الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / نوفمبر 23:01

القائمة العربية الموحدة بين الحقيقة والوهم

ابراهيم عبدلله صرصور

ابراهيم عبد الله
نُشر: 29/03/21 15:58,  حُتلن: 19:55

للإنضمام الى مجموعة الأخبار >> whatsapp.com/channel/0029VaPmmw0FMqrR6DDyOv0E تلجرام t.me/alarabemergency

(1)

من المؤسف أن يصر البعض من بني جلدتنا من السياسيين والصحفيين والمحللين على ان يظلوا أسرى "كليشهات" انتخابية مبتذلة انتهت صلاحيتها بعد ان انقشع غبار المعركة الانتخابية عن حسم واضح بين خياري "المشتركة" و "الموحدة"... كم كنت أتمنى لو انشغل بعض السياسيين والصحفيين في عملية ترميم ما انهدم من صروح الوحدة العربية والشراكة الوطنية التي أصابها ما أصابها في ظل الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية الأخيرة التي جرت بتاريخ 23.3.2021، والتي ساهموا في صناعتها التزاما بالتقليد السائد والمتوارث (الذي أصبح من المقدسات!!) بدعم أي مشروع لإسقاط الحكومة القائمة دون النظر الى النتائج والمآلات وأثرها سلبا او إيجابا على المجتمع العربي، بدل الاستمرار في تعميق الصدع وتوسيع الشرخ الذي ان استمر فستكون له آثاره السلبية على استمرار التدهور في العلاقة بين مكونات مجتمعنا العربي الفلسطيني الذي يحتاج الى وحدته الشعورية أولا والتي هي المقدمة الضرورية لوحدته السياسية مستقبلا..

ما من شك في ان المشهد السياسي ومعه المشهد الأيديولوجي الصهيوني معقد جدا، وأصبح من الواضح ان اللون الفاشي اليميني المتطرف هو الغالب على الصورة سواء في الائتلاف او المعارضة، ولولا الصراعات الشخصية بين نتنياهو من جهة وساعر وليبرمان وبينيت من جهة أخرى، لتشكلت حكومة يمينية صرفه ومتجانسة بدعم من نحو ٨٠ عضوا يمينيا على الاقل..

أمام هذا الوضع يبرز السؤال: ماذا على النواب العرب ان يفعلوا تجاه هذا الواقع، وكيف لهم ان يتصرفوا حيال هذا الصدع في جبهة اليمين الذي هيأ الفرصة لأن يكون لهم موقعهم المميز وربما تأثيرهم أيضا في رسم المشهد السياسي المقبل في اسرائيل؟

قبل ان استأنف، اريد التأكيد هنا على ان الاحزاب الصهيونية يمينية كانت او مركز - يسارية، بما في ذلك نتنياهو، لا يريدون ان يروا كتلة عربية قوية داخل الكنيست ولا مجتمعا عربيا صلبا خارج الكنيست... الا ان واقعهم السياسي دائما - ولكن هذه المرة بشكل أكثر حِدَّةً - يضطرهم اضطرارا لِخَطْبِ وُدِّ الأحزاب العربية طمعا في تشكيل حكومة برئاسة هذا الطرف او ذاك..

من الواضح أيضا أن "القائمة العربية الموحدة" هي صاحبة الفرص الأكبر في التأثير على المشهد السياسي الإسرائيلي، لإصرارها على ان تظل مستقلة في توجهها السياسي فلا هي في جيب اليمين ولا هي في جيب المركز واليسار (اليمين المعارض)، وإنما هي في جيب شعبها ومجتمعها العربي الفلسطيني الذي تُحدد مصالحُه فقط المكان الذي ستكون فيه وسط الفوضى التي أصبحت السمة البارزة للمشهد السياسي الإسرائيلي في السنتين الماضيتين وخلال أربع جولات من الانتخابات البرلمانية التي لم تحسم النتائج لأي طرف من الطرفين المتنافسين!... لذلك لم نستغرب ان تكون "الموحدة" هي العنوان الأول (وليست المشتركة) الذي تتصل به قيادة المعسكرين: المعارض (لبيد وشركاه)، والمؤيد لنتنياهو (الليكود وشركاه) للتفاوض حول فرص التعاون في المرحلة المقبلة..

(2)

لنبدأ القصة من بدايتها.. استمرار البعض من قادة المشتركة ومعهم بعض الصحفيين والمحللين وأصحاب الرأي، في الادعاء الذي لا يقوم على دليل وكأن نتنياهو هو مَنْ فكك المشتركة، هو في نظري المتواضع وَهْمٌ لا أساس له، وهو ادعاء يحاول أصحابه عبثا ان يختبئوا في ظله هربا من الاعتراف بحقيقة فشلهم في استشراف المستقبل كما فعلت "الموحدة"، والذي جاءت صورته حاسمة كما تبين من نتائج الانتخابات للكنيست ال - 24..

كما هو حال العقلية العربية التي تأوي الى كهف نظرية المؤامرة في تفسير اخفاقاتها المستمرة في جميع المجالات بدل الاعتراف بفشلها الذي قدم "الهزيمة" هدية لعدوها على طبق من ذهب دونما عناء، يحدث مع الأسف مع بعض قادة الأحزاب العربية ومن والاهم من الصحفيين والمحللين، فينسبون تفكيك "المشتركة" الى نتنياهو، بينما الحقيقة ان الذي فكك "المشتركة" هي الجبهة والحزب الشيوعي ممثلين في مندوبهم الذي أمسك بخيوط المفاوضات، وفرض ارادته على "التجمع" و "التغيير"، فتسبب باغتيال اية فرصة لاستمرار المشتركة، وبهذا اطلق رصاصة الرحمة - عمدا او عنجهية - على رأس اجمل انجاز حققناه كمجتمع عربي منذ النكبة وحتى اليوم.. هذه هي الحقيقة التي يراها الكثيرون ومنهم دكتور ثابت ابو راس وعشرات غيره من المطلعين والمنصفين من المحللين والخبراء السياسيين ...

(3)

هنا اعود لأسأل: امام هذا الواقع السياسي ماذا على النواب العرب (وليس فقط الموحدة) ان يفعلوا؟ كيف لهم ان يستغلوا هذا الانقسام الحاد في الخريطة السياسية الاسرائيلية التي تجعل منهم بيضة القبان؟ اية انجازات يمكن ان يحققوها في ظل هذا الوضع؟ ...

منعا لأي سوء فهم او تفسير، أؤكد هنا مسبقا أنه بالنسبة لي فإن اي انجاز اقل من تحرير فلسطين بما في ذلك القدس الشريف والمسجد الاقصى المبارك، وكنس الاحتلال الاسرائيلي، وإنجاز الاستقلال، وعودة اللاجئين الى وطنهم السليب، وارجاع الارض العربية والاوقاف الإسلامية المصادرة في اسرائيل بشكل كامل، واعادة نحو ٣٠٠ ألف عربي من "الغائبين الحاضرين" الى قراهم المهجرة، وتحول مدننا وقرانا العربية الى (سفيون)، اي انجاز بالنسبة لي اقل من ذلك، هو قليل وفتات...!

ولكن: هل هذا ما نريده كمجتمع عربي من النواب العرب؟ وهل يستطيع النواب العرب تقديم ذلك على طبق من ذهب للمجتمع العربي وللشعب الفلسطيني والأمة العربية والاسلامية؟ وهل من الممكن عقلا أن يقدم النواب العرب هذه الطلبات المشروعة كشروط لا نحيد عنها للوصول الى نتائج تخدم مجتمعنا العربي الذي يقف وحيدا في ساحة المواجهة مع الصهيوينة بعدما لم يعد له وجود على اجندات النظام الرسمي العربي المهرول في اغلبه في اتجاه إسرائيل، والذي فرض على شعوبه أشرس أنواع الدكتاتوريات والاستبداد والفساد؟! هل نتوقع من هكذا نظام ان يهتم بنا وبمصيرنا؟ طبعا لا! لذلك لا بد من نأخذ زمام المبادرة بأنفسنا، ولا ننتظر الفرج ان يأتينا من وراء الحدود، ف – "ما بحط جلدك مثل ظفرك" ...

لأكون صريحا أكثر: هل يريد المجتمع العربي موضوعيا ذلك فعلا؟ ام هي المماحكة السياسية والصراعات الحزبية البينية، والخطاب الديماغوجي الذي لا شفاء منه؟!

اعتقد اننا كعرب: مجتمعا وقيادة، إذا فهمنا هذه القواعد البديهية، وعرفنا حدود تأثيرنا، ولائحة اولوياتنا، فسيكون سهلا علينا ان نتفق وان نتجاوز ازماتنا الشخصية والحزبية، وان نُعَظِّمَ من فرص تأثيرنا على السياسة الإسرائيلية فيما هو ممكن من غير تنازل عن ثوابتنا الدينية والوطنية التي لن نتنازل عنها مهما كلفنا ذلك من أثمان.. فإن حققنا المُراد فبها ونعمت، وإلا فقد أُعْذِرنا أمام الله وشعبنا والتاريخ!...

(4)

لأعد مرة اخرى الى الموضوع.. ما من شك في ان فرص المناورة عند "الموحدة" أكثر بكثير منها عند "المشتركة"، فالأخيرة قبرت نفسها تحت بلاط المعارضة لنتنياهو والتي تشمل ليبرمان (المحب للعرب!!)، وساعر (المحب للشعب الفلسطيني وحقوقه!!)، ولبيد (صاحب نظريته الشهيرة/زوعابيس وابن اليميني المتطرف يوسف "طومي" لبيد!!)، وغانتس (المفاخر بعدد من قتل من الفلسطينيين!!)، وحزب العمل (الذي صنع النكبة والتمييز العنصري واقام المستوطنات وهَوَّدَ القدس!!) ...

أما الموحدة فلم تقبر نفسها تحت بلاط هؤلاء ولا بلاط نتنياهو وائتلافه من العنصريين والفاشيين، وإنما وضعت نفسها في جيب شعبها وفي خدمته فقط، وستحقق له ما تستطيع من مصالح دون ان تقدم اية تنازلات تمس ثوابتنا الدينية والوطنية، كما لن تقايض على حققوها المشروعة ابدا، ولن تقدم تنازلات من أي نوع تمس هذه الثوابت او تنتقص منها...

لذلك اعلنت قيادة "الموحدة" انها ستُجري مفاوضات مع الطرفين من موقع مستقل تماما، وستضع على الطاولة جميع الملفات التي يمكن ان يفكر فيها الفلسطيني والعربي الحر بما في ذلك القضايا السياسية والمدنية الكبرى، على أمل ان تصل الى ما يُلبي الجزء الأكبر من مطالب مجتمعنا العربي وشعبنا الفلسطيني...

(5)

لسنا نحن العرب من نشكل الخريطة السياسية الإسرائيلية كما هو معلوم، لكننا نحن امام هذا الانقسام الحاد وحاجة الطرفين لنا كنواب عرب، من نستطيع المحاولة لنصنع التغيير في السياسات وتحقيق الانجازات..

لأتفق ولو مؤقتا مع نواب "المشتركة" في اصطفافهم مع المعارضة لنتنياهو على ما هم عليه من (محبة لمجتمعنا العربي وشعبنا الفلسطيني!!!!)، واسال سؤال المليون: ماذا سمع الاخوة نواب "المشتركة" من زعماء احزاب المعارضة بشأن استعدادها لتقديم (كبد الحوت) للمجتمع العربي والشعب الفلسطيني، حتى آتي بنواب "الموحدة" داعمين ومؤيدين؟ الجواب: لم تقدم هذه الاحزاب شيئا حتى الآن.. على العكس تماما، فما زال منهم من يرفض الاعتماد على نواب "المشتركة" لإقامة حكومة بديلة، تماما كما يرفص حزب شموتريتش - بن غفير ذلك في جانب نتنياهو..

(5)

اعتقد - نهاية - انه لا جدوى من استمرار الحديث المضلل والمشاكس الذي لا طائل تحته عن (تفكيك نتنياهو للمشتركة) و (ان الموحدة في جيب نتنياهو) و (ان الخلاص سياتي من ليبرمان وساعر وبينيت/المعارضة) و (انه لا خيار امام النواب العرب الا ان يكونوا في جيب المعارضة) الخ....

آن الاوان ان نفهم اللعبة السياسية كما يجب بعيدا عن الشعارات الفارغة والديماغوجية التي ما زال يتمسك بها نواب المشتركة رغم نتائج الانتخابات الكارثية!

كم كنت اتمنى ان تكون "المشتركة" مع "الموحدة" في استقلالها الكامل حتى تكون قدرة المجتمع العربي على تحقيق الحقوق أكبر وأكبر، الا انه مع الاسف فما زال نواب "المشتركة" ومن يقف وراءهم أسري خيالات واوهام ستؤدي حتما الى مزيد من خيبات الامل والاحباط لدى المجتمع العربي..

كما ان النواب العرب فاوضوا حكومة رابين في تسعينات القرن الماضي فحققوا الكثير من الإنجازات مقابل دعم حكومته من الخارج خصوصا في ملفي الميزانية واوسلو (بغض النظر عما آلت اليه الأوضاع فيما بعد بالنسبة لهذا الاتفاق)، دون ان تقدم أية تنازلات من أي نوع تمس الثوابت الدينية والوطنية، وكما ان "الموحدة" امتنعت عن التصويت ضد ميزانية حكومة نتنياهو الأولى (1996) مقابل الغاء قانون الأملاك الذي بات يهدد بمصادرة ما تبقى من الأراضي العربية الخاصة، ودعمها لمشروع حكومة شارون الانسحاب من قاطع غزة (2005) مقابل رزمة من الإنجازات النوعية، دون ان تقدم أية تنازلات من أي نوع تمس الثوابت الدينية والوطنية ايضا، كذلك الامر اليوم، لا مانع ابدا من المناورة بذات الطريقة لتحقيق منجزات نوعية دون التنازل عن اية من الثوابت، ودونما أي نوع من المقايضة مهما كان شكلها او نوعها!...

ليس ما اعرضه هنا بدعة جاءت بها الموحدة دون غيرها، فقد استمعت في الأيام الأخيرة الى تصريحات معظم قادة ثلاثية المشتركة في وسائل الاعلام العربية والعبرية ومنها تصريحات النائب سامي ابو شحادة رئيس التجمع الوطني الديموقراطي في لقاء له مع الشبكة الثانية لراديو إسرائيل بالعبرية (29.3.2021)، حيث أكدوا جميعا على ان الأولوية الأولى بالنسبة لهم والتي ستكون محور المفاوضات بينهم وبين قيادة المعارضة هي الجانب المطلبي المدني، دون التنازل عن التمسك بالحقوق القومية والوطنية لمجتمعنا العربي ولشعبنا الفلسطيني التي سنستمر في المجتمع العربي جماهيرا وقيادة في دعمها تأييدها حتى آخر نفس، لكن الأخيرة لن تكون في جوهر المفاوضات لأن لها من يمثلها وطنيا ورسميا!.. فلماذا الخُلف بينكم لماذا؟

وصولا الى السيناريو الاخير، اقول: لنفرض جدلا ان احدا من الطرفين لم يقدم للأحزاب العربية ما يشفي الغليل، وهذا أيضا متوقع جدا، فماذا ستكون النتيجة؟ لا شيء.. سنبقى نخوض معارك البقاء حتى يقضي الله امرا كان مفعولا...

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة