الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 04:02

بين تركيا "الخلافة" وتركيا "التوسعية"!/ بقلم: د. ابراهيم خطيب

د. ابراهيم خطيب
نُشر: 26/07/20 14:40,  حُتلن: 19:01

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

لا شك أن كُثر منا باتوا شهّاداً على الاهتمام الكبير بالحالة التركية من قبل العالم العربي، حتى أن بعض دخل إلى أدق التفاصيل التركية وبات يتابعها بشكل دائم وهذا يعود لعدة أسباب:

1. انعدام النموذج العربي: يعاني العالم العربي من انعدام نموذج لدولة لها ثقل في المنطقة مع قدرات اقتصادية وسياسية وفيها تمثيل حُر لشعبها، وانتخابات حرة وحضور في الساحة الدولية ومحاولة تمثيل تطلعات العالم الاسلامي ومنه العربي. فيما يعاني العالم العربي من وجود دول ضعيفة وبعيدة كل البعد عن تطلّعات شعوبها وتمثيلهم الديموقراطي، بل عانى ويعاني عالمنا العربي من أنظمة قمعية قتلت شعبها وأجرمت بحقه، وأنظمة عسكرية جعلت من الدولة ثكنات ومصدر تكسب لجنرالتها، إو أنظمة شمولية يكون الحاكم مركزها وفيها توريث للحكم.
كانت هناك محاولة عربية، شعبية ومن بعض القيادات الصادقة، للخروج من عنق الزجاجة ومن هذا الوضع من خلال ربيع العرب، ولكن هذا الربيع أٌريد له أن يوأد لكي تستمر هذه الأنظمة والمنتفعين منها في مص خيرات ومقدرات عالمنا العربي. هذا الربيع الذي لن ينتهي وسيستمر وإن مر في كبوات، تفرضها قوة الأنظمة المُجرمة وداعميها. في مثل هكذا واقع كانت الخيارات الإقليمية محدودة ولعبت ايران وتركيا دورين مهمين في المنطقة. تمثل الدور الإيراني بدور توسعي داعم للأنظمة القمعية، يُرافقه نفس طائفي يُقاتل وفقه، فيما أظهرت تركيا على أنها داعمة لتحرر الشعوب وساندت الربيع العربي واحتضت مُشرديه ومطارديه. هذه الحالة دعت العديد في العالم العربي لرؤية تركيا كنموذج يسعى العرب لتطبيقه في بلدانهم. وبالمناسبة كانت ايران نموذجاً (وما زالت عند البعض) من خلال تقدمه العسكري ومساندتها لمقاومي اسرائيل، لكن هذا النموذج تراجع كثيراً عند عدد ممن كان يتبناه مع كل الدور الإيراني في المنطقة ومساندته لأنظمة قمعية وتأثير ذلك على الوعي الجمعي العربي تجاه ايران. ناهيك عن أن البعض لديه الاعتبارات الأيدلوجية والقومية لبغض تركيا (وايران) ودورهما بنفس الوقت.
وبالتالي باتت رؤية تركيا على أنها نموذج يحتذى به ويُتمنى منه الكثير على صعيد الأمة ككل، هذا لا يعني أن تركيا ليس لديها مارب سياسية تمثّل تطلعات هذه الدولة القومية (ولربما الساعية لدور يتجاوز حدود الدولة القومية ليصل لواقع الأمة)، وعليه يجب كذلك تقييم هذا الدور ودراسته ولجمه اذا ما كان هذا الدور متجاوزاً لقواعد التعاون المشترك أو يمثّل طبيعية استحواذية قومية بحتة، بعيدة عن مفهوم الأمة الذي يريده عدد من أبناء الشعوب العربية والاسلامية.

2. قدرة تركيا وتطورها: ما زال تقدم تركيا في عدة مضامير صناعية واقتصادية وعمرانية حاضراً في الوعي الجمعي العربي في السنوات الأخيرة، خصوصاً مع زيارة الكثير من العرب لتركيا، وكذلك من خلال المقارنات التي يجريها العرب مع بلدانهم. إضافة للدور الكبير الذي يلعبه الإعلام والقوة الناعمة التي تبذلها تركيا في تسويق ذاتها ويبدو أن كل هذا يؤتي أُكله في النظرة الإيجابية والمُعجبة بتركيا عند عديد من العرب.

3. دمجها للديموقراطية والاسلام: يُدرك الجميع أن طبيعة العالم العربي محافظة، وأن شعوبها لم تنفك عن خلفيتها الإسلامية وبنفس الوقت إرادتها للعيش بكرامية وحرية وديموقراطية وحُكم فيه العدل. وبهذا السياق نجحت تركيا بتسويق نفسها على أنها دولة فيها حريات ونوع من الديموقراطية إضافة لتوجه من قيادتها نحو جعل الإسلام حاضراً في النقاش والحياة العامة التركية ومجابهاً متدرجاً للعلمانية الإقصائية، كل هذا مع عدم وجود بديل عربي يحاول الجمع بين الأمرين. كل ذلك ترافق مع متابعة الناس للتغيير في تركيا ونجاح قيادتها في لجم العلمانية الاقصائية هناك مع سنوات عجاف من هذه العلمانية جعلت الحجاب جريمة والتدين مأخذاً.

مع كل ما ذكرته من النظرة المتصورة في العالم العربي لتركيا ومحاولة تحليل أسباب ذلك الإعجاب بتركيا وقيادتها الحالية، ولكن المبالغة باتت لها أثر كبير، وخصوصاً في الآونة الاخيرة.. ولكي لا نصطدم بتغيّر الواقع او الهلامية المفرطة، فيجب تحليل الحالة التركية بعين مجرّدة والإيقان أن الواقع التركي ليس بالضرورة هو الهدف والمأمول عربياً (مع أن مقارنة واقع تركيا مقارنة بحال العالم العربي ترجح لصالح الأولى). فمعادلة العلمانية والتدين في تركيا ليس واضحة بشكل نهائي، كما أن الرئيس أردوغان ومع كل خطواته، يوجب علينا الخشية عليه من ذاته وإمكانية أن تكون قوته وشعبيته مصدراً لانفراده بالسلطة، كما أن مارب تركيا، بصفتها دولة قومية لها احتياجاتها الخاصة، يوجب علينا أن نكون واعين لحدود هذا الدور ومصلحته ومفسدته على مجمل شعوبنا وأمتنا. إضافة للحاجة لتفريقنا للخطوات العملية "والخطوات الشعبوية" التي يمكن أن تقوم بها تركيا والبون بين التصريحات والأفعال، مع الإدراك أن تركيا وقيادتها غير قادرة لتنفيذ ما تقول للظروف الإقليمية وتوازنات القوة ومصالحها القومية وأولويات عملها كما يمكن أنه ليس هناك إرادة قوية لفعل بعض ما تقول.
أخيراً، في ظل الواقع العربي والاسلامي المترهل ومع دور تركيا ودعمها لتحرر الشعوب العربية واحتضانها للمشردين واللاجئين منهم ونصرتها لعدد من قضايا الأمة، ومع دور تركيا المتصالح بشكل تصاعدي مع الهوية الاسلامية وخذلان الأنظمة العربية لبلدانها وشعوبها فيبدو من الطبيعي أن يكون هذه النظرة الإيجابية لتركيا ولكن يجب أن تكون مضبوطة وسقف الآمال منطقياً!

* د. ابراهيم خطيب - باحث سياسي وزميل في مركز الدراسات الشرق أوسطية، جامعة هارفارد

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة