للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E
تلجرام t.me/alarabemergency
د.سلام قدسي في مقاله:
للخروج من هذا الوضع في مجتمع العربي يجب خوض حرب شرسة فورية ضد عصابات السلاح بالتعاون مع الشرطة والحكومة بأذرعها المختل
يجب وضع خطة تدخل شاملة لجهاز التربية والتعليم التقليدي فكل شاب حتمًا بحسب قانون التعليم الإلزامي سيتربى ويتتلمذ في أحد المدارس نحو 12 عامًا يمكن استغلالها للتأثير على مصيره
إذا أردنا تنظيف بلداتنا العربية من الأسلحة فلابد من سقوط المزيد من الأبرياء. هذه حرب عصابات، رزقها دماء وخبزها رصاص. لا يمكنك أن تسلب شخص مصدر رزقه وتنتزع منه لقمة عيشه دون ان يقاوم. لا يمكننا اجتثاث هذه الجرثومة من مجتمعنا دون ثمن. هذه عملية جراحية مقيتة ومؤلمة لورم خبيث انتشر بوتيرة سريعة في كل أنحاء مجتمعنا. نعم سيسقط أبرياء غيرك يا احمد بهذه الحرب كما هو الحال في كل حرب، فعذرًا سلفًا. نحن مضطرون لخوض هذه المعركة، ولا نقبل التأخير في قطع دابر هذا الوباء الخطير. ليس في صالحنا الاجيل، تأخرنا كفايتنا، والا سنعطي ضوء أخضر لاستمرار تلك العصابات في إرهاب مجتمعنا، وتطوير تقنياتها وأدواتها واستراتيجياتها.
مجتمعنا على مر التاريخ احتاج الى البارود والسلاح للدفاع عن نفسه. في القرن التاسع عشر انتشرت عصابات قطاع الطرق على رحلات قوافل التجار، وقصص النهب والقتل انتشرت في جبال القدس على طريق يافا وغيرها. في سنوات العشرين والثلاثين من القرن العشرين استخدم السلاح لمواجهة العصابات الإرهابية الصهيونية التي أغارت على قرانا لإرهاب السكان وتهجيرهم من بيوتهم. هذا أدى الى اعتبار السلاح أداة مهمة وشرعية للدفاع عن النفس والمقاومة. فكتبت الاشعار فيه وتغنى الناس به فخرًا ومجدًا. بل صار الناس يشهرون أسلحتهم بالأعراس والمناسبات دون حياء لأنه يدل على القوة والهيبة. ليس صدفة أن تحرك الأغاني الشعبية عن السلاح وجدان العربي: "خلي البارود يهلل ويحليها".
مع قيام دولة إسرائيل تم نزع وتجريد المواطنين العرب من الاسلحة نهائيًا، وبهذا تم طمس قصري لجزء من ميراثهم الوجودي والاجتماعي دون وضع خطة توعية أو اشفاء حقيقية. وهذا هو حال الدولة بالتعامل مع المواطنين العرب في الكثير من القضايا، فهي غير حساسة لخصوصية واحتياجات هذه المجتمع، وتتعامل معه بفوقية، مسقطة عليه إملاءات دون أن تستثمر فيه وتضع خطط طويلة المدى لتطبيق شرعها وقانونها، وهو ما يعرف بتربية الجزرة والعصا. لكن حاجة العربي للسلاح غريزية وفطرية، فما كان من رؤساء العشائر والعائلات الكبيرة بل ولأفراد الى البحث عن طرق بديلة لحيازة السلاح. استغلت الدولة هذه الحاجة واستدرجت المخاتير والاعيان للتعاون معها والوشي بالمقاومين والمجاهدين، حتى قبل قيام الدولة ابان الانتداب البريطاني، وغضت بصرها عن أسلحة تلك العشائر وابنائها مقابل تعاونهم وعمالتهم. وكان هذا حجر الأساس في تجنيد فئات من مجتمعنا للجيش الاسرائيلي. فالتحاق الفرد بالجيش يعطيه مباشرة رخصة سلاح تؤهله لاقتناء سلاحه لاحقًا، فيسترد بذلك شرفه وهيبته وتتعزز مكانته ومكانة قبيلته بحسب الأعراف المتوارثة. ناهيك عن التسهيلات الأخرى في فرص العمل والمسكن.
في العقدين الأخيرين، وتحديدًا بعد الانتفاضة الثانية واحداث أكتوبر 2000 التي استشهد خلالها 13 مواطنًا عربيًا من الداخل نتيجة لقمع الشرطة لمظاهرات واحتجاجات الغضب، نشأت ازمة ثقة حقيقية بين الشرطة والمواطنين العرب وعلى راسهم أعضاء الكنيست العرب والقيادات المحلية الوطنية. وتراجع دور الشرطة في البلدات العربية عن قصد خصاصًا في قضايا السلاح. فعلى الرغم من افتتاح مراكز شرطة جماهيرية في معظم القرى العربية بعد ذلك، الا انها عالجت بالأساس القضايا المدنية ولم تلتفت الى حل قضية السلاح الآخذ بالانتشار تحت سمعها وبصرها، في محاولة منها تلقين المجتمع العربي درسًا تاريخيًا يستعصي حله مستقبلًا.
من جهة ثانية وعلى ضوء التضييق على السلطة الفلسطينية من قبل الحكومة الإسرائيلية اليمينية، بعد فشل اتفاقيات السلام وتجميد عملية السلام في المسار الفلسطيني، في عهد نتنياهو ومحمود عباس، ازدهرت في الضفة الغربية وتحديدًا في قضاء مدينتي طولكرم وقلقيلية ورشات صغيرة لصناعة وتعديل الأسلحة الخفيفة لاسيما المسدسات والبنادق خصوصا من "كارلو" سهلة التركيب والعبوات الناسفة والقنابل الصوتية التي صارت تدر على هؤلاء الحدادين والحرفيين أموالاً طائلة تحت اعين الأذرع الامنية الفلسطينية والإسرائيلية ومخابراتها بما يعرف بالتنسيق الأمني بين الطرفين. فصار تهريب السلاح اسهل من تهريب البيض واللحوم على المعابر لا سيما الى منطقة المثلث الجنوبي حيث يعيش آلاف الفلسطينيين بتصاريح عمل أو عقود لم شمل.
ومع هذه الاتاحة والتسهيلات نشأت عصابات الاجرام في مجتمعنا العربي وازدهرت ودخل السلاح الى بيوتنا دون رقيب او حسيب، وكان العقد الأول من القرن الواحد والعشرين عبارة عن وضع الأسس والبنى التحتية لتلك العصابات وبناء ثوابتها وقوانينها الداخلية وتوزيع مناطق نفوذها حتى لا تصطدم ببعضها البعض مستقبلًا. هكذا دخلت هذه العصابات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين لتنطلق بعملياتها النوعية، فانتشرت في السنوات الأخيرة عمليات السطو المسلح على المصالح التجارية بما يعرف باسم الخاوا، وأعطت هذه العصابات الأسلحة للعائلات المتناحرة على الانتخابات للسلطات المحلية، وتوسعت أعمالها لتنفيذ عمليات سطو وإرهاب لصالح كل من يدفع بدل خدماتها.
وانجرف شبابنا نحو هذه الافة مع غياب مؤسسة التربية والتعليم التي انشغلت في رفع التحصيل العلمي بحسب توجيهات وزارة التربية والتعليم مهملة دورها التاريخي في تربية وتنشئة جيل الغد، الذي عزف عنها ومقتها وصارت عبئًا ثقيلًا عليه، كل همه وهم أهله ان ينتهي منها بنجاح. وشكلت مسلسلات مثل الأسطورة والهيبة وافلام مثل العراب وغيرها قيم بديلة في ظل غياب دور المدرسة، وصارت مصدر الهام للكثير من الشباب الذين تم تجنيدهم ضمن تلك العصابات ناهيك عن ألعاب الإنترنت مثل (الفورت نايت والببجي و كول اوف ديوتي) بمضامينها الاجرامية المتمثلة بقتل بأحدث الأسلحة وتعاطي مخدرات وتحشيش وتدخين يمارسها الشاب بنفسه عن طريق محاكاة افتراضية، فتدفعه لتجريبها في العالم الواقعي المعاش.
أصبحت ثقافة الهيبة جزءً من تراثنا فتسللت الى فئات الشباب وأصبحت تترجم على شكل قصات شعر تشبه قصة شعر (محمد رمضان) في مسلسل رمضاني وتدخين الحشيش وغيرها، ولبس بلوزات سوداء من ماركت عالمية مثل (بير كاردين وبوس ولاكوست وتومي). إضافة الى لغة جديدة أخذت تنتشر بين شبابنا وقاموس لم يعهده جيل الإباء ولم يربوا أولادهم عليه فدخلت كلمات مثل (بعرضك وعرض خواتك وامك، دود). وأصبحت أغاني المهرجان المصرية أمثال أغاني (حسن شاكوش وحمو بيكا) التي تتحدث أخلاق وقيم رجال العصابات وتعطيهم تبريرات لما يفعلونه هي البدائل القيمة التي يتغذى عليها شباب اليوم.
لم تفقد المدرسة لوحدها دورها في تربية هذا الجيل بل تعداها الى دور الآباء والأمهات الذين فقدوا السيطرة على هذا الجيل لصالح الشبكات التواصل العنكبوتية التي تبث لهم 24 ساعة مواد حول الهيبة وكل ما تقدم. لم تعد الام او الاب يفهمان من اين يجيء طفلهما الذي رباه "كل شبر بنذر" بهذه القيم وهذه اللغة في شبابه!
اعيد واكرر، نعم فقدنا السيطرة على شبابنا، هذا جيل يتربى ويتغذى 24 ساعة على مضامين ولغة يذوتها يوميًا من خلال تواصل عبر الشبكة العنكبوتية. شباب اليوم منعزلين عن أهلهم وذويهم بل حتى عن معلميهم ومدارسهم. المدرسة بالنسبة لهؤلاء الشباب مجرد أداة للعلامات التي أصبحت توزع عليهم بالمجان دون بذل جهد حقيقي. أما دور المعلم المربي فقد غاب وتبخر امام دور التواصل الاجتماعي الانترنتي.
للخروج من هذا الوضع اقترح أمرين:
أولا خوض حرب شرسة فورية ضد عصابات السلاح بالتعاون مع الشرطة والحكومة بأذرعها المختلفة وسيكون لهذه المعركة خسائر في صفوف الأبرياء كما حصل اليوم في طمرة.
ثانيًا يجب وضع خطة تدخل شاملة لجهاز التربية والتعليم التقليدي فكل شاب حتمًا بحسب قانون التعليم الإلزامي سيتربى ويتتلمذ في أحد المدارس نحو 12 عامًا يمكن استغلالها للتأثير على مصيره من خلال وضع خطة عمل وتدخل تربوي مبني على زرع قيم وثوابت من جيل الطفولة المبكرة، يشمل تدريبات ومشاركة مجتمعية حقيقية وانخراط في حياة مجتمعنا خارج إطار المدرسة.
مدارسنا تعج برجال العصابات المستقبليين هم هناك يجلسون اطفالا على مقاعد الدراسة، يجب أن نصل إليهم ونؤثر عليهم ونغير مصيرهم.
هذا ممكن فقط من خلال الحكومة ومن خلال وزارة التربية والتعليم التي لا ترى نفسها شريكة لهذه الرؤية. التي لا ترى نفسها حتى الساعة شريكة في تربية جيل المستقبل ولا جزءً من حل مشكلة العنف المستشري في مجتمعنا، على أساس أنه يجري في الشارع وليس في المدرسة ذاتها، كأنها منقطعة ولا علاقة لها بما يحث خارج أسوارها العالية. فمثلا أعلن اليوم الاضراب الشامل في بلدة طمرة احتجاجًا على قتل المرحوم الشاب أحمد حجازي رميًا بالرصاص عن طريق الخطأ، إلا أن وزارة التربية والتعليم فرضت على معلميها في طمرة التعليم بشكل اعتيادي عبر الزووم! مع العلم ان كل طمرة والمجتمع العربي مصعوق بما حدث الليلة الماضية! أما في مدارس البلدات الأخرى في مجتمعنا العربي لم تقم الوزارة بتوجيه المعلمين لفتح الموضوع لمناقشته بين المعلمين والطلاب كان الأمر لا يعنيهم وكأن امرًا لم يحدث!
علينا التحرك فورًا لعلاج مجتمعنا من افة استشرت واستفحلت فيه.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com