الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 16:02

ماذا تعرف عن المكان في الفن التشكيلي؟/ بقلم: ناجي ظاهر

ناجي ظاهر
نُشر: 09/12/20 13:56,  حُتلن: 15:25

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

يكتسب المكان في الفنون الابداعية عامة والفن التشكيلي خاصة، اهمية كبيرة كون هذا الفن فنا بصريًا، محكومًا باطار الرؤية.
من هنا تأتي اهمية كتاب "المكان في فن التصوير المصري الحديث"، تأليف الدكتور نعيم عطية، صاحب الاجتهادات اللافتة في مجال دراسة الفن التشكيلي، تلك الاجتهادات التي انعكست في تآليفه المعروف مثل كتبه "الفن الحديث- محاولة للفهم"، "نزهة العيون" و"فنانون ولوحات عالمية".
كتاب الدكتور نعيم عطية عن المكان، موضوع حديثنا هنا، صدر عام 1993 ضمن سلسلة كتب "دراسات في نقد الفنون الجميلة"، عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب"، وحمل رقم 4 بين كتب السلسلة، وقد اتيحت لي قراءة هذا الكتاب مؤخرًا فأحببت ان اقدم للقارئ المهتم بالفنون، قراءة خاصة فيه، وذلك ضمن محاولة للمزيد من الفهم الفني للمكان واهميته في العمل التشكيلي خاصة.
يضمّن المؤلف كتابه هذا ثلاث دراسات تتناول العلاقة التي تنشأ بين الفنان والمكان، ويبحث في الدراسة الاولى، حقيقة على جانب هام جدا في الابداع الفني هي، ان التصوير يدرك المكان ومحتوياته ادراكًا مباشرًا، الا انه لا يمكنه فعل هذا في ادراكه للزمان، فيدركه، والحالة هذه، ادراكًا غير مباشر، بمعنى ان ادراك الزمان بالنسبة للمصور التشكيلي، حسب تعبير المؤلف، انما يكون كمن يدرك الريح دون ان يراها، فاذا رسمها فانه انما يفعل هذا عبر تأثيرها على موجودات الطبيعة كالشجر والبحر والصحراء، ويتطرّق المؤلف في دراسته هذه الى ذلك التنوع الذي عايشه الفنانون المصريون المعاصرون في تصويرهم للاماكن خاصة في ظل المنجزات العلمية والتقنية الحديثة.
يرصد المؤلف في الدراسة الثانية التي يضمها الكتاب، مظاهر التدهور التي طرأت على شكل المدينة في مصر خاصة، كما يدرس اسباب هذا التدهور، والاثار النفسية والاجتماعية التي قد يوصل اليها. جاءت هذه الدراسة تحت عنوان "الدمامة في المدينة"، ويمكن اعتبارها دفاعًا عن "جماليات المكان".
يتوقف المؤلف في دراسته الثالثة عند البحر، كمكان خاص، ويقسّم دراسته إلى مبحثين يستعرض في الاول العطاءات التشكيلية لمن يسميهم "فرسان البحر"، لينتقل بعد ذلك لتبيين العلاقة الجدلية التي قامت بين الفنان العربي المصري البارز محمود سعيد وبين البحر، حيث ولد وعاش وقضى في الاسكندرية وعلى حواف شواطئها.
ينطلق المؤلف في كتابه هذا من ان المكان في الاعمال الفنية، ليس كينونة حسية دائمًا، وانه ليس بالضرورة منظرًا طبيعيًا، ذلك اننا في لوحات كثير من الفنانين، نلتقي بما يمكننا ان نسميه بالأماكن "الجوّانية او الخيالية او الحواذية"، وهذه الاخيرة، كما يشرحها المؤلف، هي تلك التي تتسلّط على الفنان ويتكرّر ظهورها في مرحلة ما من مراحله الفنية او في اعماله الفنية كلها، ويعلّق المؤلف على هذه الاماكن قائلًا: انها تبدو لنا وكأنما هي اماكن استحوذت بقوة نفوذها على وجدان مصوّرها الفنان المبدع، فاستطاعت ان تقصي من امامه، لسبب او لآخر، معالم اي مكان واقعي محيط به، فتتجلّى في لوحاته مشاهد من اماكن استقاها من احلامه او خيالاته او ذكرياته التي قد توغل في الزمن الماضي البعيد، فتبدو مشاهد هذه الاماكن مختلطة بأنفاس الفنان ونبضاته ولواعجه وحسراته وتشوقاته وخبراته وقراءاته. ان الفنان المبدع كثيرًا ما يتجاهل المكان الواقعي الذي يعيش فيه فعليًا ويجلب إلى لوحاته بدلًا منه مكانًا يحمل ذكرياته المنطبعة بقوة في مخيّلته عن مكان ربطته به صلة في الماضي، وقد لا يطرد الفنان في بعض الاحيان ذلك المكان القديم من وجدانه الحاضر، وانما يكتفي بالتداخل معه، فيبدو لنا المشهد الطبيعي المرسوم في اللوّحة مطعمًا بشذرات، تقلّ او تكثر، من مشاهد المكان القديم، لهذا يصدق القول: إن المنظر الطبيعي ليس صورة ملتقطة من عدسة آلة لا تحس ولا تفكر، بل هي في حقيقيتها حالة نفسية تتأثر بعوامل متعدّدة تتعلّق بذاتية الفنان.
يقع الكتاب في 144 صفحة من القطع المتوسط، ويضمُ مجموعةً من ابداعات عدد وفير من الفنانين المصرين، منذ البدايات الأولى لهم، حتى سنة صدور الكتاب، وإلى جانبها تعليقات تغني القارئ وتثريه في معرفة المكان وانعكاساته في الفن عامة، وفي الفن التشكيلي خاصة.
من الملاحظات التي يقدّمها الكتاب لقارئه ان تصاوير الريف والخلاء قد تناقصت لدى الفنان العربي المصري الحديث، لتحلّ محلها تصاوير المدن بعمائرها ومصانعها، ويرى المؤلف ان الفنان الحضري تبعًا لهذا ازداد دخولًا إلى مرسمه واغلاقًا لبابه عليه، مما حوّل اماكنه إلى اماكن شديدة الخصوصية، ومن ثمّ زاد تركيز الفنان على تأمل هذه الاماكن والتغلّغل إلى اعماق الاشياء، كما فعل التكعيبيون الاصلاء فيما يتعلّق بتصاويرهم للطبيعة الصامتة؛ ويعقّب المؤلف على هذا كله قائلًا: لعلّ عبارة المصوّر الايطالي جورجيو موراندي القائلة: " ان المرء قد يجوب العالم كله ولا يرى شيئًا"، لعلّ هذه المقولة تعزّز قصر عدد من الفنانين المحدثين تقصياتهم التشكيلية على الاماكن الحميمة واللصيقة بهم.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com 


مقالات متعلقة