الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 18:02

ايا صوفيا - اردوغان واستطلاعات الرأي/ بقلم: د. رائف حسين

د. رائف حسين
نُشر: 15/07/20 12:24,  حُتلن: 14:44

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

د. رائف حسين في مقالته:

*عثمانية اردوغان من عثمانية من سبقه.

*اردوغان ليس بفاتح وليس بقائد، هو سياسي نرجسي بامتياز.

ردود الفعل على قرار الرئيس التركي اردوغان بتحويل كنيسة ايا صوفيا الى جامع كانت باكثريتها ‏الساحقة عاطفية وهذا يمكن فهمه والتعامل معه كونهتتبلور في جو اجتماعي ‏سياسي شرقي به الدين اداة تسلط وتحكم والتدين اداة تقوقع وتبجح.‏

المؤيدون قيموا الخطوة على انها بداية انبعاث جديد لعصر اسلامي تمنوه منذ سنين طويلة. ‏والمعارضون اعتبروا الخطوة عنجهية تتبع قانون الغاب ولا تحترم شعور المسيحيين. ‏

البعض رأى بالرئيس التركي "قائد اسلامي" واطلق عليه اسم "الفاتح" وبدأ يحلم بعودة الخلافة والبعض ‏الاخر تخوف من تهور رئيس يتخبط بالسياسة والاستراتيجية كالافعى مقطوع الرأس. ‏

قرار الرئيس التركي لم يأخذ كلا الطرفين، مؤيدين ومعارضين، باولويات دوافع اتخاذه مثل هذا القرار ‏التاريخي. ما دفعه لاتخاذ هذه الخطوة هي غريزته بالتسلط وحبه للبقاء بالحكم. القرار له علاقه في ‏مكانة الرئيس ومصداقيته وتأييد سياساته الداخلية والخارجية ومكانة حزبه، حزب العدالة والتنمية، ‏واستطلاعات الرأي للانتخابات البرلمانيه القادمة. ‏

اردوغان وحزبه تلقوا في السنوات الماضية عدة ضربات سياسية واقتصادية ودبلوماسية قوية هزت ثقة ‏الشعب التركي بالرئيس وحزبه، وقراره هذا هو مناورة تكتيكية شعبوية لا يعرف احد مدى تأثيرها ‏على الرأي العام وخصوصا على الناخب التركي والقرار بحد ذاته مجازفة كبيرة ممكن ان تتطور الى ‏عاصفة دبلوماسية مدمرة وتكون بمثابة الخشبة الاخيرة في تابوت اردوغان السياسي من قبل بعض ‏الجهات وخصوصا الاتحاد الاوروبي.

‏اخطاء ومقامرات اردوغان السياسة التي زعزعت التماسك والوحدة داخل حزبه كانت عديدة ومتنوعة، ‏لكنها كلها مرتبطة بجنون العظمة الذي اعتلى الرئيس التركي منذ بداية تخلي الادارة الامريكية عن ‏حلفائه العرب التقليديين بالشرق الاوسط مثل مبارك بمصر وبن علي بتونس . ‏

في منتصف سنة ٢٠١٠، قبل بداية ما يسمى بالربيع العربي قامت نيويورك تايمز بنشر كامل للقرار ‏التنفيذي ‏PSD 11)‎‏) للرئيس الامريكي اوباما المتعلق باتخاذ استراتيجية جديدة تجاه الشرق الاوسط ‏والتي كانت ترى دعم تيارات الاخوان المسلمين وشعبهم لاستلام الصدارة بالعالم العربي والحل محل ‏الزعامات المكروهة من شعوبها والتي اصبحت تشكل خطر على المصالح الامريكية. انذاك كان العالم ‏واوباما منبهرين من نجاحات اردوغان في تركيا. اذ انه وبفترة سنوات حكمه الاولى استطاع ان يوصل ‏تركيا الى بر امان اقتصادي وسياسي داخلي وسياسة اقليمية حكيمة كانت تعتمد مبدأ "صفر اشتباك مع ‏الجيران". ‏

اردوغان كان بداية قائد سياسي ناجح ومدور للزوايا في الداخل والخارج وجذوره الاخوانية لم تكن ‏عائق امام هذا النجاح، وكونه لم يغير من علاقة تركيا الاستراتيجية، عسكريا واقتصاديا، مع ‏اسرائيل وابقى على كل الاتفاقات الموقعة معها جعله بنظر الادارة الامريكية الرجل المناسب لبدء ‏استراتيجية جديدة واصطفافات جديدة في الشرق الاوسط الذي اصبحت به ايران الشيعية قوة اقليمية ‏مدعومة من حلفاء عصاميين والدول السنية العربية، مثل مصر والسعودية، بدأت تتأكل وتضعف. ‏

اردوغان قرأ الاستراتيجية الامريكية الجديدة واستنتج منها ان هذا العصر هو عصر تركيا وعصر ‏الاخوان وعصره هو شخصيا لترسيم معالم شرق اوسط جديد بقيادة تركيا، وبدأ في مغامراته ‏وتهوارته السياسية والدبلوماسية بالخارج والداخل، وظهر احيانا بافعاله واقواله كالفيل الذي دخل ‏حانوت لبيع القزاز يدمر كل ما امامه.‏

تغيير استراتيجية "صفر مشاكل" الذي وضعها داوود اغلو السياسي والاستراتيجي المخضرم والرأس ‏المدبر خلف اردوغان وصعوده العامودي في الحلبة السياسية التركية وتدخله السافر في الحرب على ‏سوريا ودعمه للارهاب المتأسلم بانيا هذا التوجه على نجاحات موقعيه لحركة الاخوان المسلمين في كل ‏من مصر وتونس ودعم اقليمي خصوصا من قبل قطر والولايات المتحدة الامريكية. اردوغان كان يعتقد ‏فعلا انه " الخليفة" المنتظر من العالم الاسلامي السني، تصريحاته وتصرفاته كانت توحي بهذا الامر ‏دون التباس. ‏

الاشكالات التي بدأت بهذا التهور والتي لم تنتهي بعد اضعفت اردوغان سياسيا واضعفت تركيا ‏اقتصاديا وامنيا ودبلوماسيا واعادت تركيا الى الوراء. ‏العديد من القيادات المؤسسة والكرازماتية في حزب العدالة والتنمية ادارت ظهرها لاردوغان ‏المتغطرس وخرجت من صفوف الحزب. ‏

علي باباكان، وزير الاقتصاد السابق والعقل الاقتصادي المتزن والرجل وراء بناء اقتصاد تركي قوي، ‏خرج من الحزب واسس حزب اخر لوحده اسمه : حزب الديمقراطية والتقدم ‏DEVA‏. ورئيس الوزراء ‏السابق، الاستراتيجي المخضرم احمد داوداغلو ادار ظهره للحزب ولاردوغان واسس حزب اخر اسمه ‏حزب المستقبل ‏Gelecek‏. هذه الاحزاب اصبحت تشكل خطرا على اردوغان وامكانية نجاحه في ‏انتخابات قادمة. اضافة الى التآكل الذي بدأ يظهر في حزب العدالة والتنمية بجمهرة اقارب اردوغان ‏حوله بدل الشخصيات القوية المركزية التي كانت في بداية مسيرته السياسية.

‏هذه الزعزعة الداخلية بحزب الرئيس التركي اتت متزامنة مع الانكسارات العسكرية التركية بسوريا ‏وصمود سوريا وحلفائها وانكسار تيار الاخوان بمصر وتونس وبداية هبوط نجم تركيا العالمي ‏والاقليمي وزيادة الضغوطات الاقتصادية على تركيا من قبل الاتحاد الاوروبي وروسيا. ‏

اضافة الى هذا كله كان تصرف اردوغان بعد محاولة الانقلاب تصرف جنوني غير مسؤول اعاد ‏الاضطراب الى الجبهه الداخلية وعدم الاستقرار الامني خصوصا في شرق تركيا، اماكن تمركز ‏الاكراد. ‏

حاول اردوغان بتوسيع رقعة تدخلاته العسكرية في سوريا وشمال العراق وقطر وليبيا وتأرجحه ‏بالسياسة الخارجية بين الناتو وطلب الانضمام لحلف شنهاي الاستراتيجي وبين الانضمام للاتحاد ‏الاوروبي الى طلب الانضمام الى حلف البريكس الاقتصادي وبين ال ‏S400‎‏ الروسي والباتريوت ‏الامريكي من جهة وابتزاز الاوروبيين بسلاح اللجوء واللاجئين السوريين من جهة اخرى،ةوكل هذا ‏تخبط ، لان يعيد لتركيا مكانتها التي وصلت اليها قبل الربيع العربي. ‏

النتيجة كانت تراجع مستمر لشعبية الرئيس التركي وشعبية حزب العدالة والتنمية. الانتخابات المحلية ‏الاخيرة اظهرت جليا الخطر الذي يجابهه اردوغان. في هذه الانتخابات خسر الحزب مواقع اساسية مثل ‏اسطنبول وانقرة ومدن اخرى.‏

اردوغان يحاول بشتى الوسائل انقاذ ما يمكن انقاذه للتحضير للانتخابات البرلمانية القادمة سنة ٢٠٢٣ ‏والتي من الارجح ان يقوم بتقديمها خوفا من تعاظم قوة القوى السياسية الاخرى خصوصا الحزبين الذين ‏بناهما اشخاص من داخل الدائرة الضيقة حول اردوغان. الرئيس التركي يرى ان كل شيء متاح ‏لضمان اعادة انتخابه وتمسكه بالسلطة. ‏

هو لا يتراجع امام خطوات شعبوية كتحويل ايا صوفيا لمسجد لدغدغة مشاعر الطبقات المحافظة في ‏تركيا كونه يدرك ان هذه الرغبة موجودة داخل الشعب التركي منذ قرار اتاتورك بتحويلها الى متحف. ‏

اردوغان ليس بفاتح وليس بقائد، هو سياسي نرجسي بامتياز ويتخبط لانقاذ حياته السياسية‏ وتركيا رغم مركزيتها بالشرق الاوسط الا انها ليست القوة الاقليمية الكبرى بالشرق وارتباطها ‏باتفاقيات استراتيجية مع دولة الاحتلال الصهيوني لا يجعلها محطة ثقة وامان والدولة العثمانية لم تكن زمرد الخلافة الاسلامية الذي يحاول البعض التزين، العثمانية كانت رمز ‏للاستعمار والدمار والقتل والرجعية سرقت خيرات المشرق ومنعت تطوره وحاولت ابادة الارمن ‏واستعمرت البلقان وخطفت اطفاله صغارا وربتهم على الحقد والكراهية ضمن صفوف جيش ‏الانكشارية الوحشي.‏

الخلافة العثمانية اتسمت بوحشيتها ومرجعيتها وطغيها وان كان اردوغان بنظر البعض هو الخليفة ‏الجديد فما بنا الى ان نقول: من شب على شيء شاب عليه… عثمانية اردوغان من عثمانية من سبقه!‏

 موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com

مقالات متعلقة