فرصة اخرى للعيش ان كتمت الامر فلا تنشره .. فصحف المعارضة جاهزة لكي تصمك بالجنون ان تحدثت بالامر .. قال الوزير بعد ان اطمأنت نفسه : صحف المعارضة يا هذا تنشر باذن مني فلا يغرنك ما يكتبونه وما يقولون .. الم تسمع بالمعارضة العربية ؟ قال بلى سمعت واني لسماعهم لمن النادمين ..يضيف قارض : حسن .. بعد ان يمضي الضيوف الى بيوتهم سوف نتحدث في غرفتك .. فلدي الكثير مما ساقوله لك .. وفي سرعة البرق صرف الوزير ضيوفه بحجة التعب .. وما ان خلت الغرفة حتى قفز قارض من مكمنه في العباءة قائلا : اعطني شيئا من النبيذ .. فقد استذوقته بالامس وكان طيبا .. قال الوزير : أعرف انك تمتص العسل .. وتهرع الى الجبن الابيض منه والاصفر .. قال قارض : الا تدري ان عيدك الفضي قد ازف .. دعنا نحتفل سويا : قال الوزير .. فعلي اجد في صحبتك شيئا يسلي وحدتي .. فزوجتي تسرح على حل شعرها تنتقي الفساتين والهدايا ولا تأبه لي .. وابنائي يجوبون البلاد في سياراتهم الفارهة ويتركونني لوحدتي .. قال قارض : هات يا هذا واستعجل .. فاليوم خمر وغدا أمر ..

استأنس الوزير بقارض ابن ابي قارض .. وعبا من الكئوس حتى ارتويا .. مال رأس الوزير ومال معه رأس القارض .. ولاول مرة يسمع الخدم الوزير وهو يغني فيتغامزون .. وفي آخر السهرة .. تمدد الوزير على السجادة الوثيرة في غرفته وراح في سبات عميق ..

تسلل القارض من الغرفة بشىء من الحذر ميمما وجهه شطر زعيم الفئران ليقدم تقريرا بما حدث .. فاشار عليه الشيخ ان يواصل بعد ان حقق نجاحا باهرا حسدته عليه الفئران .. ثم طلب اليه ان يخفف من السكر حتى يركز بما يفعله الوزير وما يقوله .. واقترح عليه ان يغافل الوزير ثم يصب كأسه في كأس الوزير فيضاعف سكره .. فينطلق لسانه .. ويتحدث بالمستور.. فانسحب القارض وقد آلمه ان لا يتذوق النبيذ الا القليل . أما الوزير فقد استفاق مثقل الرأس خامل الجسم كثير التوجع .. وقر رأيه على أن يسامر القارض في الليلة القادمة لكنه سيصب كأسه في كأس القارض كي يعرف مهمته التي كلف بها .

في غضون الايام التي تلت .. أدمن القارض شرب النبيذ المعتق .. وانتقل من جيب العباءة الى مخدع الوزير.. يتسامران سويا حتى بزوغ الفجر .. ثم يكتب القارض التقارير واحدا تلو الاخر ويمررها لزعيم الفئران مكلفا الفأر الذي يقبع في جيب فستان امرأة الوزير بدلا عنه .. وشيئا فشيئا .. رأى القارض ان بحبوحة العيش خير من مرارته .. فانقطعت تقاريره .. وعزف عن مقابلة زعيم الفئران .. وتقاسم مع الوزير بعض العمولات سواء كانت نقدية او عينيه .. اما النقود فكان يجلس في مكمنه في الجيب نهارا لكي يقرضها .. ويستمتع بلذة حبرها الملون .. واما العينيات فقد كان يتقاضاها خمرا معتقا يجلبه الوزير نهارا ليستمتعا به ليلا .. أكثر من هذا اشترى له الوزير فأرا انثى لكي تقوم بامتاعه فنسي بذلك ماضيه وحاضره .. وكان ثلاثتهم يلتقون ليلا لكي يرسموا الخطط التي تجعل رزم النقود في جيب العباءة اكثر ..

وفي ليلة من ليالي الانس .. قر رأي الوزير على ان يدوس رأس الفساد بقطع دابر الفئران .. فطلب من القارض أن يدله على الجحر الذي يقبع فيه الزعيم .. ولما سأله عن السبب قال له الوزير : سوف انصبك زعيما بدل القديم لكي نقطع سويا دابر الفساد ..فنعيش في دعة وأمان .. فوافق القارض وزوجته الجديدة على ما طلب ..

عند الصباح .. وعندما افاق الجميع من نومهم سمع القارض ضجة في داخل المنزل .. فاستطلع الامر فاذا مجموعة من الناس يحملون على ظهورهم مضخات تدفع بسوائل غريبة الرائحة الى جحور الفئران .. ولما استفسر قال له الوزير : هذه مواد كيماوية تطلق الى الجحور للتخلص من العهد القديم .. اما العهد الجديد فسوف ننصبك على رأسه .. بامكاننا مغادرة المكان لساعات ثم العوده .. وعندها سوف اضع التاج على رأسك كي تصبح زعيما لفصيلتك من الفئران .. فرح القارض بما سمع ..

عند المساء .. وضع الوزير التاج على رأس القارض .. وقال له الوزير قد انتهت مهمتك .. فاذهب راشدا لحكم ابناء جنسك .. وعندما ذهب القارض الى جحور الفئران وجد بعضها ميتا والبعض الاخر يعاني سكرات الموت .. وفي غضون ساعات ماتت كل الفئران ..

أما القارض .. فقد اعتمر التاج وامسك بيده الاخرى عصا الملوكية .. لكنه بحث عن شعبه فلم يجد له اثرا .. فاصابته لوثة واخذ يصرخ .. انا الزعيم .. انا الملك .. انا حاكم هذه الامة .. وبالطبع .. كان القارض وحيدا .. فقد نفقت زوجته جراء الرائحة النفاذة ..

مقالات متعلقة