الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 10:01

السعودية تستطيع أن تقول "لا"

دكتور رمزي عودة

رمزي عودة
نُشر: 11/12/20 17:06,  حُتلن: 10:18

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

أثارت إسرائيل خلال الاشهر القليلة الماضية موجة من الترويج عن العلاقات التطبيعية بين العربية السعودية وبينها، وإستغلت المصادر الإسرائيلية في عملية الترويج هذه سماح السعودية مؤخرا لمرور الطائرات الإسرائيلية المدنية فوق أجوائها، اضافة الى تزايد نشاط بعض المطبعين السعوديين الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي. كما سربت وسائل الاعلام الاسرائيلية مؤخرا خبرا عن لقاء سري في مدينة نيوم السعودية جمع رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو ووزير الخارجية الامريكي بومبيو مع الامير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، وقالت هذه المصادر بأن هذا اللقاء السري جاء في إطار التنسيق الأمني المشترك ضد إيران. وبالرغم من نفي السعودية لهذا الخبر، وعدم تأكيده من قبل نتنياهو نفسه، إلا أنه يبدو من الواضح بأن نتنياهو يريد أن يحقق بعض المكاسب السياسية الداخلية من خلال إظهاره أمام الرأي العام الاسرائيلي بأنه صانع التطبيع مع أكبر دولة عربية وهي العربية السعودية.
يبدو جليا أن السعودية ليست كالإمارات العربية المتحدة، حيث أن الأولى تعتبر صاحبة أكبر إقتصاد عربي، وتمتلك أقوى جيش في المنطقة العربية، وتنفرد في زعامة الإقليم العربي، كما أن لها أجندات أيديولوجية ومكانة دينية تجعلها دولة محورية في العالم الاسلامي. وفي السياق، فإن العربية السعودية لا تخفي نواياها بأهمية أن يكون لها دور ريادي في الحفاظ على الأماكن المقدسة الإسلامية في مدينة القدس. بالمقابل، يمكن القول بأن إتجاه البحرين والإمارات المتحدة نحو التطبيع مع إسرائيل لا يجب أن يفهم بأنه تم وفقا لمباركة سعودية، فالإمارات لها مواقفها المستقلة والمتعارضة أحيانا مع السعودية تجاه بعض قضايا المنطقة مثل القضية الفلسطينية والقضية اليمنية والليبية وغيرها من القضايا. صحيح أن الدولتين تتفقان بخصوص الخطر الإيراني على المنطقة وأهمية تفعيل الدور الأمني الإسرائيلي المضاد لهذا الخطر، الا أنهما يختلفان في الكثير من التفاصيل حول طريقة إدارة هذه الملفات الأمنية.
في الواقع، لم تفلح الضغوط الأمريكية في عهد إدارة ترامب بإجبار العربية السعودية على توقيع إتفاقية تطبيع بين السعودية وإسرائيل، وقد أعربت السعودية في مواجهة هذه الضغوط عن رغبتها في إنتظار نتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، ولم تؤدي هذه الضغوط سوى بإنفراج بسيط في العلاقات الاسرائيلية السعودية، واستمرت هذه الضغوط الأمريكية حتى اللحظات الأخيرة من عهد إدارة ترامب، وهو ما شهدناه مؤخرا من زيارة بومبيو الى المنطقة قبل أن يحزم حقائبه من مبنى وزارة الخارجية. وفي تصريح لمصدر سعودي لم يكشف عن إسمه أشار الى أن هذا اللقاء وإن تم، فانه لم يؤدي الى التوصل الى إتفاق عام بين الطرفين. وبالنتيجة، وكما أوضح الأمير تركي الفيصل الرئيس الأسبق للإستخبارات السعودية ومدير مركز أبحاث الملك فيصل، في مؤتمر الأمن في المنامة بأن الإسرائيليين "يصرحون دائما برغبتهم أن يصبحوا أصدقاء مع السعودية الا أن السعودية لا يمكنها قبول صداقة دولة استعمارية تصور نفسها بأنها دولة صغيرة ومهددة من قبل جيرانها".
لقد توالت تأكيدات العربية السعودية على الموقف الثابت تجاه القضية الفلسطينية، فقد أكد العاهل السعودي في إجتماع مجلس الشورى السعودي عن كون القضية الفلسطينية ما زالت هي القضية المركزية في السياسة السعودية، داعيا الى إحترام القرارات الدولية والمبادرة العربية للتوصل الى إتفاق نهائي. كما أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لوكالة فرانس برس بأن السعودية ما زالت متمسكة بالمبادرة العربية كإطار لحل النزاع في فلسطين، مؤكدا على أنه "بدون تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإننا لن نرى سلاما حقيقيا واستقرارا في المنطقة". وفي تطور مثير للانتباه هاجم الأمير السعودي تركي الفيصل إسرائيل خلال مؤتمر الأمن في المنامة، واصفا إياها بـ "قوة إستعمارية"، كما أعرب الأمير فيصل عن شكوكه في جدوى وأهمية الإتفاقات التي وقعتها دول خليجية معها في الوقت الذي لم يتم تسوية الصراع الإسرائيلي في المنطقة؛ وهو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
يؤكد الخبراء في الشؤون العربية إستبعاد أن تقدم السعودية على خطة التطبيع في الوقت الحاضر بسبب الإرث الديني والعروبي لديها كما يقول الخبير في الشؤون السياسية، محمد قواص، في حديثه لشبكة الاعلامية الألمانية DW، ويؤكد قواص بأن "حل الدولتين قد لا يجهض بسبب موسم التطبيع الذي حصل مؤخراً، لأن حل الدولتين مرتبط أكثر بالموقف الأمريكي، الذي سيتغير مع جو بايدن وعودته إلى نهج السياسة الأمريكية التقليدية تجاه الموقف العربي"، وهو الموقف الذي تراهن عليه العربية السعودية في المرحلة القادمة. ومن جانب آخر، أوضح الخبير الإستراتيجي السعودي محمد القبيبان في مقابلة خاصة مع شبكة RT بأن "وجود الخطر الإيراني المشترك لا يعني خروج عن سياسة المملكة العربية السعودية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والمتمثل بالمبادرة العربية".
وفي المحصلة، يبدو واضحا أن السعودية أرسلت رساله واضحة الى نتنياهو بأن يتوقف عن ممارسة دور رجل السلام مع الدول العربية، معتبرة أن هذا الدور لا يليق به، لاسيما أن إسرائيل إغتصبت الارض العربية وشردت شعبها وهي غير جادة بتاتا بالتسوية السلمية. كما يبدو أن السعودية مصرة بإعتبارها أهم وأكبر دولة عربية وإسلامية وإقليمية بأن تحصل على ثمن سياسي من هذا التطبيع، وهذا الثمن هو تحقيق دولة فلسطينية وفقا للمبادرة العربية كمرجعية للتسوية. وفي الوقت الذي تروج فيه إسرائيل تقارير تفيد بأن السعودية ماضية في ركب التطبيع، الا أن غالبية هذه التقارير "تأتي على سبيل التمني" كما يقول يوئيل غوزانسكي، الزميل البارز في "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي". وفي السياق، فإن العربية السعودية نجحت بإقتدار بأن تقول لا للتطبيع لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة