الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 04:01

حول تطبيع الإمارات.. بين القمع والمبدئية وما بينهما!

بقلم: د. ابراهيم خطيب

د. ابراهيم خطيب
نُشر: 16/08/20 23:31,  حُتلن: 13:35

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

اتفاق التطبيع بين الإمارات واسرائيل، أو لنسمي الأمور بمسمياتها إتفاق السلام، نعم هو اتفاق سلام إذا ما نظرنا للعرب والمسلمين كجزء من الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي كما هو الحال طيل سني الصراع، أمّا اذا استثنينا هذه الدول فسيكون اتفاقاً لتطبيع العلاقات، وبالمناسبة هو اتفاق بين حكومة الإمارات أو جزء متغلب منها وهذا الاحتلال، وليس اتفاق الشعب الإماراتي. بالعودة للإتفاق نفسه فهو اتفاق تطويع لجزء من الدول العربية لتكون جزءاً من المنظومة الاسرائيلية الأمريكية في المنطقة واستخدام لهذه الدول من قبل السلطات الأمريكية للاستفادة من أزماتها الداخلية والخارجية. هذا الاتفاق له أسبابه المباشرة وغير المباشرة كما سيكون له إنعكاسات من الممكن أن تتجاوز الحيز الإماراتي.

من بعض هذه الأسباب:
أولاً، فهذا الاتفاق حصيلة الأنظمة الاستبدادية والقمعية وفقدانها الشرعية وبالتالي البحث عن شرعية متجاوزة للشعوب لتستمدها من فواعل خارجية وفي هذه الحالة من الولايات المتحدة والغرب والطريق لهذه "الشرعية" تكون من خلال التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي أو من خلال دفع "الخاوة" لإدارة ترمب!
ثانياً، انعدام الاستقلالية الوطنية فهذه الأنظمة إن كان في الامارات أو غيرها لا تملك استقلال القرار الوطني لإنعدام وجود استقلالية عسكرية، سياسية، علمية واقتصادية كما يجب. بمعنى اخر هي ليست دولاً ذات اكتفاء ذاتي وليست قوى إقليمية غير مرتبطة بأجندات غيرها كما هو حال ايران وتركيا! وبالتالي فهذه الدول وبدل أن تسعى لتطوير ذاتها وقدراتها وتنمية وطنها تربط نفسها مع قوى أخرى تُطوّعها وفق أجندتها.
ثالثاً، انعدام المبدئية وشعور الانتماء للأمة وسيطرة المنفعية البحتة، والانتماء للأمة بالضرورة يعني الانتماء لقضية فلسطين والانتماء للعدل والكرامة وحرية الشعوب. وبالمناسبة إن كانت الإمارات خانت الانتماء لفلسطين، فأنظمة أخرى خانت الأمة بقمع شعوبها والنيل منهم كذلك. هذا المنفعية في السياق الاماراتي مرتبطة بالحصول على الدعم الاسرائيلي والامريكي وحفظ كراسي حكّام هذه الدول.
أما بخصوص تبعات هذا القرار فهي عدة:
أولاً، تعرية إضافية للنظام الإماراتي وكل من لف لفيفه، فعلى الرغم من أن القاصي والداني كان يعلم بالعلاقات السرية بين النظام الاماراتي والاحتلال الاسرائيلي فإن هذا القرار جاء ليزيد الأمور وضوحاً.
ثانياً، سيزيد هذا القرار، وخصوصاً اذا امتد لأنظمة أخرى، من حالة الاستقطاب العربي العربي، وسيجعل قضية فلسطين جزءاً من هذا الاستقطاب بعدما كان الاستقطاب في العالم العربي في السنوات الاخيرة حول قضايا تخص دور إيران وتركيا وقضايا حريات الشعوب ودور الحركات الاسلامية. مدى حجم هذا الاستقطاب طبعاً متعلق بعمق التطبيع وتوسعه وتحركات الاحتلال، ولكنه سيكون لفترة زمنية محدودة اذا لم تجري مياه في نهر القضية الفلسطينية.
ثالثاً، سيكون لهذا التوجه الإماراتي تأثير على عدد من الدول العربية والخطاب العربي ليزداد عند البعض الخطاب المتسامح مع الاحتلال والمتنكر لقضية فلسطين، وخصوصاً مع شراء الذمم والتأثير الإماراتي في أكثر من دولة عربية، وما كان تصريح أحد قادة المجلس الانتقالي في اليمن (الداعي لانفصال الجنوب) والمدعوم إماراتياً إلّا إشارة لذلك. ولكن بنفس الوقت ستبقى هذه الفئة قليلة ومنبوذة شعبياً وسيكون لها ارتدادات عكسية على أدوار الإمارات في المنطقة العربية.
رابعاً، القرار الاماراتي هذا سيكون طعنة اخرى بالقضية الفلسطينية ورسالة للفلسطينيين أنهم وحيدون في مجابهة الاحتلال الاسرائيلي وعليهم عدم الاعتماد على العرب وهذا سيضعف الموقف الفلسطيني، ولكن الحاضنة الشعبية العربية ما زالت مساندة لفلسطيني ويجب على القيادة الفلسطينية مخاطبة ومصالحة شعبها والشعوب العربية ومساندة تحرر هذه الشعوب من أنظمتها القمعية (كموقف مبدئي فالحرية لا تتجزأ)..! مع العلم بتعقيدات الوضع الاقليمي وحرص الفلسطينيين على عدم اكتساب اعداء وعلى عدم تدخلهم في الشؤون المحلية للدول العربية ولكن يجب التفكير باستراتيجية حاضنة لنضال الشعب الفلسطيني تتجاوز هذه الانظمة القمعية التي لا يُمكن التعويل عليها!
خامساً، يمكن لهذه الخطوة أن تكسر الحواجز مع الاحتلال وتشرعنه ولو جزئياً، لتجعل من القضية الفلسطينية والصراع مع الاحتلال هو مشكلة ثنائية وخلاف يجب أن يُحل بالتراضي بين الطرفين المختصمين وحصره بالفلسطينيين وبالتالي جعل قضية فلسطيني كأي مشكلة، وبالتالي يجر ذلك فك الارتباط القيمي والعقدي والاخلاقي مع هذا القضية في الوعي الجمعي، مع إيماني أن هذا الوعي سيكون صعب اختراقه وسيتأثر فقط بعض ضعاف النفوس.

بالمحصلة هذا الاتفاق هو حصيلة وضع خاص بقيادات الإمارات التي باتت تعادي تطلعات الأمة بالتحرر والتحرير، وسيكون تأثيره محدوداً إذا ما ازداد ربط الأمة وتعميق انتمائها، وكما لم يجعل اتفاق السلام بين الاحتلال ومصر وكذلك مع الأردن هذه الشعوب مطبّعة مع الاحتلال فكذا سيكون مواقف الشعوب بالنسبة لقضية فلسطين بعد الاتفاق الاماراتي ولكن سيصيب الوهن والضعف البعض وهذا طبيعي ويجب مجابهته برص الصفوف (وخصوصاً فلسطينياً مع تراجع المشروع الوطني الفلسطيني وتخاذل قيادته وانقسامهم) وإعلاء انتماء الأمة لحريتها وحرية فلسطين كجزء من تحرر الأمة الكلي من حالها اليوم.

* د. ابراهيم خطيب - باحث سياسي وزميل في مركز الدراسات الشرق أوسطية، جامعة هارفارد

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com    

مقالات متعلقة