الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 30 / نوفمبر 00:02

أحرجهم يا منصور - بقلم: د. سلام قدسي

د. سلام قدسي
نُشر: 29/01/21 23:38,  حُتلن: 08:44

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

عندما أعلن د. منصور عباس رئيس كتلة الحركة الإسلامية بالكنيست استعداده للتعاون مع رئيس الحكومة لحل مشاكل المجتمع العربي الاخذة بالتفاقم، اعترضت مركبات القائمة المشتركة الأخرى على نهجه ووصفته بتجاوز الخط الأحمر، فتفككت القائمة المشتركة.
في الحقيقة ان ما قام به د. منصور عباس هو عمل شجاع يدل على رؤية مستقبلية لابد منها لمواجهة سناريوهات قاتمة تنتظر المجتمع العربي في العقود القادمة، مستقبلات سوداء لا يمكن تداركها الا بتعاون كامل مع الحكومة، بعد ان فشلت سياسة "ما بحك ضهرك الا ضفرك" التي انتهجتها الأحزاب العربية فأنفقت عشرات السنوات في الهامش ولم تستطع الجمعيات التطوعية او الحركات الشعبية تغطية الفراغ الذي تركه اختيار تحييد السلطة والجلوس على مقاعد المتفرجين ومشاهدة تطور مجتمعات اليهود الشرقيين والمتدينين والقادمين الجدد كيف تزدهر بمؤسساتها التعليمية والاجتماعية وبناء الحارات والبلدات الجديدة لها، بينما نحن نتفرج ونؤمن بانه قدرنا المكتوب كما افهمتنا قيادتنا التي تقتات على العنصرية والتميز.
المجتمع العربي بحاجة الى خطة تدخل حكومية عميقة تجتث منه افة العنف المستشري وتنهض بالتعليم وتحقق الانصاف الاجتماعي في كافة مرافق الحياة، هذا يتم من خلال وضع خطة عمل شاملة فيها أجوبة واضحة وعينية لقضايا السكن والبناء وقضايا التربية والتعليم ودمج العرب بالدولة كمواطنين متساوين. خطة تضعها الحكومة بمشاركة القيادة العربية المستقبلية التي ترى بنفسها ندًا وشريكًا بعيدًا عن نهج البكاء فوق موائد اللئام.
كانت نكبة شعبنا في العام 1948 نتاج حلم صهيوني مستقبلي وضعه هرتسل في العام 1897 وتم تحقيقه بأقل من 50 سنة من خلال تخطيط وعمل ودهاء من قبل الحركة الصهيونية العالمية. بينما نام شعبنا عن المؤامرة التي حكيت ضده في الخفاء. وما ان انتبه في سنوات العشرين من القرن الماضي حتى ثار بتلقائية الفلاح والعامل دون تخطيط او تنظيم فقمع وغاب خلف قضبان ظلم التاريخ. ها هي تمر مائة عام وندخل من جديد في دائرة تاريخية بحلول العام 2021 الذي ينذر بانهيار اجتماعي لشعبنا. فيخرج د. منصور عباس صارخًا منذرًا بنكبة جديدة توشك ان تعصف بمن تبقى من مجتمعنا الفلسطيني في الداخل، فمجتمعنا يكاد يختنق في قراه ومدنه المحاصرة بالبلدات اليهودية التي منعت امتداد التوسع الطبيعي للبناء. قرانا ومدننا التي يبلغ تعدادها اليوم 108 بلدة من أصل 468 قبل نكبتنا الأولى اذ تم هدم وتهجير 80% عام 1948. بينما تم إقامة أكثر من 700 بلدة يهودية جديدة منذ العام 1948 بالمقابل لم يتم بناء أي بلدة عربية واحدة، مع العلم ان عدد السكان العرب ارتفع من 150 ألف نسمة بقوا في وطنهم الى نحو 2 مليوني مواطن اليوم. كيف يعقل ان تتسع ذات البلدات ال 108 بلدة عربية الى كل هذا التزايد، طبيعي ان تختنق قرانا ومدنا وتعج بالعنف. في العام 2048 سيبلغ تعداد السكان العرب نحو 3 ملاين نسمة بحسب نسبة الازدياد الطبيعي، كيف يعقل ان نبقى بنفس عدد البلدات ال 108 وبنفس الشوارع التي لا يمكن شق بدائل عنها. أسباب العنف تزداد على كل شبر من أرضنا، سوف نأكل بعضنا البعض على موقف سيارة او على بناء غير مرخص على حساب قريب لنا او جار.
هذا مؤشر واحد من مؤشرات المستقبل الواضحة التي يجب ان نفكر بحلها فورًا. ولا طريق لحلها الا بالتفاوض على مستقبل أطفالنا مع الحكومة والسلطة، لا يعقل ان نبقى على الهامش فهذا خيانة لجيل المستقبل.
حلمنا في تحقيق العدالة لأطفالنا في العام 2048 الذين سيبلغون سن الرشد وقتها، يتناقض مع حلم المجتمع اليهودي، هذا الحلم الذي تم وضع سيناريوهاته وخصصت له الأراضي والموارد داخل وخارج الخط الأخضر. اراض تم تحريشها بالأشجار لتشكل مخزون احتياطي المستقبل لبناء البلدات اليهودية المستقبلية اذ سيبلغ تعداد السكان عام 2048 نحو 15 مليون نسمة، سيتم انشاء عشرات البلدات الجديدة لاحتواء الأجيال الجديدة لينعموا بالرفاهية وجودة الحياة، بينما سيغوص مجتمعنا أكثر فأكثر بمستنقع العنف في بلداته التي ستكتظ بالسكان على نحو غير مسبوق.
كيف سيتنازل اليهودي عن حلمه ويضحي للعربي عن قطعة من احتياطي بناء مستقبله؟
فقط بحزب قوي ومرن يمكن ان يفاوض السلطة لتتنازل للمواطنين العرب عن حقهم بالمستقبل. نحن بحاجة لطرح قضينا المستقبلية والتركيز عليها ووضعها امام الراي العام والتأثير من خلال طرح جريء.
د. منصور عباس يقدم طرحًا مستقبليًا عقلانيًا واضحًا وهو ما يميز السياسة العصرية الأكثر مرونة وسرعة من سياسات الماضي. سياسة غير مألوفة لجماهيرنا التي اعتادت على اجترار خطابات رنانة من عهود غابرة.
د. منصور عباس بطرحه السياسي أحرج اليمين ورئيس الحكومة بيبي نتنياهو الذي أدرك قوة الفكرة التي جاء بها عباس فراح يجوب الشارع العربي ملوحًا بخطة عباس المستقبلية فأعطته الاستطلاعات مقعدين من الجمهور العربي. من الضروري الانسحاب من المشتركة لمنع تسرب الأصوات العربية لحزب الليكود. من جهة ثانية أحرج د. منصور الأحزاب العربية بانشقاقه على عكس توقعاتهم بخضوعه ومساومته على غنائم انهزام الحركة الإسلامية.
أحرجهم يا منصور واستمر في بنائك لمستقبل أبناء مجتمعنا، عيوننا ترنوا للعام 2048، عام نهضتنا المنشودة لا عام نكبتنا الثانية المحتومة والتي تحاك لنا من جديد لأن نهضة مجتمعنا وازدهار امتنا تتناقض مع ازدهار ونهوض مجتمعهم.

د. سلام قدسي
الناصرة

مقالات متعلقة