الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 21:02

الوعي السياسي ودوره في تطوير الديمقراطية/ بقلم: فادي مرجية

فادي مرجية
نُشر: 02/11/20 18:30,  حُتلن: 07:36

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

فادي مرجية في مقاله:

 الوعي السياسي هو أكثر من ثقافة سياسية أو مجرد المشاركة أو تكوين رأي وحوار وانشغال بقضايا المجتمع

بحسب بعض التعاريف فإن الوعي السياسي عند المواطن والمجتمع هو نظرة الإنسان تجاه البيئة المحيطة به وكيف يقراها وما يتضمن هذه النظرة من معارف سياسية وقيم واتجاهات تتيح للإنسان أن يدرك أوضاع مجتمعه ويحللها ويحكم عليها ويحدد موقفه منها والتي تدفعه إلى العمل من أجل تغييرها وتطويرها والحفاظ عليها والإبقاء على أحسن الأوضاع المتطورة فيها بما يخدم مصلحة معينة.

وبناء على هذا التعريف فإن الوعي السياسي يشمل أربعة نقاط رئيسية هي:
1- الرؤية الشاملة للبيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الوطنية والعالمية.
2- الإدراك للواقع الداخلي المحلي والخارجي الإقليمي والعالمي.
3- الإحساس بالمسؤولية والتي جوهرها الالتزام بالثوابت الإيجابية الاجتماعية القيمية والوطنية والإنسانية.
4- الرغبة في التغيير مع الاحتفاظ بالثوابت الوطنية والاجتماعية والقيمية.

الوعي السياسي إذ يصدر عن فكر وهذا الفكر ينتج ثقافة معينة تؤسس لوعي سياسي يسود في المجتمع أو في فئات منه. والثقافة هي تعبير عن مجموعة من الأفكار والقيم والأشكال والهياكل السياسية المختلفة. ووجود الوعي السياسي أو عدمه هو نتيجة مباشرة لوجود هذه الثقافة ونوع الأفكار والقيم الموجودة بها. فالثقافة هي الأداة لخلق الوعي السياسي وتوجيهه. وبه يتطور إدراك الإنسان بما هو حوله وبالآخرين ومعرفة ذاته وواقعه وإمكاناته وما يريد تحقيقه، وهي عملية تراكمية تستمر مع المواطن وليست مرحلة مؤقتة.

والوعي السياسي يمكن أن يأخذ أشكالا مختلفة، فهناك وعي فردي وهناك وعي جمعي يختص بجماعة معينة مثل عمال أو رجال أعمال أو ملاك أراض. يتولد من هذا الوعي الجمعي اتجاهات مبنية على مصالح معينة وقيم بالإضافة إلى الثقافة العامة في المجتمع والتي تؤطر لهذا الوعي، وهذا يختلف عن الوعي المجرد النظري الذي يُستقى من الاطلاع، والذي يُنتج ثقافة سياسية. وهناك الوعي العملي الممارس في بلورة المصالح المشتركة بين جماعة فكرية معينة، وقد يتحول هذا الوعي إلى آيديولوجية مشتركة بين مجموعة، وحينها تصبح هذه الجماعة متجمدة ومتشددة ولا تخضع إلى واقع المصالح والحوار وضرورة التفاوض والتنازل، وقد تأخذ طابع التشدد والتزمت وحتى العنف سبيلا لتعميم فكرها ورفض الآخر.
ويتأثر الوعي السياسي كذلك بالتجارب الشخصية للفرد وقد تحدد هذه التجارب اتجاهاته أو انتقاله من وعي سياسي جمعي إلى وعي سياسي جمعي آخر. كذلك يتأثر الوعي بالجهل والفقر والحاجة. 
كثيرا ما نتحدث محليا عن الوعي السياسي وأهميته للحياة الجماهيرية والعمل السياسي وحسن اختيار العضو او النائب، لكن ماذا نقصد بالوعي السياسي؟ وهل نحن متفقون على معنى محدد؟ 
الوعي السياسي لدينا يمكن أن يكون إدراك المواطن بأهمية المشاركة السياسية في القرار، ويمكن أن يعني أهمية أن يكون للمواطن رأي في القضايا العامة والرأي العام. ويمكن أن يكون مشاركة غالبية الناس في الانتخابات وعدم الانقياد أو التبعية لرأي يُفرض عليه من أي جهة. كل هذه الحالات تنم عن مستوى معين من الوعي السياسي. لكن هل يشكل ذلك آلية للتأثير والاستمرار في متابعة القضايا. نجد أننا في البلاد كثيرا ما ننشغل بقضية مهمة ولكن فقط مدة محددة سرعان ما تنسى وتستجد قضية أخرى ينشغل بها المجتمع لتحل محلها قضية ثالثة بعد فترة. هذا يشتت الجهد ولا يأتي بنتائج تذكر إلا نادرا عندما يكون الرأي العام موحدا حول قضية معينة. وهذا يعني أن الوعي السياسي يحتاج إلى تنظيم المجتمع وفق مصالح تترجم وعي كل جماعة بنفسها وكيف تحدد وترى مصالحها، وعدم حدوث ذلك يدل على ضعف المجتمع وافتقاره إلى مؤسسات فاعلة تبلور الوعي الجمعي الخاص بجماعة معينة أو الوعي الجمعي للمجتمع ككل.

الخلاصة إذن، أن الوعي السياسي هو أكثر من ثقافة سياسية أو مجرد المشاركة أو تكوين رأي وحوار وانشغال بقضايا المجتمع. الوعي السياسي هو أن يشعر الإنسان بأنه ينتمي إلى مجموعة تشاركه المصلحة. فمثلا عندما يشعر العمال بأنهم فئة مجتمعية تجمعهم مصالح معلومة ومحددة، وأن هذه الفئة تمتلك التنظيم الكافي والاشتراك في الهدف والمطالب وامتلاك أدوات التأثير بحيث يجعلها قادرة على أن تدافع عن هذه المصالح على مدى طويل واستمرارية وإلحاح، لا تنشغل خلالها بأحداث طارئة عن غايتها. حينها تمتلك هذه الفئة الوعي السياسي المؤثر والقادر على الاستمرار والصمود والمناورة والقوة التفاوضية لتحقيق مصالحها. 
هذا يعني أن يكون المجتمع منظما وفق هذه المصالح التي تتضارب في بعض الأحيان وتتسق في أحيان أخرى. فمثلا هناك فئة رجال الأعمال والتجار والطبقة الارستقراطية ملاك الأراضي وهناك مصالح قطاع المال وهناك المتقاعدون والعاطلون. فكلما أدركت كل من هذه الفئات أن الدفاع عن مصلحتها يقتضي تنظيم نفسها كلما زاد الوعي السياسي في المجتمع وزاد المجتمع حيوية وقدرة على المشاركة السياسية ضمن إطار الميثاق والدستور. أما إذا كان تنظيم المجتمع وفق انتماءات طائفية أو عرقية أو أي نوع من هذا التنظيم الاصطفافي فهذا يدل على وجود خلل ما في النظام السياسي يشعر الناس بالحاجة إلى التكتل لحماية أنفسهم أو فكرهم أو معتقداتهم ويصبح المجتمع متشظيا غير قادر على التنمية. 
من ذلك نقول إن من مصلحة الدولة العمل على تعزيز وتطوير البيئة التي تساعد المجتمع في العمل وفق مصالح مادية ومعنوية يمكن التعامل معها بكل أريحية وكل وضوح وشفافية وعلنية، وأن تسن التشريعات لتحفيز هذه التنظيمات ومساعدتها ماديا للقيام بدورها في تكتلات سياسية أو مهنية أو وظيفية تسهم في العمل الجماهيري والسياسي. وكذلك الإيمان بضرورتها لتطوير العملية الديمقراطية. فإن هذا يسهم في حماية المجتمع من الآيديولوجيات المتعصبة والمدمرة.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة