الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 18:02

العمل البرلماني والعمل الجماهيري: أشباه الرجال وأزمة الطموح والآمال د. سامي ميعاري

د. سامي ميعاري-
نُشر: 24/01/21 12:23,  حُتلن: 14:43

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

العمل البرلماني والعمل الجماهيري عمل قيادي، تكليف لا تشريف، ولا شك في أنه غير سهل، تكتنفه الصعوبات وتحفه المخاطر وفيه تحديات ومشكلات كبيرة، خاصة عندما يتعلق بأقلية مضطهدة في نظام حكم لا يتوانى عن إقصاء هذه الأقلية وتهميشها واضطهادها.
وقد عانى فلسطينيو الداخل من أشكال هذا الاضطهاد، ومروا بفترات عصيبة ومريرة وشاقة، فجربوا تأسيس الأحزاب وعانوا من مُصادرة الأراضي وكلّ ما من شأنه اجتثاثهم حتى بالقتل أحيانا ... ومن الحتمي بأن تجربتنا في العمل السياسي والنقابي لم تكن مفروشة بالورود، ولم تكن بمثابة نزهة بل كانت شكلا حضاريا وسلميا من أشكال النضال ضد الظلم والتهميش والإقصاء وغيرها من أنواع الاستبداد... وفي كل تلك الفترات كانت للجماهير العربية قيادتها من سلطات محلية ومن نخب برلمانية وحزبية، ولا شك في أن نهج تلك القيادات العربية التاريخية وعملها قد مرّ بفترات ومراحل انتقالية.
فقبل الفيس بوك وتويتر كان عمل القيادات يتسم بالجِدية ويعتمد على العمل والفعل وتنفيذه على أعلى المستويات: من إقامة ندوات وتنظيم مظاهرات ومن خلال التصدي بقوة لكل سياسات الحكم القائم وقد عانت القيادات العربية في كل تلك الفترات من الاعتقالات والتشريد والإهانات من قبل السلطات الحاكمة المستبدة وسددت تكاليف باهظة جراء عنفوانها في مواجهة الاستبداد.
أما اليوم فنحن أمام عمل مختلف تقوم به القيادات العربية في الداخل، وانجازات وهمية مخيبة للآمال ومختلفة عن سابقاتها شكلاً ومضموناً، فاليوم تجد صورة القائد ملحقاً بالخبر القصير...
يحاولون أن يركبوا على ظهور أعمال وأنشطة ضعيفة لا قيمة لها في حجم المعركة الوجودية التي يتعرض لها فلسطينيو الداخل، فتجد عملية نفخ للخبر الصغير ومحاولة تقديمه على أنه عمل بطولي استثنائي غير عادي من قائد نوعي في مرحلة غير عادية.
اليوم تشاهد الذين سماهم علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أشباه الرجال ولا رجال..
اليوم ترى القادة على الورق ومن خلف الساتر الزجاجي المعتم، القائد الذي ينطبق عليه قول الله تعالى في القرآن الكريم : " كَبُرَ مقتاً عندَ اللهِ أن تقولوا ما لا تفعلون".
فعلى سبيل المثال على هذه المهازل أن تطالع النماذج الآتية من الأخبار:
جلس عضو الكنيست .... مع مدير مدرسة ...... للاستماع لمطالب المدرسة، والاطلاع على احتياجاتها، ثم ما يلبث هذا الخبر أن يعم جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.
ثم ماذا حدث بعد هذا الاستماع وبعد تلك الزيارة التاريخية للقائد المظفر؟
فيما تطالع أخباراً هزيلة تشبه سابقها، مثل: اجتماع عضو الكنيست مع الطلاب الجامعيين. فتلمس من خلال هذه الأخبار الفارغة حجم أزمة الهدف والوسيلة لدى هذه القيادات الطارئة على المشهد العربي ...
بينما يميل قادة آخرون إلى إظهار قدراتهم النوعية غير المسبوقة من خلال التصريح عن حجم الخسائر التي تلحق المجتمع العربي جراء تقليص الميزانيات، وهذا ليس مأخوذاً من عبقريته الفذة ومتابعته الحثيثة بقدر ما هو منقول عن محلل أو خبير اقتصادي. ولا يتعدى دور القائد في هذه الحالات الناقل الذي لا إبداع عنده ولا تدبير.
وآخر يطالب بإنشاء خمسين ألف وحدة سكنية في منطقة كذا ويطالب بتوسيع مناطق النفوذ من خلال تشغيل المرأة، ثم ماذا بعد؟ وماذا بعد؟
وهل هذه الأخبار فعلاً حقيقة؟
وهل هذا هو العمل الحقيقي للقيادة العربية في البرلمان؟
هل هذا يشبه القائد الذي عرفناه سابقا؟
أين المسؤول الذي قال عنه الرسول الكريم محمد – عليه الصلاة والسلام- : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
أين الإخلاص والتفاني الذي قال عنه الرسول الكريم: " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه".
أين القائد الذي يكون بمستوى المرحلة؟ ولا تغفو له عين ولا تهدأ له بال إلا في خدمة شعبه ووطنه؟
يقودهم في كل الظروف السيئة والحسنة لا ينام وهنالك طفل جائع أو بيت غير مستور
يجند طاقاته ويحشد إمكاناته وقدراته في سبيل العيش الكريم لأبناء أُمته
لقد كان عضو الكنيست العربي قبل أربعين عاماً يضع مرتبه في جمعية ويأخذ جزءاً منه مصروفاً له.
ماذا عن قيادات اليوم وعن خططهم وعن إنجازاتهم
وما مستقبل وجودنا وبقائنا في ظل قيادات سطحية ضحلة من هذا النوع؟
إن الإنسان المسؤول يقف أمام عدة محاكم لو أراد أن يكون بمستوى المسؤولية، فهنالك أولا وأخرا مسؤولية أمام محكمة النفس – الضمير: وهي من أصعب المسؤوليات، وتشكل أهم دافع يجب أن يحفز الإنسان السوي إلى الاستقامة والتحلي بصفات القائد النوعي، وهنالك المحكمة الربانية: التي تسأل كل راع عن رعيته، وهنالك المحكمة الشعبية: التي يمثلها الناس وهم الأقدر على تقييم أي عمل، ولا شك بأن هنالك محكمة تاريخية: لكل مسؤول فإما أن يخلد ذكره في صفحات التاريخ المشرق الجليل وإما أن يتزوي اسمه في دائرة سوداء مغلقة على أسوأ أنواع السيرة التي لا تجلب لصاحبها كلمة طيبة ولو بعد مماته.

مقالات متعلقة