الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 23:01

رصد المستقبل المنشود لمجتمعنا العربي

بقلم: د. سلام قدسي

د. سلام قدسي
نُشر: 01/02/21 18:14,  حُتلن: 23:21

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

فيما يلي أضع تصورًا لمميزات أجيال المجتمع العربي الفلسطيني من النهاية القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا، مع تقديم سيناريوهات محتملة لجيل الغد.

بحسب المنهاج العالمي لرصد الأجيال وتتبع سيرورة المستقبل تم تحديد مدى بين 15-20 سنة لكل جيل، على فرض أن مواليد هذا المدى من السنوات يشبهون بعضهم بعدد من المميزات التي تم صقلها نتيجة تعرضهم لأحداث وأوضاع متشابهة في تلك السنوات. في الطراز العالمي مثلا تم إطلاق مسميات مثل الجيل الضائع على جيل الشباب الذين خاضوا الحرب العالمية الأولى التي ازهقت ملايين الأرواح منهم عبثًا، والجيل العظيم على الجيل الذي خاض الحرب العالمية الثانية التي كانت غاية في الأهمية بنظرهم.

من المتعارف عليه أن يتم وضع سنة ميلاد أصحاب الجيل المقصود مع العلم ان مميزات ذاك الجيل لا تظهر في ميلادهم بل في سنوات بلوغهم أي في سن العشرين وأكثر حيث ينخرطون بشكل فعلي بالحياة العملية ويساهمون في المجتمع. مثلا بقرب الجيل العظيم الذي شارك في الحرب العالمية الثانية يُكتب مدى السنوات بالطريقة التالية: (1910-1924) وهذا يعني ان الأكبر سنُا من بينهم ولدوا عام 1910 بينما الأصغر سنًا ولدوا عام 1924، مع العلم ان الحرب العالمية الثانية حدثت بين السنوات 1939-1945.

من المهم الانتباه إلى ان الأجيال تتأثر ببعضها البعض، وكل جيل على الأغلب هو ابن لجيل سبقه بمرحلتين.

في هذا مقال سأفصل أجيال المجتمع العربي الفلسطيني بحسب قراءتي للظروف والأحداث التي سادت في كل جيل.

جيل سنة الثلجة (1890-1914)

كان المجتمع الفلسطيني مجتمع في أغلبه فلاحي منهمك بالعمل في أرضه وماشيته يعيش في ظروف فقر تحت الحكم العثماني. اعتمد في إدارة شؤونه الاجتماعية على العائلية، واحتكم إلى الأعراف الدينية والعادات والتقاليد. نسبة الأمية وصلت الى نحو 90%. مواليد هذه الأعوام بلغوا سن الرشد غير منتبهين للمشروع الصهيوني الذي كان يحاك في الخفاء من قبل الحركة الصهيونية العالمية. خرجت من هذا الجيل قيادة الثورة في العام 1937 وكانت قيادة تقليدية دينية ترأسها مفتي القدس أمين الحسيني. يمكن ايضًا إطلاق اسم جيل السذاجة او الوداعة على هذا الجيل لأنه كان منغمسا بنمط الحياة التي توارثها عن آبائه معتقدًا انها ستدوم.

أصل التسمية: سقوط الثلوج على أرض فلسطين في شتاء مطلع العام 1911.

جيل وعد بلفور (1915-1929)

جيل نشأ في ظل الصحوة القومية العالمية والعربية، وعلى فرض الانتداب البريطاني على أرض فلسطين بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وزوال الدولة العثمانية وكشف وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين. ازدادت نسبة التعليم وقلت نسبة الأمية لتبلغ 60 %. جيل شهد الانحياز البريطاني لليهود والسماح لهم ببناء المستوطنات وحيازة السلاح وشراء الأراضي عن طريق الوكالة اليهودية وتنظيم العصابات التي أخذت تستعد لخوض عملياتها الارهابية. هذا الجيل خاض الثورة الكبرى والإضراب الكبير عام 1937 وعانى الامرين من ممارسات البريطانيين ضده. إذ قمعت ثورته واستنزفت طاقاته وتم سجن أو نفي او اعدام قادته الميادين بمن فيهم قادة الأجيال السابقة بمن فيهم امين الحسيني. تعرض هذا الجيل أكثر من أي جيل مضى للويلات، فبعد ان تم التنكيل به بعد أحداث الثورة الكبرى، تعرض لبطش الجيش الهجانا والعصابات الإرهابية التي خاضت حربها لإقامة دولة إسرائيل. من أبرز قيادات هذا الجيل عبد القادر الحسيني الذي استشهد بمعركة القسطل قضاء القدس عام 1948. جيل عانى من القمع والظلم والتهجير فخيم عليه الصمت والاستسلام.

سبب التسمية وعد بلفور بتاريخ 2.11.1917 الذي كان بمثابة ناقوس خطر أيقظ الشعب الفلسطيني من وداعته.

جيل النكبة (1930-1947)

ولِد هذا الجيل في رحم أحداث تاريخية مصيرية شهدتها أرض فلسطين. ثورات واضطرابات في كل أرجاء البلاد. قمع وتنكيل من قبل الانتداب البريطاني نحو الفلسطينيين، مقابل تميز وتمهيد لبناء وطن لليهود على أرض فلسطين. جيل عاش التغريبة الفلسطينية بتفاصيلها، فتهجر واقتلع من أرضه في طفولته وتحول الى لاجئ في سن مبكرة. من بقوا من أبناء هذا الجيل داخل فلسطين بعد النكبة خضعوا الى الحكم العسكري وترعرعوا في بيئة من خيم عليها الخوف والترهيب. من هذا الجيل خرجت قيادات الثورات الفلسطينية في المهجر وعلى راسهم ياسر عرفات. بينما تشكلت داخل إسرائيل قيادات محلية عشائرية (مخاتير) لإدارة شؤون القرى والبلدات العربية معلنة ولائها لدولة إسرائيل. ارتفعت نسبة التعليم وقلت نسبة الامية لتصل الى 30 %.

نشط من أبناء هذا الجيل شعراء عرفوا بشعراء المقاومة من أبرزهم: محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد.

أصل التسمية: نكبة فلسطين عام 1948.

جيل المشائل (1948-1966)

جيل ما بعد النكبة هم أبناء بقايا الشعب الفلسطيني ممن بقي داخل وطنه صدفة لا طوعًا (تم تهجير 80 % من الشعب الفلسطيني الى خارج حدود دولة إسرائيل عام 1948، فمن أصل 1.3 مليون فلسطيني كانوا يشكلون 66 % من مجمل تعداد السكان في فلسطين، بقي 150 الفًا فقط، إضافة الى هدم نحو 500 قرية عربية وإبقاء 108 هي قرانا ومدننا الحالية).

حاول أبناء هذا الجيل امتصاص الصدمة واستيعاب حقيقة قيام دولة إسرائيل، وتحوله من شعب ذي أكثرية سكانية، راوده حلم إقامة دولة اسوة بالدول العربية المجاورة، الى اقلية داخل بلاد صادرت معظم أراضيه وهجرت غالبية أبناء شعبه. هذه الأقلية خضعت لحكم عسكري ومنع تجول على مدار عقدين من زمن بعد قيام الدولة.

هذا الجيل تربى في ظروف قاهرة من الفقر وشظف العيش، فبينما كانت الدولة الجديدة منشغلة ببناء ذاتها واستيعاب اليهود القادمين الجدد الذين تدفقوا إليها من كل بقاع الأرض، اهملت المواطنين العرب وفرضت عليهم شتى أنواع القيود وبثت بينهم المخابرات للسيطرة عليهم ومنعهم من أي محاولة للثورة او الاحتجاج. كبر هذا الجيل في ظل هذه الظروف القاسية وشهد نكسة العام 1967 وهزيمة الجيوش العربية واحتلال الضفة الغربية والقدس الغربية وقطاع غزة وسيناء وهضبة الجولان. عوضًا عن كونه جيل الآباء عايشوا قمع الانتداب البريطاني وويلاته، فأصابته حالة من الانفصام بالشخصية إذ أدرك أن ضياع فلسطين أصبح حقيقة لا رجعة منها. عبر عن هذه الحالة الأديب الفلسطيني إميل حبيبي من خلال روايته المتشائل.

ارتفعت نسبة التعليم وانخفضت نسبة الأمية الى نحو 20 %.

نشأت قيادات جديدة معارضة لنهج الحكومة تجاه المواطنين العرب وساهمت في أحداث يوم الأرض عام 1976 احتجاجًا على سياسة مصادرة الأراضي المستمرة التي ستودي بحياة 6 شهداء من أبناء هذا الجيل.

أصل التسمية: رواية المتشائل للأديب الفلسطيني إميل حبيبي التي صدرت عام 1974.

جيل الهوية (1967-1982)

جيل ولد بعد نكسة 1967 مقتنعا أنه لا يمكن الاعتماد أكثر على الدول العربية او على أي طرف خارجي، ويقرر خوض معركته بنفسه متبعًا المثل القائل " ما حك ظهرك غير ظفرك".

ارتفعت نسبة التعليم بنسبة كبيرة وكادت نسبة الامية تختفي. خرجت المرأة للعمل والتعليم خارج البيت والحقل. انخفضت نسبة الولادة في المجتمع العربي لأول مرة وأصبح معدل الإنجاب 6 أطفال للعائلة.

مع تحسن الأوضاع الاقتصادية للمجتمع العربي في الداخل وتحسن الأوضاع الاقتصادية بالدولة بشكل عام، خرج هذا الجيل للعمل في المصانع وورشات البناء والتحق بالجامعات والمعاهد العليا.

خرجت من هذا الجيل قيادات قادت المجتمع العربي في العقود اللاحقة واختلفت فيما بينها حول تحديد علاقتها مع الدولة ومؤسساتها بين مؤيد ومعارض.

اهم سؤال راود هذا الجيل تمحور حول تحديد الهوية لأبناء الأقلية العربية الفلسطينية في ظل تنامي الحركة الوطنية الفلسطينية في الخارج ونشوب حرب لبنان الأولى عام 1982 وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين فيها، وانطلاق الانتفاضة الأولى عام 1987 في الضفة الغربية وقطاع غزة.

نسبة الانجاب 6 أطفال للأسرة الواحدة.

سبب التسمية: سؤال هذا الجيل عن هويته.

جيل الهبة (1983-1999)

هذا جيل ثالث بعد النكبة عاش في ظل ظروف رفع نسبة التعليم الأكاديمي في المجتمع العربي وحدوث تقدم اقتصادي وظهور طبقة وسطى من أصحاب الحرف والمهن والأكاديميين، إضافة الى ازدياد النشاط السياسي للحركات والأحزاب العربية لاسيما على ضوء مفاوضات السلام مع منظمة التحرير الفلسطينية - اتفاقية اوسلو، شعر هذا الجيل بانتماء لمجتمعه واعتزازه بهويته الفلسطينية.

على الرغم من حرمانه من حقه في تعلم تاريخ شعبه وأدبه وشعره في مدارسه التي خضعت منذ قيام الدولة الى الرقابة الصارمة من قبل أجهزة أمن الدولة، ووسط سياسة ممنهجة لمحو الهوية الفلسطينية من ذاكرة هذا الجيل الا أنه ثار لثورة اهله في الضفة وغزة عام 2000 في انتفاضة الأقصى استشهد خلالها 13 شابا من أبناء هذا الجيل.

جيل أكثر تعلما من الأجيال السابقة منغمس بعمله بجد، مرفوع القامة معتز بهويته.

نسبة إنجاب 4 أطفال للأسرة.

أصل التسمية: هبة اكتوبر عام 2000.

جيل الطفرة (2000-2020)

هذا الجيل ولد مع ثورة عالمية من نوع جديد لم نعهدها من قبل هي ثورة الشبكة العنكبوتية والتواصل الرقمي وانتشار الأجهزة الخلوية التي أصبحت بمتناول يد الجميع. هذه الثورة التكنولوجية سلخت هذا الجيل عن سيرورة الأجيال للمجتمع العربي وادخلته الى عوالم افتراضية عالمية أصبحت بمتناول يده في كل لحظة.

هذا جيل متصل 24 ساعة باليوم عبر الشبكة العنكبوتية، ذكي جدًا ويبحث عن هويته الفردانية الخاصة به غير آبه بالهوية الجمعية لمجتمعه.

اباء هذا الجيل من الأجيال السابقة وبعد احداث هبة أكتوبر وحدوث شرخ عميق بين المجتمع العربي والمجتمع اليهودي، وانتشار الجريمة والعنف في المجتمع العربي، وجدوا بهذه الأجهزة بديلا عن الحارة والناي لقضاء أولادهم أوقات امنة غير مهتمين لمضامين العالم الافتراضي.

جيل الطفرة يمتاز بتفرده وميله للعزلة الاجتماعية وتفضيله للتواصل الاجتماعي عبر الشبكة والعالم الافتراضي. جيل معتمد على ذويه، لحوح في طلباته، مستقل في قرارته، لا ينصاع للأوامر.

هذا الجيل يشكل تحدي لنمط نظرية الأجيال للمجتمع العربي، اذ يصعب تحديد هويته او انتمائه، ويفضل عدم المشاركة بالحياة السياسية او الحزبية ونسبة التصويت لديه هي الأدنى مقارنة مع باقي الأجيال.

جيل يرغم بتحقيق ذاته دون ان يبذل الكثير من الجهد، لا يميل للعمل في مكان واحد وثابت بل يفضل التنقل وتغيير عمله كل حين.

نسبة المتعلمين من هذا الجيل ستكون الأعلى بين كافة الأجيال السابقة ومهن المستقبل التي تنظره ستكون مختلفة على ضوء الثورة التكنولوجية المستمرة والتي تغير كل مناحي وأنماط حياتنا اجتماعيًا، اقتصاديًا، سياسيًا، بيئيًا وديموغرافيًا.

نسبة إنجاب 3 أطفال للأسرة.

سبب التسمية: انسلاخ الجيل عن السيرورة الطبيعية وإحداث طفرة نوعية في تطوره.

جيل ما بعد الطفرة (2021-2040)

يصعب رصد الأجيال اللاحقة لجيل الطفرة، اذ ان الحياة تغيرت بشكل غير مسبوق نتيجة للثورة التكنولوجية الحديثة، وعلى الأرجح أن الجيل الجديد الذي بدأ بالولادة للتو سيشكل طفرة من نوع جديد لا تشبه ما عرفناه. مع ذلك سنحاول الاسترشاد بمميزات جيل الطفرة السابق:

على الاغلب سيكون جيلا منغمسا في تحقيق ذاته وإنجازاته مستفيدًا من التكنولوجيا التي ستجعل من حياته أسهل، وفرص نجاحه أكبر، وتغنيه عن الكثير من المهام والأعمال التي نعرفها اليوم. هذا الجيل لا تعنيه القومية والوطنية أو الانتماءات الجمعية.

لغته لغة عالمية يتعلمها من خلال الشبكة والتواصل. المدرسة بالنسبة له ستكون مرحلة عابرة بحياته وعلى الأغلب مملة يرغب بنسيانها، التعلم الحقيقي سيكون ذاتيًا وليس على مقاعد الدراسة.

الفروقات الفردية بين أبناء هذا الجيل تتسع وتزداد، جزء كبير من أبناء هذا الجيل سيحقق انجازات كبيرة مستفيدًا من التقدم التكنولوجي ودعم الأجيال السابقة، بينما سيغرق جزء آخر من مجتمعنا في العنف والجريمة نتيجة لخيبة الأمل التي ستصيب جزء كبير من شبابنا الذين لم يتح لهم تحقيق الإنجازات محاولة التعويض عن ذلك بلجوئهم إلى العنف والمخدرات وآفات أخرى.

وظيفتنا بناء خطة عمل مستقبلية وقائية لحماية إنجازات هذا الجيل ومساعدة الفئات الضعيفة من اليوم من خلال وضع خطة تعليمية وطنية لأطفال وطلاب من خلفيات اقتصادية اجتماعية ضعيفة او ذوي عسر تعليمي او مشاكل سلوكية وغيرها.

بالإضافة الى مكافحة الجريمة وسحب السلاح غير المرخص والحد من انتشاره.

في مقالة أخرى سأوضح طرق العمل وأدوات التربية المستقبلية للتعامل مع جيل ما بعد الطفرة من اجل ايصاله الى مستقبل آمن.  

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     


مقالات متعلقة